استمرارًا في العهد الذي قطعته بصدد شهادة السيد عبدالمنعم الهوني عن عهد الفاتح من سبتمبر 69؛ حيث الإطاحة بعرش الملك إدريس، وقد كان عبد المنعم أحد الاثني عشر من النُقباء الذين أُطلق عليهم مجلس قيادة الثورة تصدرهم الملازم معمر القذافي الذي رُفعَ إلى رتبة عقيد، أريد أن أُدون ما لدي عن المناضل والصديق عامر الدغيّس رئيس حزب البعث العربي الاشتراكي، فقد جاء في الشهادة المذكورة أن الدغيّس بدأ في النشاط عقب سبتمبر مباشرة، وأن القادة الجدد لفتوا نظره بحضور السيد سعد الدين بوشويرب الذي عيّن إذاعيًّا رئيسًا للأركان ووضِعَ عمليًّا تحت المراقبة، كما رويت عن المرحوم موسى أحمد، إلى أن تدخل موسى لدى القذافي ليُكلَّف سفيرًا بمصر، فما علمته أن المرحوم عامر شرع سريعًا في الاتصالات التليفونية سائلًا محدثيه عن هوية الموجودين، مدفوعًا ربما بعلمه عن الاتصالات المتوالية التي كان يقوم بها السفير ديفيد نيوسم بأكثر من طرف ليبي من بينهم المرحوم علي وريث الذي أذكر أنني مررت يومًا بحي بلخير فوجدته أمام منزل أبيه الذي قام بصيانته استعدادًا ـ كما ذكر لي ـ لإصدار جريدته «البلاغ»، التي توقفت من طرف السلطة وأن الاستئناف المنتظر سيكون بعد زوال العهد، كما أن المرحوم عبدالحميد البكوش، بحكم ما توصل إليه من جاهزية النظام لأي بديل، لم يُخفِ هذه المعلومة عن عامر، لأن البكوش يهمه أن تؤول السلطة إلى أصدقائه ولو سبق ذلك سجن البكوش بعض الوقت، أما التحرك الذي يقصده الهوني، وربما الاستعداء، ربما يكون قد حدث عقب قدوم الوفد العراقي الذي ترأسه مهدي عمّاش وضم ـ ضمن من ضم ـ السيد صدام حسين الذي طلب من العهد الجديد أن يدعو له رفاقه البعثيين فحأُضِروا يتقدمهم الدغيّس، وكما رويت عنه في آخر لقاء سبق سجنه وإعدامه بأيام أن صدام حثَّ رفاقه على الحذر من حسن الظن الذي قد يؤدي إلى موتهم كالعصافير، فلا بد لسلامتهم من تأمين السلاح كي يدافعوا أو لينتصروا، وكان تقدير الدغيّس متمثلًا في رفض التوجيه وشاركه شرف الدين وصالح الشريف، وأصرَّ آخرون على البقاء.
كان هذا الحديث عقب دعوته من خليفة حنيش وعلمه -أي عامر- أن المعارضة ستتصل به، وقد رد أنه لم ولن يتآمر ولكنه لن يقوم بدور الشرطي، وأشهد أنني أدركت نهاية الرجل، مع علمي بموقفه عن المعارضة، وقد سألته عمّا إذا كان معمر قد اقترب من تنظيم البعث ورُفِض كما ذكر في أحد أحاديثه، فأكد لي صحة الواقعة وحدد رأي الرفض في السيد بشير بن كورة الذي وصفه بالمتهور وربما أكبر..
كانت أسئلة حنيش، كما قدّرت وعلمت من آخرين، خلاصة ما تقرر بشأنه وربما الأستاذ علي بوزقية الذي استقبل في ذات الفترة وسافر يوم مقتل عامر ومكنه من السفر الحاج الغزالي الذي كان مطمئنًا لحسن ردود بوزقية – وقد أعادها عليَّ – رحمه الله، وكما قلت وأكرر لن تقلل هذه الإضافات من صنيع السيد عبد المنعم بإدلائه بما لديه عن المرحلة، فنحن في حاجة إلى كل معلومة وكل رواية، وليس كل سكوت علامة الرضا، نعم.. ألم يقل العرب في أمثالهم القديمة «الساكت عن الحقِّ شيطانٌ أخرس»