الرئيسيةتقارير

الصحافة‭ ‬الورقية..في‭ ‬مواجهة‭ ‬الطوفان‭!!‬

منى الساحلى

ومع‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬الحادي‭ ‬والعشرين،‭ ‬بدأت‭ ‬موازين‭ ‬القوى‭ ‬تهتز‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬الثورة‭ ‬الرقمية‭. ‬اليوم،‭ ‬نحن‭ ‬لا‭ ‬نعيش‭ ‬مجرد‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬الوسيلة،‭ ‬بل‭ ‬نعيش‭ ‬تحولاً‭ ‬جذرياً‭ ‬في‭ ‬سيكولوجية‭ ‬الاستهلاك‭ ‬المعرفي‭. ‬فالسؤال‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬‮«‬هل‭ ‬ستختفي‭ ‬الصحف؟‮»‬‭ ‬بل‭ ‬‮«‬كيف‭ ‬ستتشكل‭ ‬الهوية‭ ‬الجديدة‭ ‬للخبر‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬السرعة‭ ‬اللحظية؟‮»‬‭.‬

‭ ‬فالصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬إرث‭ ‬يمتد‭ ‬لمئات‭ ‬السنين،‭ ‬ولديها‭ ‬نقاط‭ ‬قوة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تجذب‭ ‬فئة‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬منا‭ ‬المصداقية‭ ‬والعمق‭: ‬حيث‭ ‬تخضع‭ ‬المادة‭ ‬الورقية‭ ‬لدورة‭ ‬تحريرية‭ ‬صارمة‭ ‬‮«‬تدقيق،‭ ‬مراجعة،‭ ‬ضبط‭ ‬لغوي‮»‬،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬نسبة‭ ‬الخطأ‭ ‬فيها‭ ‬ضئيلة‭ ‬مقارنة‭ ‬بالسرعة‭ ‬‮«‬المتهورة‮»‬‭ ‬أحياناً‭ ‬في‭ ‬المواقع‭ ‬الإلكترونية‭.‬

الى‭ ‬جانب‭ ‬الطقس‭ ‬القرائي‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬النخبة‭ ‬والمثقفين‭ ‬تقدس‭ ‬ملمس‭ ‬الورق‭ ‬ورائحة‭ ‬الحبر،‭ ‬وتعتبر‭ ‬القراءة‭ ‬الورقية‭ ‬عملية‭ ‬تركيز‭ ‬ذهني‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬تشتت‭ ‬الروابط‭ ‬التشعبية‭ ‬والإعلانات‭ ‬المنبثقة‭.‬

كذلك‭ ‬التوثيق‭ ‬التاريخي‭ ‬حيث‭ ‬تظل‭ ‬الصحيفة‭ ‬الورقية‭ ‬وثيقة‭ ‬مادية‭ ‬يمكن‭ ‬أرشفتها‭ ‬والرجوع‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬المكتبات‭ ‬كمرجع‭ ‬تاريخي‭ ‬ثابت‭.‬

اما‭ ‬عن‭ ‬الاكتساح‭ ‬الإعلام‭ ‬الرقمي‭.. ‬ثورة‭ ‬‮«‬الآن‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬هنا‮»‬‭ ‬فقد‭ ‬فرض‭ ‬الإعلام‭ ‬الرقمي‭ ‬نفسه‭ ‬كواقع‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهله،‭ ‬مستنداً‭ ‬إلى‭ ‬مميزات‭ ‬تقنية‭ ‬فائقة‭:‬

الآنية‭ ‬والسرعة‭: ‬الخبر‭ ‬ينتقل‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬وقوعه‭. ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬القارئ‭ ‬ينتظر‭ ‬‮«‬طبعة‭ ‬الفجر‮»‬‭ ‬ليعرف‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مساء‭ ‬أمس‭.‬

التفاعلية‭: ‬تحول‭ ‬القارئ‭ ‬من‭ ‬متلقٍ‭ ‬سلبي‭ ‬إلى‭ ‬مشارك‭. ‬التعليقات،‭ ‬الإعجابات،‭ ‬والمشاركة‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬الخبر‭ ‬‮«‬حواراً‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬‮«‬خطاباً‮»‬‭.‬

الوسائط‭ ‬المتعددة‭: ‬الخبر‭ ‬الرقمي‭ ‬مدعوم‭ ‬بالفيديو،‭ ‬الصوت،‭ ‬والخرائط‭ ‬التفاعلية،‭ ‬مما‭ ‬يعزز‭ ‬تجربة‭ ‬الفهم‭.‬

التكلفة‭ ‬والوصول‭: ‬الوصول‭ ‬للمعلومة‭ ‬أصبح‭ ‬مجانياً‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬وعبر‭ ‬جهاز‭ ‬لا‭ ‬يفارق‭ ‬جيب‭ ‬المستخدم‭ )‬الهاتف‭ ‬الذكي‭(.‬

ولو‭ ‬جاءنا‭ ‬الى‭ ‬نقطة‭  ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ومعركة‭ ‬البقاء

فهذا‭ ‬هو‭ ‬الميدان‭ ‬الأصعب؛‭ ‬فالصحف‭ ‬الورقية‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬أزمة‭ ‬مالية‭ ‬خانقة‭ ‬بسبب‭:‬

هجرة‭ ‬المعلنين‭: ‬انتقلت‭ ‬ميزانيات‭ ‬الإعلانات‭ ‬الضخمة‭ ‬من‭ ‬صفحات‭ ‬الجرائد‭ ‬إلى‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ومحركات‭ ‬البحث‭  ‬لدقتها‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬الجمهور‭.‬

ارتفاع‭ ‬تكاليف‭ ‬الإنتاج‭: ‬من‭ ‬ورق،‭ ‬وحبر،‭ ‬وصيانة‭ ‬مطابع،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تعقيدات‭ ‬شبكات‭ ‬التوزيع‭ ‬والشحن‭.‬

انخفاض‭ ‬الاشتراكات‭: ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬

‭)‬Z‭ ‬و‭ ‬Alpha‭( ‬لا‭ ‬تشتري‭ ‬الصحف،‭ ‬بل‭ ‬تستقي‭ ‬معلوماتها‭ ‬من‭ ‬‮«‬تيك‭ ‬توك‮»‬‭ ‬و‭ ‬‮«‬تويتر‮»‬‭.‬

وهذا‭ ‬يقودنا‭ ‬باى‭ ‬حال‭ ‬الى‭ ‬نقطة‭ ‬مستقبل‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭.. ‬هل‭ ‬هو‭ ‬الفناء؟

السيناريوهات‭ ‬القادمة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬لن‭ ‬تختفي‭ ‬كلياً،‭ ‬بل‭ ‬ستتحول‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬منتج‭ ‬نخبوي‮»‬‭:‬

الصحافة‭ ‬الاستقصائية‭: ‬ستتخلى‭ ‬الورقيات‭ ‬عن‭ ‬نقل‭ ‬‮«‬الأخبار‭ ‬العاجلة‮»‬‭ ‬‮«‬لأنها‭ ‬خاسرة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المضمار‮»‬‭ ‬وتتفرغ‭ ‬للتحليلات‭ ‬العميقة،‭ ‬والتحقيقات‭ ‬المطولة،‭ ‬والمقالات‭ ‬الرصينة‭.‬

التحول‭ ‬الهجين‭: ‬المؤسسات‭ ‬الصحفية‭ ‬الناجحة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬استثمرت‭ ‬في‭ ‬بوابات‭ ‬رقمية‭ ‬قوية‭ ‬تدر‭ ‬دخلاً،‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬ورقي‭ ‬أسبوعي‭ ‬فاخر‭ ‬يعمل‭ ‬كواجهة‭ ‬‮«‬برستيج‮»‬‭ ‬للمؤسسة‭.‬

نماذج‭ ‬الدفع‭ ‬الرقمي‭: ‬بدأ‭ ‬القارئ‭ ‬يتقبل‭ ‬فكرة‭ ‬دفع‭ ‬مقابل‭ ‬المحتوى‭ ‬الجيد‭ ‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬ينقذ‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحفية‭ ‬من‭ ‬الإفلاس‭. ‬

لقد‭ ‬غير‭ ‬الإعلام‭ ‬الرقمي‭ ‬‮«‬سيكولوجية‭ ‬الخبر‮»‬‭. ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬القارئ‭ ‬ينتظر‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬حدث؛‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬يريد‭ ‬معرفة‭ ‬‮«‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‮»‬‭.‬

الديمقراطية‭ ‬الإعلامية‭: ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الرقمي،‭ ‬أصبح‭ ‬‮«‬المواطن‭ ‬الصحفي‮»‬‭ ‬واقعاً‭. ‬كل‭ ‬شخص‭ ‬يحمل‭ ‬هاتفاً‭ ‬ذكياً‭ ‬هو‭ ‬محطة‭ ‬بث‭ ‬محتملة،‭ ‬مما‭ ‬كسر‭ ‬احتكار‭ ‬المؤسسات‭ ‬الكبرى‭ ‬للمعلومة‭.‬

الوسائط‭ ‬التفاعلية‭: ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الخبر‭ ‬مجرد‭ ‬نص‭ ‬وصورة‭ ‬صامتة،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬مزيجاً‭ ‬من‭ ‬الفيديو،‭ ‬والرسوم‭ ‬البيانية‭ ‬التفاعلية‭ ‬،‭ ‬هذا‭ ‬التعدد‭ ‬يرضي‭ ‬حواس‭ ‬المتلقي‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬يميل‭ ‬إلى‭ ‬البصر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬القراءة‭ ‬المطولة‭.‬

خوارزميات‭ ‬التخصيص‭: ‬الإعلام‭ ‬الرقمي‭ ‬يعرف‭ ‬ما‭ ‬تحب‭. ‬عبر‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬حيث‭ ‬تصلك‭ ‬الأخبار‭ ‬التي‭ ‬تهمك‭ ‬فقط،‭ ‬مما‭ ‬يوفر‭ ‬وقت‭ ‬القارئ‭ ‬ولكنه‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬يحبسه‭ ‬في‭ ‬‮«‬فقاعة‭ ‬فكرية‮»‬‭.‬

‭ ‬و‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬اخرى‭ ‬مهمة‭ ‬وهى‭ ‬الناحية‭  ‬الاقتصادية‭ ‬فيمكننا‭ ‬القول‭ ‬بان‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬هو‭ ‬طعنة‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬المطابع

لان‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬ليس‭ ‬تقنياً‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مالي‭ ‬بامتياز‭.‬واقرب‭ ‬مثال‭ ‬هجرة‭ ‬الإعلانات‭: ‬تاريخياً،‭ ‬كانت‭ ‬الإعلانات‭ ‬هي‭ ‬العمود‭ ‬الفقري‭ ‬لتمويل‭ ‬الصحف‭. ‬اليوم،‭ ‬تذهب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭\% ‬من‭ ‬ميزانيات‭ ‬الإعلان‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬عمالقة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬مثل‭ (‬Google‭) ‬و‭ (‬Meta‭)‬،‭ ‬لأنها‭ ‬توفر‭ ‬استهدافاً‭ ‬دقيقاً‭ ‬للجمهور‭ ‬لا‭ ‬توفره‭ ‬الصحيفة‭ ‬الورقية‭.‬

تكاليف‭ ‬التشغيل‭: ‬تعاني‭ ‬الصحف‭ ‬من‭ ‬تكلفة‭ ‬الورق‭ ‬المتزايدة،‭ ‬أسعار‭ ‬الحبر،‭ ‬صيانة‭ ‬المطابع‭ ‬الضخمة،‭ ‬وتعقيدات‭ ‬لوجستيات‭ ‬التوزيع‭ ‬والوصول‭ ‬إلى‭ ‬القرى‭ ‬والمدن‭ ‬البعيدة‭.‬

المحتوى‭ ‬المجاني‭: ‬اعتاد‭ ‬الجمهور‭ ‬على‭ ‬استهلاك‭ ‬الخبر‭ ‬مجاناً‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت،‭ ‬مما‭ ‬جعل‭ ‬فكرة‭ ‬دفع‭ ‬مبلغ‭ ‬مالي‭ ‬مقابل‭ ‬‮«‬جريدة‮»‬‭ ‬تبدو‭ ‬فكرة‭ ‬قديمة‭ ‬وغير‭ ‬مجدية‭ ‬للكثيرين‭.‬

لقد‭ ‬اصبحت‭ ‬هناك‭ ‬فجوة‭ ‬جيلية‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬استهلاك‭ ‬الإعلام‭. ‬جيل‭ ‬رقمى‭ ‬وجيل‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يحتفظون‭ ‬بعلاقة‭ ‬عاطفية‭ ‬مع‭ ‬الصحيفة‭ ‬المطبوعة‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬روتين‭ ‬الصباح‭. ‬أما‭ ‬جيل‭ ‬الألفية‭ ‬فهم‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬الصحيفة‭ ‬الورقية‭ ‬إلا‭ ‬وسيلة‭ ‬بطيئة،‭ ‬غير‭ ‬صديقة‭ ‬للبيئة،‭ ‬ومعلوماتها‭ ‬‮«‬بايتة‮»‬‭ )‬قديمة‭( ‬بمجرد‭ ‬صدورها‭. ‬بالنسبة‭ ‬لهم،‭ ‬الخبر‭ ‬هو‭ ‬‮«‬تغريدة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬فيديو‭ ‬قصير‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬60‭ ‬ثانية‭.‬

ولكي‭ ‬تستمر‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحفية،‭ ‬بدأت‭ ‬بتبني‭ ‬استراتيجيات‭ ‬تحولية‭ ‬مثل

الجدران‭ ‬المدفوعة‭: ‬مثل‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬قاعدة‭ ‬مشتركين‭ ‬رقميين‭ ‬يدفعون‭ ‬مقابل‭ ‬المحتوى‭ ‬النوعي،‭ ‬مما‭ ‬عوض‭ ‬خسائر‭ ‬الورق‭.‬

الصحافة‭ ‬الاستقصائية‭ ‬والتحليلية‭: ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬منافسة‭ ‬المواقع‭ ‬في‭ ‬‮«‬الخبر‭ ‬العاجل‮»‬‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬‮«‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الخبر‮»‬‭. ‬الورق‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬تفسيراً،‭ ‬تحليلاً،‭ ‬واستشرافاً،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬سرد‭ ‬للأحداث‭.‬

التحول‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مؤسسات‭ ‬محتوى‮»‬‭ ‬وليس‭ ‬‮«‬مطابع‮»‬‭: ‬الصحيفة‭ ‬الناجحة‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬نفسها‭ ‬منتجة‭ ‬لمحتوى‭ ‬يصل‭ ‬للناس‭ ‬،‭ ‬تطبيق‭ ‬هاتف،‭ ‬بودكاست،‭ ‬ونسخة‭ ‬ورقية‭ ‬نخبويّة‭.‬

وكل‭ ‬ماسبق‭ ‬يقودنا‭ ‬مرة‭ ‬اخرى‭ ‬للحديت‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭.. ‬وماهى‭ ‬السيناريوهات‭ ‬المتوقعة

فهل‭ ‬ستختفي‭ ‬الصحف‭ ‬تماماً؟‭ ‬الإجابة‭ ‬ليست‭ ‬‮«‬نعم‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬لا‮»‬‭ ‬قاطعة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تحول‭ ‬في‭ ‬الوظيفة‭:‬

سيناريو‭ ‬‮«‬السلعة‭ ‬الفاخرة‮»‬‭: ‬ستصبح‭ ‬الصحيفة‭ ‬الورقية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬ساعات‭ ‬اليد‭ ‬الميكانيكية»؛‭ ‬منتج‭ ‬كلاسيكي‭ ‬يقتنيه‭ ‬النخبة‭ ‬والمهتمون‭ ‬بالتميز،‭ ‬وتصدر‭ ‬أسبوعياً‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬يومياً،‭ ‬بجودة‭ ‬ورق‭ ‬فاخرة‭ ‬ومحتوى‭ ‬فكري‭ ‬رصين‭.‬

سيناريو‭ ‬‮«‬الاندماج‭ ‬الكامل‮»‬‭: ‬اختفاء‭ ‬النسخ‭ ‬الورقية‭ ‬تماماً‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬تقنياً،‭ ‬مع‭ ‬بقائها‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬لفترة‭ ‬أطول‭ ‬بسبب‭ ‬فجوة‭ ‬الأمية‭ ‬الرقمية‭ ‬وتوفر‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭.‬

الصحافة‭ ‬الخضراء‭: ‬قد‭ ‬تجبر‭ ‬القوانين‭ ‬البيئية‭ ‬الصحف‭ ‬على‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬الورق‭ ‬لتقليل‭ ‬الانبعاثات‭ ‬الكربونية‭ ‬وحماية‭ ‬الغابات،‭ ‬مما‭ ‬يعجل‭ ‬بالنهاية‭ ‬المادية‭ ‬للورق‭.‬

و‭ ‬بناءً‭ ‬على‭ ‬أحدث‭ ‬التقارير‭ ‬المتاحة‭ ‬لعامي‭ ‬2024‭ ‬و2025،‭ ‬إليكم‭ ‬الأرقام‭ ‬والإحصائيات‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬الواقع‭ ‬الفعلي‭ ‬لهذه‭ ‬المواجهة‭ ‬الإعلامية،

1‭. ‬سوق‭ ‬الإعلانات‭: ‬حيث‭ ‬تعكس‭ ‬أرقام‭ ‬الإنفاق‭ ‬الإعلاني‭ ‬الفجوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الآخذة‭ ‬في‭ ‬الاتساع‭ ‬بين‭ ‬الوسيلتين‭:‬

تراجع‭ ‬عالمي‭: ‬انخفض‭ ‬الإنفاق‭ ‬الإعلاني‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬الصحف‭ ‬الورقية‭ ‬من‭ ‬110‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2007‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬26‭.‬6‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2024‭.‬

هيمنة‭ ‬الرقمي‭: ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬يمثل‭ ‬الإعلان‭ ‬الرقمي‭ ‬البحت‭ ‬حوالي‭ ‬65‭.‬9‭% ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬إيرادات‭ ‬الإعلانات‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬أفريقيا‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬2025‭.‬

نمو‭ ‬سلبي‭ ‬للورق‭: ‬يُتوقع‭ ‬أن‭ ‬يستمر‭ ‬الإنفاق‭ ‬الإعلاني‭ ‬على‭ ‬الصحف‭ ‬في‭ ‬الانخفاض‭ ‬بمعدل‭ ‬نمو‭ ‬سنوي‭ ‬مركب‭ ‬قدره‭ -‬2‭.‬09‭% ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2028‭.‬

2‭. ‬الجمهور‭ ‬والاستهلاك‭: ‬جيل‭ ‬الشاشات

الأرقام‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬جذري‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬وصول‭ ‬الناس‭ ‬للخبر‭:‬

عدد‭ ‬المستخدمين‭: ‬يُتوقع‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬جمهور‭ ‬الأخبار‭ ‬الرقمية‭ ‬العالمي‭ ‬إلى‭ ‬3‭.‬55‭ ‬مليار‭ ‬شخص‭ ‬بحلول‭ ‬نهاية‭ ‬عام‭ ‬2025‭.‬

المصادر‭ ‬الرئيسية‭: ‬فقط‭ ‬22‭% ‬من‭ ‬الجمهور‭ ‬العالمي‭ ‬يتجهون‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬الأخبار‭ ‬أو‭ ‬تطبيقاتها‭ ‬كصدر‭ ‬أول،‭ ‬بينما‭ ‬يعتمد‭ ‬الباقون‭ ‬على‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ )‬مثل‭ ‬تيك‭ ‬توك‭ ‬وفيسبوك‭( ‬ومحركات‭ ‬البحث‭.‬

الصحافة‭ ‬الورقية‭: ‬رغم‭ ‬التراجع،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬هناك‭ ‬حوالي‭ ‬1‭.‬5‭ ‬مليار‭ ‬شخص‭ ‬حول‭ ‬العالم‭ ‬يقرأون‭ ‬الصحف‭ ‬الورقية‭ ‬بانتظام،‭ ‬لكن‭ ‬معظمهم‭ ‬ينتمون‭ ‬لفئات‭ ‬عمرية‭ ‬تزيد‭ ‬عن‭ ‬45‭ ‬عاماً‭.‬

الوقت‭ ‬المستغرق‭: ‬يقضي‭ ‬المستخدم‭ ‬العادي‭ ‬حوالي‭ ‬147‭ ‬دقيقة‭ ‬يومياً‭ ‬في‭ ‬استهلاك‭ ‬المحتوى‭ ‬الرقمي،‭ ‬بينما‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬متوسط‭ ‬قراءة‭ ‬الصحيفة‭ ‬الورقية‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬12‭ ‬دقيقة‭ ‬يومياً‭.‬

ختاما‭ ‬لنجزم‭ ‬بان‭ ‬العبرة‭ ‬بالمحتوى‭ ‬لا‭ ‬بالوعاء‭ ‬وفي‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الصحافة‮»‬‭ ‬كمهنة‭ ‬ورسالة‭ ‬لن‭ ‬تموت،‭ ‬بل‭ ‬الذي‭ ‬يحتضر‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الورق‮»‬‭ ‬كوسيلة‭ ‬نقل‭. ‬الإعلام‭ ‬الرقمي‭ ‬وفر‭ ‬أدوات‭ ‬مذهلة‭ ‬للوصول‭ ‬والحقيقة،‭ ‬لكنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الرصانة‭ ‬والعمق‭ ‬الذي‭ ‬أسسته‭ ‬الصحافة‭ ‬التقليدية‭.‬

إن‭ ‬التحدي‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يواجه‭ ‬البشرية‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬الورقي‭ ‬والرقمي،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬‮«‬الحقيقة‮»‬‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬التزييف‭ ‬العميق‭ ‬والمعلومات‭ ‬المضللة‭. ‬المستقبل‭ ‬سينتصر‭ ‬لمن‭ ‬يقدم‭ ‬محتوىً‭ ‬صادقاً،‭ ‬عميقاً،‭ ‬وذكياً،‭ ‬سواء‭ ‬قُرئ‭ ‬على‭ ‬شاشة‭ ‬زجاجية‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬من‭ ‬ورق‭.‬

إن‭ ‬الصحافة‭ ‬الورقية‭ ‬اليوم‭ ‬لا‭ ‬تخوض‭ ‬معركة‭ ‬ضد‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬بل‭ ‬تخوض‭ ‬معركة‭ ‬ضد‭ ‬الزمن،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬المعركة،‭ ‬البقاء‭ ‬ليس‭ ‬للأقوى‭ ‬مادياً،‭ ‬بل‭ ‬للأكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬ملامسة‭ ‬عقول‭ ‬وقلوب‭ ‬القراء‭ ‬بأساليب‭ ‬تحاكي‭ ‬روح‭ ‬العصر‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى