رتوش

الـبـنـدقـية

عمرو‭ ‬الكوني

كان‭ ‬شيخ‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬السن‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬سبعين‭ ‬عاماً‭ ‬تقريباً‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬سالم‮»‬‭ ‬شجاعًا‭ ‬حذقًا‭ ‬حريصًا‭ ‬لا‭ ‬يخرج‭ ‬إلا‭ ‬وبندقيته‭ ‬معه‭. ‬فكان‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬يرعى‭ ‬غنمه‭ ‬في‭ ‬جبل‭ ‬وادي‭ ‬‮«‬قويام‮»‬‭ ‬في‭ ‬خشة‭ ‬‮«‬ولد‭ ‬حليمة‮»‬‭ ‬في‭ ‬حيز‭ ‬قرية‭ ‬من‭ ‬قرى‭ ‬الجبل،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬ولكنه‭ ‬من‭ ‬أصل‭ ‬‮«‬تيميجار‮»‬‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الجبل‭ ‬وغنمه‭ ‬أمامه‭ ‬وهو‭ ‬جالسٌ‭ ‬على‭ ‬صخرة‭ ‬يُصلح‭ ‬في‭ ‬بندقيته‭ ‬وقد‭ ‬وضع‭ ‬أصابعه‭ ‬على‭ ‬فوهة‭ ‬البندقية‭ ‬فخرجتْ‭ ‬إطلاقة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الخطأ‭ ‬فأصابتْ‭ ‬إصبعين‭ ‬من‭ ‬أصابع‭ ‬يده‭ ‬اليسرى‭.‬

حاول‭ ‬ربط‭ ‬أصبعيه‭ ‬بقطعة‭ ‬قماش‭ ‬لوقف‭ ‬النزيف‭ ‬وفعلاً‭ ‬قد‭ ‬أفلح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حتى‭ ‬رجع‭ ‬إلى‭ ‬القرية،‭ ‬وهو‭ ‬يسوق‭ ‬أغنامه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لم‭ ‬يتعود‭ ‬الرجوع‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬القرية‭ ‬مما‭ ‬أثار‭ ‬انتباه‭ ‬أحد‭ ‬أبنائه‭ ‬جنب‭ ‬المنزل‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬لقاؤه‭ ‬قبل‭ ‬وصوله‭ ‬للمنزل‭ ‬فبدأ‭ ‬ابنه‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬رجوعه‭ ‬وسبب‭ ‬ربط‭ ‬اليد،‭ ‬هل‭ ‬أنتَ‭ ‬ملدوغ‭ ‬يا‭ ‬أبي‭ ‬؟‭!‬،‭ ‬فأجابه‭ ‬أدخل‭ ‬الغنم‭ ‬إلى‭ ‬الحظيرة‭ ‬وستفهم‭ ‬فيما‭ ‬بعد،‭ ‬قام‭ ‬ابنه‭ ‬بإدخال‭ ‬الغنم‭ ‬إلى‭ ‬الحظيرة‭ ‬وهو‭ ‬يتساءل‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬رجوعه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت،‭ ‬وسبب‭ ‬ربط‭ ‬اليد‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬ولا‭ ‬قوة‭  ‬إلا‭ ‬بالله،‭ ‬وقد‭ ‬قام‭ ‬بإقفال‭ ‬الحظيرة‭ ‬بإحكام‭ ‬ولحق‭ ‬بأبيه‭ ‬فوجده‭ ‬والعائلة‭ ‬كلهم‭ ‬حوله‭ ‬يقومون‭ ‬بربط‭ ‬الأصابع‭ ‬المقطوعة‭ ‬ويُحكمون‭ ‬الربط‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬النزيف،‭ ‬وعندما‭ ‬تم‭ ‬إسعافه‭ ‬طلب‭ ‬منه‭ ‬أبناؤه‭ ‬الذهاب‭ ‬إلى‭ ‬الطبيب‭ ‬فأمتنع‭ ‬عن‭ ‬الذهاب‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬الشرطة‭ ‬التي‭ ‬ستقوم‭ ‬بالتحقيق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الحادثة،‭ ‬وستقوم‭ ‬بسحب‭ ‬البندقية‭ ‬ومعاقبته،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬أبناؤه‭ ‬ستفهم‭ ‬النَّاس‭ ‬هذا‭ ‬السر‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬قال‭ ‬أنتم‭ ‬لا‭ ‬تتكلموا،‭ ‬ولا‭ ‬تخبروا‭ ‬أحدًا‭ ‬بما‭ ‬حدث‭ ‬وأنا‭ ‬الذي‭ ‬سأتكلم‭ ‬فقط‭ ‬وأنا‭ ‬أعرف‭ ‬ما‭ ‬أقول‭ .‬

      ‬وعندما‭ ‬انتشر‭ ‬الخبر‭ ‬في‭ ‬القرية‭ ‬بقطع‭ ‬أصابع‭ ‬الحاج‭ ‬سالم‭ ‬توافدوا‭ ‬عليه‭ ‬أفراداً‭ ‬وجماعات‭ ‬يحمدون‭ ‬له‭ ‬السلامة‭ ‬ويستفسرون‭ ‬عن‭ ‬الحادث‭ ‬الذي‭ ‬ألم‭ ‬به‭ .‬

      ‬وكان‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الناس‭ ‬صهر‭ ‬ابنه‭ ‬موسى‭ ‬الذي‭ ‬أخبرته‭ ‬أخته‭ ‬عن‭ ‬الحادثة‭ ‬باعتباره‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬العائلة‭ ‬فعرف‭ ‬كل‭ ‬كبيرة‭ ‬وصغيرة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬المجهولة‭ ‬عن‭ ‬أغلب‭ ‬أهالي‭ ‬القرية‭ .‬

      ‬وعندما‭ ‬كان‭ ‬جالسًا‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المربوعة‭ ‬والحاج‭ ‬سالم‭ ‬يروي‭ ‬القصة،‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ ‬بصوت‭ ‬مرتفع‭ ‬حتى‭ ‬يسمع‭ ‬الجميع‭ ‬ودون‭ ‬تلعثم‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬واصفًا‭ ‬له‭ ‬السبب،‭ ‬وما‭ ‬حدث‭ ‬له‭ ‬وهو‭ ‬يقول‭ :‬

عندما‭ ‬كنتُ‭ ‬جالسًا‭ ‬على‭ ‬صخرة،‭ ‬والغنم‭ ‬ترعى‭ ‬أمامي‭ ‬فإذا‭ ‬بصخرة‭ ‬تهوى‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬الجبل‭ ‬وتضربني‭ ‬على‭ ‬يدي‭ ‬هذه‭ ‬ويشير‭ ‬إلى‭ ‬يده‭ ‬المصابة‭ ‬فأصابت‭ ‬الاصبعين،‭ ‬ولم‭ ‬ينفصلوا‭ ‬عن‭ ‬اليد‭ ‬ويوجد‭ ‬معي‭ ‬فأس‭ ‬صغير‭ ‬فقمتُ‭ ‬بقطع‭ ‬الاصبعين‭ ‬بالفأس‭ ‬وربطهما‭ ‬بقطعة‭ ‬قماش‭ ‬ورجعت‭ ‬إلى‭ ‬البيت،‭ ‬وهو‭ ‬يظهر‭ ‬الصبر‭ ‬والشجاعة‭ ‬في‭ ‬حديثه‭ ‬هذا‭ ‬وكان‭ ‬صهر‭ ‬ابنه‭ ‬يستمع‭ ‬إليه‭ ‬وهو‭ ‬مستغربٌ‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬التي‭ ‬سمعها‭ ‬من‭ ‬أخته،‭ ‬وهي‭ ‬مخالفة‭ ‬لما‭ ‬يرويه‭ ‬الحاج‭ ‬سالم‭ ‬فقاطعه‭ ‬قائلاً‭ :‬

يا‭ ‬خالي‭ ‬سالم،‭ ‬قال‭ ‬نعم،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬قد‭ ‬سمعنا‭ ‬القصة‭ ‬بشكل‭ ‬آخر‭ ‬فرد‭ ‬وبسرعة،‭ ‬يا‭ ‬امحمد‭ ‬أنتَ‭ ‬كيف‭ ‬اسمعت‭ ‬صحيح‭ ‬والحديث‭ ‬للجماعة‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬رواية‭ ‬القصة‭ ‬المكذوبة‭ ‬لبقية‭ ‬الجماعة‭ ‬ودون‭ ‬أي‭ ‬ارتباك،‭ ‬وكذب‭ ‬على‭ ‬الصخرة‭ ‬كما‭ ‬كذب‭ ‬إخوة‭ ‬سيدنا‭ ‬يوسف‭ ‬على‭ ‬الذئب‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى