رأي

الكبتي والتنظيمات السياسية ودولة الاستقلال

أمين مازن

وجدتني‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬بين‭ ‬الذين‭ ‬اكتظ‭ ‬بهم‭ ‬صالون‭ ‬حزب‭ ‬السلام‭ ‬والازدهار‭ ‬في‭ ‬طرابلس‭ ‬لمتابعة‭ ‬اللقاء‭ ‬الأسبوعي‭ ‬الذي‭ ‬دُعيَ‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬بنغازي‭ ‬الأستاذ‭ ‬سالم‭ ‬الكبتي‭ ‬واختار‭ ‬له‭ ‬التنظيمات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬بعد‭ ‬الإستقلال‭ ‬1952‭ – ‬1969موضوعاً،‭ ‬ومحدداً‭ ‬إياها‭ ‬في‭ ‬الإخوان‭ ‬فالتحرير‭ ‬الإسلامي‭ ‬فالبعث‭ ‬العربي‭ ‬وحركة‭ ‬القوميين‭ ‬العرب،‭ ‬دون‭ ‬إغفال‭ ‬التيارات‭ ‬اليسارية‭ ‬عبر‭ ‬حضورها‭ ‬النقابي‭ ‬والصحفي‭ ‬ممن‭ ‬لم‭ ‬يبخل‭ ‬عن‭ ‬التذكير‭ ‬بجهودهم‭ ‬المكتوبة،‭ ‬سواءً‭ ‬ما‭ ‬أُعِدَّ‭ ‬خصيصاً‭ ‬أو‭ ‬جاء‭ ‬تعقيباً،‭ ‬وبالضرورة‭ ‬إنصافاً،‭ ‬مُذكِّراً‭ ‬بمن‭ ‬نُسِبَ‭ ‬إليهم‭ ‬تأسيس‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬وحوكموا‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬وآخرين‭ ‬منهم‭ ‬شاركوا‭ ‬في‭ ‬التأسيس،‭ ‬ولم‭ ‬يستوقفه‭ ‬خروجهم‭ ‬من‭ ‬البلاد‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬اختلطت‭ ‬عليه‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وكثيرٌ‭ ‬منها‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬أيام‭ ‬القومية‭ ‬الذي‭ ‬نشره‭ ‬قبل‭ ‬سنواتٍ‭ ‬أربع،‭ ‬وقد‭ ‬أعقب‭ ‬هذه‭ ‬المحاضرة‭ ‬حوار‭ ‬غير‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬الصالة‭ ‬جمع‭ ‬بين‭ ‬الأسئلة‭ ‬والإضافات،‭ ‬كنت‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬قرنوا‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬تحية‭ ‬الباحث‭ ‬على‭ ‬جهده‭ ‬وحضِّه‭ ‬على‭ ‬تنوير‭ ‬جمهوره‭ ‬بما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬ملاحظات‭ ‬لا‭ ‬نشك‭ ‬في‭ ‬فاعليتها‭ ‬وقوة‭ ‬تأثيرها‭ ‬متى‭ ‬خفف‭ ‬من‭ ‬تحفظّه‭ ‬حول‭ ‬آداء‭ ‬بعض‭ ‬الرموز‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬ينال‭ ‬منها‭ ‬جهره‭ ‬بما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬المآخذ،‭ ‬فالكمال‭ ‬لله‭ ‬وحده،‭ ‬فقد‭ ‬عزا‭ ‬إقدام‭ ‬الشريف‭ ‬محيي‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬قتل‭ ‬ناظر‭ ‬الخاصة‭ ‬الملكية‭ ‬إبراهيم‭ ‬الشلحي‭ ‬إلى‭ ‬احتمال‭ ‬تأثره‭ ‬بفكر‭ ‬القوميين‭ ‬العرب‭ ‬باعتبار‭ ‬الشريف‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الدارسين‭ ‬بالجامعة‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬حيث‭ ‬بدأ‭ ‬القوميون‭ ‬العرب،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬في‭ ‬اعتباره‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أسبغه‭ ‬السيد‭ ‬إدريس‭ ‬من‭ ‬الحضوة‭ ‬على‭ ‬الشلحي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬ينلها‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البيت‭ ‬السنوسي‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬السيد‭ ‬الصديق‭ ‬الرضا‭ ‬ابن‭ ‬عم‭ ‬السيد‭ ‬إدريس‭ ‬وأكثرهم‭ ‬علماً‭ ‬ومجاهرة‭ ‬بالضيق‭ ‬من‭ ‬حضوة‭ ‬الشلحي،‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ -‬بحسب‭ ‬بن‭ ‬حليم‭- ‬كان‭ ‬يعزوها‭ ‬إلى‭ ‬السحر‭!‬،‭ ‬أو‭ ‬بلقاسم‭ ‬أحمد‭ ‬الشريف‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يخفف‭ ‬الملك‭ ‬الجديد‭ ‬والأمير‭ ‬السابق‭ ‬تحاشيه‭ ‬له،‭ ‬أو‭ ‬السيد‭ ‬صفي‭ ‬الدين‭ ‬الذي‭ ‬رشحته‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬لولاية‭ ‬العهد،‭ ‬وأن‭ ‬الملك‭ ‬إدريس‭ ‬غفر‭ ‬الله‭ ‬له‭ ‬قد‭ ‬جانب‭ ‬الصواب‭ ‬عندما‭ ‬أبعد‭ ‬السنوسيين‭ ‬بالكامل‭ ‬من‭ ‬برقة؛‭ ‬لأنهم‭ ‬لم‭ ‬يجتمعوا‭ ‬ويقرروا‭ ‬قتل‭ ‬الشلحي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اعتبار‭ ‬البوصيري‭ ‬الشلحي‭ ‬متأثراً‭ ‬بالفكر‭ ‬القومي‭ ‬في‭ ‬مناصرته‭ ‬للجزائر‭ ‬لا‭ ‬تعني‭  ‬استبعاد‭ ‬حنينه‭ ‬إلى‭ ‬الأصول‭ ‬الجزائرية‭ ‬باعتباره‭ ‬حفيد‭ ‬السيد‭ ‬أحمد‭ ‬الشلحي‭ ‬المنحدر‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬باتنة‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬الشلحي‭ ‬اختار‭ ‬باتنة‭ ‬اسماً‭ ‬لمكتبه‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬عقب‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬السجن‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الفاتح‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬وبقائه‭ ‬داخل‭ ‬البلاد‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬رحل‭ ‬من‭ ‬الدنيا‭ ‬لإدراكه‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬دوره‭ ‬قد‭ ‬انتهى‭ ‬ولم‭ ‬يسمح‭ ‬لأي‭ ‬طرف‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬استعماله‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬السيد‭ ‬إدريس‭ ‬والذي‭ ‬ليس‭ ‬مثل‭ ‬استشعاره‭ ‬لليأس‭ ‬جرّاء‭ ‬حرمانه‭ ‬من‭ ‬الخلَف‭ ‬ما‭ ‬جعله‭ ‬يرفض‭ ‬أي‭ ‬خطوة‭ ‬من‭ ‬خطوات‭ ‬الإصلاح‭ ‬والتي‭ ‬ليس‭ ‬خارجها‭ ‬ما‭ ‬رواه‭ ‬العزيز‭ ‬سالم‭ ‬عن‭ ‬المرحوم‭ ‬مازق‭ ‬عندما‭ ‬عرض‭ ‬على‭ ‬الملك‭ ‬تشكيل‭ ‬ثلاثة‭ ‬أحزاب‭ ‬ولم‭ ‬يقبلها‭ ‬الملك؛‭ ‬ولولا‭ ‬الثقة‭ ‬المطلقة‭ ‬في‭ ‬صدق‭ ‬الرواة‭ ‬لفُتِحَت‭ ‬أبواب‭ ‬التأويل‭ ‬السيئ،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬الملك‭ ‬يوماً‭ ‬من‭ ‬أنصار‭ ‬الحزبية‭ ‬سواء‭ ‬وهو‭ ‬يعود‭ ‬عقب‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬متحالفاً‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬ومتبادلاً‭ ‬معها‭ ‬الثقة،‭ ‬أو‭ ‬قبل‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬يُحَضّر‭ ‬للمشاركة‭ ‬مع‭ ‬الحلفاء‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬الوطن‭ ‬ويحول‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬مبرر‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬هيئة‭ ‬استشارية‭  ‬محددة‭ ‬العدد‭ ‬والمكان‭. ‬وإذ‭ ‬أُعيد‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬ذكرته‭ ‬في‭ ‬النقاش‭ ‬الذي‭ ‬تلى‭ ‬المحاضرة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬المرحوم‭ ‬عامر‭ ‬الدغيّس‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اعتبرناه‭ ‬مؤسس‭ ‬حزب‭ ‬البعث‭ ‬بليبيا،‭ ‬فإن‭ ‬الفكرة‭ ‬قد‭ ‬استوت‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬شقيقين‭ ‬أردنيين‭ ‬يحملان‭ ‬لقب‭ ‬الضُعيفي،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬البعث‭ ‬الليبي‭ ‬تابعاً‭ ‬للعراق‭ ‬ولا‭ ‬سوريا،‭ ‬أما‭ ‬دواعي‭ ‬تصفيته‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬الشرفاء‭ ‬فَلِما‭ ‬جاهر‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬رفض‭ ‬التعاون‭ ‬الذي‭ ‬وصفه‭ ‬بدور‭ ‬الشرطي‭ ‬كما‭ ‬سمعت‭ ‬منه‭ ‬شخصياً،‭ ‬وفي‭ ‬مجال‭ ‬التذكير‭ ‬رفع‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬القويري‭ ‬شعار‭ ‬الشخصية‭ ‬الليبية‭ ‬كما‭ ‬ذكر‭ ‬في‭ ‬سيرته‭ ‬‮«‬الوقدات‮»‬‭ ‬وحاوره‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬مثقفي‭ ‬بنغازي‭ ‬لم‭ ‬يذكر‭ ‬أسماءهم‭ ‬لأن‭ ‬الكتابة‭ ‬تمت‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الفاتح،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬الأوصاف‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬الشريف‭ ‬الماقني‭ ‬وبلقاسم‭ ‬بن‭ ‬دادو،‭ ‬والحديث‭ ‬يطول‭ ‬عن‭ ‬أصحاب‭ ‬المواقف‭ ‬غير‭ ‬المؤطرين‭ ‬في‭ ‬بنغازي‭ ‬بدايةً‭ ‬من‭ ‬طالب‭ ‬الرويعي‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬أجرأ‭ ‬مقال‭ ‬بصحيفة‭ ‬العمل‭ ‬بشأن‭ ‬المطر‭ ‬وخالد‭ ‬زغبية‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬مقالة‭ ‬عوقب‭ ‬عليها‭ ‬بالمحاكمة،‭ ‬أما‭ ‬الفتوى‭ ‬التي‭ ‬نسبها‭ ‬الأستاذ‭ ‬سالم‭ ‬لدار‭ ‬الإفتاء‭ ‬حول‭ ‬الأصدقاء‭ ‬البعثيين،‭ ‬فالواقع‭ ‬أن‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬البعث‭ ‬جاهر‭ ‬به‭ ‬معهد‭ ‬البيضاء‭ ‬وتم‭ ‬هجاؤهم‭ ‬بقصيدة‭ ‬نونية‭ ‬شهيرة،‭ ‬البعض‭ ‬ينسبها‭ ‬لخليفة‭ ‬الغزواني‭ ‬والبعض‭ ‬الآخر‭ ‬لهاشم‭ ‬الشريف،‭ ‬وينتهي‭ ‬الحيز‭ ‬ولا‭ ‬ينتهي‭ ‬الكلام،‭ ‬ويبقى‭ ‬الإعزاز‭ ‬والاحترام‭ ‬لمن‭ ‬تحدث‭ ‬ومن‭ ‬استمع‭ ‬وأخيراً‭ ‬يوفر‭ ‬مساحة‭ ‬للنشر‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى