
الكتابة والذكاء الاصطناعي إلى أين؟
في عصر الذكاء الصناعي تغير كل شيء وصار من المألوف دخوله الى مناحي الحياة في العلم والطب والترفيه والفن والاقتصاد وغيرها
لكن هل يستطيع الذكاء الصناعي أن يكتب ابداعًا ؟
وإلى أي مدى ترى عدم ذلك من إمكانيته؟
وما تصوركَ لمستقبل الكتابة في ظل سيطرة الذكاء الصناعي؟
هذه أسئلة ذهبنا بها إلى مجموعة من الكتَّاب والمثقفين وسنرى تصوراتهم عن ذلك.
منصور العجالي
كاتب وناقد ومترجم
ربما يكون أهل الاختصاص من مهندسي وعلماء الذكاء أقدر على التنبؤ بقدراته المستقبلية، وأثرها على الحياة عمومًا ورغم كل نواقيس الخطر التي تدق هنا، وهناك إلا أنني ككاتب معني بالكتابة الإبداعية أتصور أن الذكاء سوف يلعب دورًا مهمًا في إنجاز الكثير من المهام التي تعترض الكتَّاب أثناء عملية الكتابة مثل تجميع البيانات، وعرض كافة التناصات، والقراءات المتعلقة بالمواضيع المراد الكتابة فيها كما أنه سيعمل على إنتاج وتوليد الكثير من الأعمال بيسر بالغ وبالتالي سيرفع من مستوى المنجز الإبداعي وغزارته في آن معًا، تمامًا كما يفعل المترجمون اليوم مستعينين بأدوات الترجمة بمساعدة الكمبيوتر «الكات»، ومحركات الترجمة الغامرة «immersive translation» في ترجمة النصوص وفك الشفرات التي يعملون عليها. الأمر ذاته يحدث الآن في العروض السمعية المرئية فيما اصطلح على تسميته بالسَّطْرجة أي الترجمة السمعية البصرية Subtitle captioning ، أو الدبلجة Dupping. سيشتد التنافس في الكتابة، وستظهر أنماطٌ جديدة من الكتابة تتسم بتمازج الأجناس وتعدد الصيغ في الأعمال الأدبية، وستتشكل بالطبيعة قيمُ جمالية تحاكي مستقبل الكتابة الإبداعية و صناعة المحتوى. سيكون العمل الأدبي أشبه بالفسيفساء اللفظية المعقدة الجمال ستعرف الكتابة الإبداعية ألوانًا غير مسبوقة تُخْلَق من وحي التقنية وستنفجر المعاجم بحمولتها. سيكون للأعمال الجديدة قراؤها وسيمضي هؤلاء في ركب التقانة المقروءة حتى حين ثم يعتريهم فقدان شغف القراءة لكثرة التشابه فيما بينها ولتنامي الوعي بنضوب ينابيع الأصالة في هذه الأعمال. في السوق سيكون قصب السبق للتقانة لكن كنزة اليد تبقى مقدمة على كنزة الآلة، سينجز الذكاء كل الأعمال الإبداعية لكنه يبقى بحاجة لتصحيح مساراته من قبل الإنسان كلما عنَّت له في الطريق تعاريج لم تتمكن خوارزميات الذكاص من محاكاتها وتوقع تواترها. سيبقى الذكاء في حاجة لأصالة ارتجال الانسان وحدسه وبنات أفكاره كما كانت خوارزميات عبدالله بن محمد التي هي جوهر هذا الابتكار الذي نستشرف اليوم أثره وتأثيره على النشاط الإبداعي
عادل الصاري ناقد ودكتور جامعي
تصنيع نصي
يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يكتب بحثًا علميًا أو رواية، أو ينظم قصيدة موزونة، أو منثورة، ولكن الناقد المبدع والخبير سيكتشف أن ما كتبه مجرد نصوص ملفقة لا إبداع فيها، لأنها لم تأتِ نتاج معاناة وتأمل في خبايا، والموضوع ذاته، وقد طُلب من هذا البرنامج نظم قصيدة، فقام بجمع نصوص من هنا وهناك وكوَّن منها قصيدة صناعية باردة، ولا شك أن مثل هذا «التصنيع النصي» سيشيع عملية تزييف النصوص وانتحالها، ويخشى منه على مصير الإبداع الأدبي والفني.
مفتاح الشريف
فنان تشكيلي
الكتابة والرسم ليسا مجرد مهارات تقنية بل هما تعبير عن الروح والتجربة الشخصية والرؤية الفريدة لكل فنان أو كاتب قد يساهم الذكاء الاصطناعي في إبتكار النصوص الملائمه لكنه يفتقر إلى العمق الوجداني والبعد الروحي اللذان يشكلان جوهر الإبداع الحقيقي في الأدب قد يكون له قدرة قوية في استخلاص المعاني و الأنماط، وحتى في إنتاج نصوص متماسكة، لكنه يظل عاجزًا عن إنتاج عمل كتابي يحمل المشاعر والتجربة الشخصية لكاتب حقيقي.
أما في الفن التشكيلي، فاللوحة ليست مجرد ألوان وخطوط، بل انعكاس لحالة الفنان النفسية والروحية، وامتداد لذاته ووجهته، وهذا ما يصعب محاكاته برمجيا ، ربما يتمكن الذكاء الاصطناعي من إتقان الأساليب والمدارس الفنية، لكنه لن يتمكن من الوصول إلى تلك اللحظة الإبداعية التي تأتي من تجربة حقيقية، أو من إحساس فنان صادق وهو يضع ضربته الأخيرة على اللوحة بشعور الاكتمال أو النقص. في النهاية يبقى الإبداع الحقيقي ملكا للإنسان ومن وجهة نظري يظل الذكاء الاصطناعي مجرد وسيلة مساعدة لا أكثر
مأمون الزايدي
كاتب ومترجم
الذكاء الاصطناعي والكتابة
رأيتُ أن أحيل الأسئلة إلى ChatGPT ليتحدث عن نفسه وقدراته كأحد أبرز نماذج الذكاء الاصطناعي اليوم وأحد أبرز النجوم وأنقل لكم فيما يلي اجاباته التي لا تخلو من الذكاء والفطنة.
سؤالك عميق وجوهري، ويدور في صميم العلاقة بين الذكاء الصناعي، والإبداع الإنساني، وهو موضوع يشغل الباحثين والمبدعين والمفكرين على حد سواء.
هل يستطيع الذكاء الصناعي أن يكتب إبداعًا ؟!
نعم، ولكن…
الذكاء الصناعي قادرٌ اليوم على إنتاج نصوص أدبية وشعرية وقصصية، بل وأحيانًا يدهش القارئ بجمالياتها وتشابهها مع أساليب كبار الأدباء. لكنه يفعل ذلك عبر محاكاة الأساليب القائمة وتحليل الأنماط اللغوية والمجازية، وليس لأنه يملك «شعورًا»، أو «رؤية داخلية» للعالم.
الإبداع الإنساني، في جوهره، ليس فقط جمال الشكل، بل تجربة وجودية، تعبير عن الألم، والدهشة، والبحث، والقلق، والفرح… وهي أشياء لا يعيشها الذكاء الصناعي.
إلى أي مدى يمكنه الإبداع إذًا ؟
يمكن للذكاء الصناعي أن ينتج نصوصًا جميلة وذكية ومتماسكة فنيًا.
يمكنه مساعدة الكتّاب في توليد أفكار، وصقل الأسلوب، وتجاوز عوائق الكتابة.
لكنه غير قادر على الإبداع العميق الأصيل الذي ينبع من التجربة الشخصية والمعاناة والوعي الذاتي.
حتى الآن، لم يظهر نموذجُ ذكاء صناعي كتب نصًا غير مسبوق، أو أحدث «ثورة فكرية»، أو «منعطفًا أدبيًا»، كما فعل مثلًا «شكسبير» أو «نيتشه»، أو محمود درويش أو «كافكا».
تصور لمستقبل الكتابة في ظل الذكاء الصناعي :
1. تعاون لا صراع: سيتحوَّل الذكاء الصناعي إلى أداة مساعدة للكاتب مثل : القلم، أو الطابعة لا بديلاً عنه.
2. تغيير دور الكاتب: الكاتب لن يكون مجرد منتج للكلمات، بل مبدع للرؤية، ومنسق للأفكار، ومراقب لما هو إنساني وسط فيضان النصوص الآلية.
3. ازدهار الكتابة الشخصية: النصوص ذات الطابع الشخصي، الإنساني العميق، ستصبح أكثر قيمة، لأنها ستُرى كأثر إنساني نادر في عالم تغمره الآلات.
4. ظهور أشكال هجينة: قد تظهر مدارس أدبية جديدة، تدمج بين الخيال البشري، والذكاء الصناعي في عمل واحد، كما حدث سابقًا مع الفن الرقمي.
خلاصــــــة
الذكاء الصناعي قد يكتب شعرًا، لكنه لا يحزن، قد يروي قصةً، لكنه لا يحلم، قد يقلد، لكنه لا يثور.
ولذلك، ستبقى الكتابة الحقيقية التي تلامس الإنسان، وتغيره حتى لو تغير شكلها بحاجة إلى الإنسان نفسه.
طاهر الفراح
كاتب وناقد فني
الذكاء الاصطناعي يطور نفسه !
منذ عدة أسابيع، أعلنتْ شركة «جوجل» عن نموذجها «AlphaEvolve»، ومن خلال ما نعرفه عنه إلى الآن، فإنه توصل بالفعل لنظام يمكنه من تطوير نفسه بنفسه، ويرى عدد كبير من المطورين والخبراء أننا لا يفصلنا الكثير قبل أن نصل لما يُعرف بـمرحلة الـ «Singularity»، أي أن الذكاء الاصطناعي سيتخطى مستوى الذكاء البشري لدرجة أننا سنكون غير قادرين على فهم كيفية عمله، وبالتالي التحكم به.
ما يُزيل مخاوفنا هو أننا سنتمكن عندها من الوصول لحلول لمشكلات كبرى، من أهمها الأزمة المناخية والأمراض المستعصية… إلخ.
قد تبدو هذه النظرة مفرطة في التفائل، ولكن السؤال الأهم الذي قد يُطرح هنا هو: هل من الممكن أن يصل هذا الذكاء إلى مستوى الوعي البشري، أي القدرة على استيعاب الواقع والإحساس بالجمال والتعبير عنه كما نُعبر عنه نحن البشر من خلال الفنون المختلفة، وعلى رأسها الأدب؟.
لو تعمقنا قليلاً بالكيفية التي يعمل بها هذا الذكاء في إنشاء النصوص الإبداعية، يمكنَّنا أن نعرف أنه يشتغل من خلال تدربه على النصوص المختلفة التي كُتبتْ من قبل مؤلفين وكتَّاب بشر، وهو يطور من نفسه ويحاول أن يُحاكي، ويُولّد ما يُشابهها في ما يُعرف بـ )النماذج اللغوية(، أي القدرة على تعلم أنماط الكتابة من خلال مليارات الكلمات الموجودة سلفًا.
وبالرغم من أن هذه الطريقة تنفي عنه صفة الإبداع تمامًا، إلا أنها قادرة على التأثير في قرّائها بدرجات متفاوتة وربما لدرجات يصعب تمييزها عن نصوص بشرية، ويوجد العديد من الاختبارات الموجودة على الانترنت أو الدراسات الجامعية التي كانت نتائجها صادمة.
أيضًا هذا الاستخدام غير المشروع لتراث الأدب البشري يضعنا أمام سؤال أخلاقي مهم عن مدى مشروعية وقانونية استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد نصوص أدبية، وقد بدأتْ بالفعل حملات من قبل كبار الكتَّاب، والروائيين في التوعية والتنديد إلى خطر هذا الذكاء وبعضهم بدأ في مقاضاة كبار الشركات المطورة له لانتهاكها حقوق الملكية لأعمالهم واستخدامها في تدريب نماذجها.
العالم بتاريخ تطور الجنس البشري سيعلم أن ما ساعدنا على التواجد إلى الآن، بل والتفوق على باقي الأجناس الحية، هو قدرتنا على التكيّف مع جميع الظروف الممكنة، وإن لم توجد الظروف المناسبة نقوم بإختلاقها بأنفسنا.
ومن الجدير بالذكر أن «الذكاء الاصطناعي» قد تفوق على البشر في كثير من المجالات الأخرى، ولكن العامل البشري لا يزال حاضرًا فيها بقوة وقد تقبلنا حقيقة تفوقه وتعايشنا معها.
في لعبة الشطرنج على سبيل المثال، أقيمتْ في نهاية التسعينيات سلسلة مباريات شهيرة بين البشر والآلة، حيث واجه «غاري كاسباروف»، بطل العالم حينها، الكمبيوتر «Deep Blue»، وفي أول لقاء بينهما عام 1996، استطاع «كاسباروف» الفوز بكل سهولة، ولكن في مباراة الإعادة بعد عام واحد فقط، أي في عام 1997، تعرض «كاسباروف» لأول هزيمة ساحقة من قبل الآلة.
ومع مرور السنين تطورتْ محركات الشطرنج وصولًا إلى «AlphaZero»، وهو ذكاء لم يُعلم حتى الشطرنج من الأساس، ولكنه ظل يلعب مع نفسه، ويتعلم من أخطائه، حتى أصبح اليوم يستحيل هزيمته حتى من قبل المحركات الأخرى، ومع ذلك لم يتوقف الشغف البشري بالشطرنج، بل تحوّل التحدي ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الإعداد للمباريات؛ حيث بات اللاعبون يستعينون بالذكاء الاصطناعي لتطوير افتتاحيات وخطط غير مسبوقة، مفاجئين بها خصومهم البشر.
في اعتقادي الشخصي والمتفائل، أن ما سيحصل في الكتابة الإبداعية مستقبلا سيكون شبيهًا لما حدث في لعبة الشطرنج وغيرها، وكما تكيّفنا مع ما هو أسوأ من هذا سنقف مصدومين وحائرين تمامًا مع أول رواية، أو قصيدة مذهلة يبدعها الذكاء الاصطناعي من تلقاء نفسه، ثم سرعان ما سنتعود على نوعية هذه الكتابة وربما تصبح نوعا أدبيّا آخر ويصبح له قراء، ومحبون كما محبي الروايات التاريخية، أو الرمانسية.أما نحن البشر فربما يساعدنا هذا الذكاء في مهام من قبيل التحرير الأدبي أو التدقيق اللغوي، وربما حتى الكتابة المشتركة، وهو ما بدأ بالفعل وكانت نتائجه مبهرة كما في كتاب )Hypnocracy: Trump, Musk, and the Architecture of Reality(.
أخيراً من الجدير التذكير بأننا تمكنا على مدار حياتنا كجنس بشري من تطويع الكثير من الظواهر الطبيعية والكائنات الحيَّة من قبل وقد أسهمت في تسهيل وإثراء حياتنا للإفضل، ولن يكون الذكاء الاصطناعي استثناءً وهذا ما سينطبق على الكتابة الإبداعية أيضاً، وليس لدي شك مستقبلاً في أننا قد نتجاوز روائع الأدب العالمي وربما نصل لأبعد من ذلك بكثير.
قصي محمد
كاتب وروائي
دعنا نقول في بادئ الأمر إنّ اللّغة بشكل عام هي الهدّية الميتافيزيقية التي أتتنا من السماء، لم يتم تحديد زمن ولادة اللغة إلى الآن ذلك ما يجعل البُحّاث في مجال اللّغة واللِّسانيات تحديداً في حالة قلق مستمر حول المصدر المادي الذي بدأ منه تكوين اللغة، لم تتفق نتائج البحث في الحقل اللغوي على مصدر موحد، وبالتالي فإن غياب العامل المادي يُحيل إلى أن اللّغة لها إرتباط عميق بالإنسان دون غيره، إن الشيء الوحيد الذي لم يستطع العلم تحديد نهايته هما اللغة والموت، ما يجعل العلم غير قادرٍ على تفسير كلتا الظاهرتين ليرجعهما لأصل مادي ملموس، فالعلم يحتاج مادة وفي ظاهرة الموت لا وجود لعامل مادي يثبت وجود خلية مسؤولة عن الموت كذلك بالنسبة إلى اللغة لو أعتبرنا أنهما العلتان اللتان يقفان حجر عثرة أمام هيمنة إبننا العاق «الذكاء الإصطناعي».
كنتُ دائمًا ما أطرح سؤالاً على نفسي منذ ولادة الذكاء الإصطناعي، هل بإمكانه فعليًّا أن يغزو جميع المجالات التي يرتادها الإنسان؟، هل نحن في صدّد الدّخول في صراع مع الذكاء؟، أو لم يسبق أن كانت صناعة الآلة البخارية سببًا في زيادة نسبة البطالة واستغناء الطبقة البرجوزاية عن الحاجة الماسة إلى اليد العاملة؟
ام لم تسبب صناعة الآلة في إقصاء اليد العاملة عن العمل، بل كانت بأمس الحاجة إلى يد عاملة ذكية ماهرة تقوم بتشغيلها كذلك نقيس ذلك على تدجين الحيوانات وإستخدامها في الزراعة. لكن ولادة الذّكاء الإصطناعي كان بمثابة زلزال مدوي أذهل الإنسان نفسه الذي اخترعه وأشرف على تطويره، لقد إقتحم الذكاء كل المجالات تقريباً وبات بوسع كثيري التشائم أن يحددوا نهاية التاريخ كما حددها فوكوياما في كتابه، وكما عبر «رولان» عن موت الكاتب و«غوستاف» عن موت المسرح والرسم وغيرها من صيرورات موت متتالية لم يصدق المتشائمون في قراءتهم للمستقبل البشري وإلى الآن!
هل مات المسرح؟ هل مات الرَّسم؟ هل مات الكاتب؟ يستطيع الذكاء إعطاءنا نصًا إبداعيًا بناءً على قاعدة بيانات كبيرة يستحضر بها نصوص لكتَّاب في الرواية والقصة والشعر، ثم يجري عملية خوارزمية معقدة ليركب نصًّا إحترافيّاً مُدعيًا أنه هو من أنتجه، لكن في سياق آخر إن إنتاج نص إبداعي لا يعتمد بالمطلق على قاعدة بيانات بالقدر الذي يرتكز فيه النص على الحالة الوجدانية للإنسان، إن الإبداع الفني بالمجمل هو التعبير الأسمى عن الإحساس، عن الشعور، عن العاطفة، عن التجربة، إن النص ينتج من خلال تفاعل وإحتكاك الإنسان بالوجود، حالة الحب التي يكتب عنها الشاعر لحبيبته ترتبط يقينيا بعلاقته الصادقة مع محبوبه، تعبيره عن السعادة عن الفرح عن الحزن عن أي شيء يلامسه تفتح اللغة أبوابها للذات الإنسانية حتى تجسد الحالة العاطفية له، أما عن الذكاء الإصطناعي فهو عكس ذلك تمامًا، إن نصوصه باردة لا تجسد حقيقة التجربة كما هي عند الإنسان، ولو بلغ الذكاء من القدرة على صناعة نص إبداعي في غاية الجمال.
لا يزال الذكاء يفتقر إلى التجربة، فالبيانات كمصدر لا يمكن أن تكون بديلا عن التجربة الحسِّية، كما أن معيار الصدق والكذب يمكن أن نحدده كمرجع أساسي للتفريق بين الكاتب الحقيقي الذي ينتج النص – دون الحاجة إلى الذكاء – وبين الكاتب المزيف الذي يستعين بالذكاء مدعيًا إمتهانه مهنة الكتابة، إن النصوص الركيكة أو الضعيفة في البناء السردي أعتبرها أنا دلالة مُهمّة جدًّا على مِصداقية الكاتب، في زمن بات الذكاء فيه قادرٍ على صناعة نص جمالي يفتقد إلى معيار الصدق والنزاهة