كم تسحرني التفاصيل الصغيرة في السينما، ثلاث لقطات سادخلكم فيها فوراً، من ثلاثة افلام، هي ليست اجمل اللقطات في الأفلام الثلاثة هذه، لكنها من اروع التفاصيل فيما يخص اللقطة، وكذلك الحوار كعامل مساعد، لكن كمتخصص ببعض المعرفة في المجال، ثمة جملة اعتراضية أراها واجبة الذكر، وهي، أن الأفلام التي يكثر الحوار فيها، تقل جودتها الجمالية، غير أن ذلك لا يعني عدم وجود حوار بالمطلق مع لقطات جمالية، السينما مثلها مثل الذي ينصحك بجملة )إن قلت، فقل خيراً، او أصمت(… الافلام الثلاثة واللقطات الثلاث التي اريدكم أن تدخلوا معي إليها من خلال تذكيري لكم بها هي كالآتي:
_ فيلم عمر المختار، لمصطفى العقاد، حين تم أسر الجندي الإيطالي المتخصص في المتفجرات، كان المجاهدان الليبيان اللذان أسراه، يريدون أن يتعلمون منه صنع المفخخات بالقنابل المتفجرة استعداداً لمعركتهم التالية، وكانا متوترين، إلى الدرجة التي أشهر احدهم بندقيته في رأس الأسير، فرفع الجندي الشاب يداه علامة الاستسلام، وحين مر بهم سيدي عمر المختار، قال أحدهم مرتبكاً، جاء سيدي عمر، انزل يديك فانزل يديه، وبدا يعلمهم، فاحنى سيدي عمر رأسه علامة الرأفة، وقال لهم بحنان واضح مع ابتسامة: )تعلموا .. تعلموا(.
فيلم البحث عن الجندي رايان، للمخرج «ستيفين سبيلبيرج»، هنا لا يوجد حوار، توجد تفاصيل بامكانها خنق المُشاهد خصوصاً إذا ما كان متخصص فلسفة، او كان شاعراً، المشهد حكيته اثر ظهور الفيلم لصديق، وكان ذكياً جداً لأنه ادخله في رسالة الماجستير في السينما، وكنتُ سعيدًا لذلك بحق، والمشهد، أو بالأحرى اللقطة الخانقة، كانت كالآتي:
جندي شاب في الحرب العالمية الثانية، كان يتخندق مع زملائه من فصيله الذي كان العدو قد كثف نيرانه في اتجاههم، فجاءت رصاصة ضربت الخوذة فازاحتها إلى الأعلى قليلاً فوق جبهته، فشهق الجندي الشاب فرحاً بنجاته، وفي اللحظة التي هي أقل من جزء من الثانية، التي كان ينزل فيها غطاء رأسه أو خودته، كانت الرصاصة التي بعدها، جاهزة لتخترق دماغه.
_ فيلم «كونسبيريسي ثيوري»، نسيتُ مخرجه، كان من بطولة ميل جيبسون، ميل جيبسون هنا سائق تاكسي متورط في قصة حب مع المبدعة الجميلة، جوليا روبرتوس، المحامية في البنتاجون، وفيما هو يقود التاكسي في شوارع المدينة، يستوقفه شابٌ كان يودع حبيبته بالأحضان ليسافر، حين ركب الشاب، سأله ميل جيبسون بشغف العاشق: هل تحبها؟ .. اجاب الشاب «لاف ايز آهورشيت» أو الحب هراء وعفن، اجابه ميل جيبسون بتوتر: لا تعد تقول ذلك، الحب يجعلك تقفز من الإمباير ستيت، فأجاب الشاب، نعم، لإنك ستسقط وتتكسر ضلوعك وجمجمة راسك، لتصبح جثة هامدة، اجابه ميل جيبسون لا، ابداً لا، لن يحصل كل هذا لأن الحب ببساطة (سيمنحك أجنحة).