رأي

اللقطــــات الثلاث

نور الدين سعيد

كم‭ ‬تسحرني‭ ‬التفاصيل‭ ‬الصغيرة‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬ثلاث‭ ‬لقطات‭ ‬سادخلكم‭ ‬فيها‭ ‬فوراً،‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬افلام،‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬اجمل‭ ‬اللقطات‭ ‬في‭ ‬الأفلام‭ ‬الثلاثة‭ ‬هذه،‭ ‬لكنها‭ ‬من‭ ‬اروع‭ ‬التفاصيل‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬اللقطة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحوار‭ ‬كعامل‭ ‬مساعد،‭ ‬لكن‭ ‬كمتخصص‭ ‬ببعض‭ ‬المعرفة‭ ‬في‭ ‬المجال،‭  ‬ثمة‭ ‬جملة‭ ‬اعتراضية‭ ‬أراها‭ ‬واجبة‭ ‬الذكر،‭ ‬وهي،‭ ‬أن‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬يكثر‭ ‬الحوار‭ ‬فيها،‭ ‬تقل‭ ‬جودتها‭ ‬الجمالية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬حوار‭ ‬بالمطلق‭ ‬مع‭ ‬لقطات‭ ‬جمالية،‭ ‬السينما‭ ‬مثلها‭ ‬مثل‭ ‬الذي‭ ‬ينصحك‭ ‬بجملة‭ )‬إن‭ ‬قلت،‭ ‬فقل‭ ‬خيراً،‭ ‬او‭ ‬أصمت‭(… ‬الافلام‭ ‬الثلاثة‭ ‬واللقطات‭ ‬الثلاث‭ ‬التي‭ ‬اريدكم‭ ‬أن‭ ‬تدخلوا‭ ‬معي‭ ‬إليها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تذكيري‭ ‬لكم‭ ‬بها‭ ‬هي‭ ‬كالآتي‭:‬

‭_ ‬فيلم‭ ‬عمر‭ ‬المختار،‭ ‬لمصطفى‭ ‬العقاد،‭ ‬حين‭ ‬تم‭ ‬أسر‭ ‬الجندي‭ ‬الإيطالي‭ ‬المتخصص‭ ‬في‭ ‬المتفجرات،‭ ‬كان‭ ‬المجاهدان‭ ‬الليبيان‭ ‬اللذان‭ ‬أسراه،‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يتعلمون‭ ‬منه‭ ‬صنع‭ ‬المفخخات‭ ‬بالقنابل‭ ‬المتفجرة‭ ‬استعداداً‭ ‬لمعركتهم‭ ‬التالية،‭ ‬وكانا‭ ‬متوترين،‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬أشهر‭ ‬احدهم‭ ‬بندقيته‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬الأسير،‭ ‬فرفع‭ ‬الجندي‭ ‬الشاب‭ ‬يداه‭ ‬علامة‭ ‬الاستسلام،‭ ‬وحين‭ ‬مر‭ ‬بهم‭ ‬سيدي‭ ‬عمر‭ ‬المختار،‭ ‬قال‭ ‬أحدهم‭ ‬مرتبكاً،‭ ‬جاء‭ ‬سيدي‭ ‬عمر،‭ ‬انزل‭ ‬يديك‭ ‬فانزل‭ ‬يديه،‭ ‬وبدا‭ ‬يعلمهم،‭ ‬فاحنى‭ ‬سيدي‭ ‬عمر‭ ‬رأسه‭ ‬علامة‭ ‬الرأفة،‭ ‬وقال‭ ‬لهم‭ ‬بحنان‭ ‬واضح‭ ‬مع‭ ‬ابتسامة‭: )‬تعلموا‭ .. ‬تعلموا‭(.‬

فيلم‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الجندي‭ ‬رايان،‭ ‬للمخرج‭ ‬‮«‬ستيفين‭ ‬سبيلبيرج‮»‬،‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حوار،‭ ‬توجد‭ ‬تفاصيل‭ ‬بامكانها‭ ‬خنق‭ ‬المُشاهد‭ ‬خصوصاً‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬متخصص‭ ‬فلسفة،‭ ‬او‭ ‬كان‭ ‬شاعراً،‭ ‬المشهد‭ ‬حكيته‭ ‬اثر‭ ‬ظهور‭ ‬الفيلم‭ ‬لصديق،‭ ‬وكان‭ ‬ذكياً‭ ‬جداً‭ ‬لأنه‭ ‬ادخله‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬الماجستير‭ ‬في‭ ‬السينما،‭ ‬وكنتُ‭ ‬سعيدًا‭ ‬لذلك‭ ‬بحق،‭ ‬والمشهد،‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬اللقطة‭ ‬الخانقة،‭ ‬كانت‭ ‬كالآتي‭:‬

جندي‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬كان‭ ‬يتخندق‭ ‬مع‭ ‬زملائه‭ ‬من‭ ‬فصيله‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬العدو‭ ‬قد‭ ‬كثف‭ ‬نيرانه‭ ‬في‭ ‬اتجاههم،‭ ‬فجاءت‭ ‬رصاصة‭ ‬ضربت‭ ‬الخوذة‭ ‬فازاحتها‭ ‬إلى‭ ‬الأعلى‭ ‬قليلاً‭ ‬فوق‭ ‬جبهته،‭ ‬فشهق‭ ‬الجندي‭ ‬الشاب‭ ‬فرحاً‭ ‬بنجاته،‭ ‬وفي‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬الثانية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ينزل‭ ‬فيها‭ ‬غطاء‭ ‬رأسه‭ ‬أو‭ ‬خودته،‭ ‬كانت‭ ‬الرصاصة‭ ‬التي‭ ‬بعدها،‭ ‬جاهزة‭ ‬لتخترق‭ ‬دماغه‭.‬

‭_ ‬فيلم‭ ‬‮«‬كونسبيريسي‭ ‬ثيوري‮»‬،‭ ‬نسيتُ‭ ‬مخرجه،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬ميل‭ ‬جيبسون،‭ ‬ميل‭ ‬جيبسون‭ ‬هنا‭ ‬سائق‭ ‬تاكسي‭ ‬متورط‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬حب‭ ‬مع‭ ‬المبدعة‭ ‬الجميلة،‭ ‬جوليا‭ ‬روبرتوس،‭ ‬المحامية‭ ‬في‭ ‬البنتاجون،‭ ‬وفيما‭ ‬هو‭ ‬يقود‭ ‬التاكسي‭ ‬في‭ ‬شوارع‭  ‬المدينة،‭ ‬يستوقفه‭ ‬شابٌ‭ ‬كان‭ ‬يودع‭ ‬حبيبته‭ ‬بالأحضان‭ ‬ليسافر،‭ ‬حين‭ ‬ركب‭ ‬الشاب،‭ ‬سأله‭ ‬ميل‭ ‬جيبسون‭ ‬بشغف‭ ‬العاشق‭: ‬هل‭ ‬تحبها؟‭ .. ‬اجاب‭ ‬الشاب‭ ‬‮«‬لاف‭ ‬ايز‭ ‬آهورشيت‮»‬‭ ‬أو‭ ‬الحب‭ ‬هراء‭ ‬وعفن،‭ ‬اجابه‭ ‬ميل‭ ‬جيبسون‭ ‬بتوتر‭: ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬تقول‭ ‬ذلك،‭ ‬الحب‭ ‬يجعلك‭ ‬تقفز‭ ‬من‭ ‬الإمباير‭ ‬ستيت،‭ ‬فأجاب‭ ‬الشاب،‭ ‬نعم،‭ ‬لإنك‭ ‬ستسقط‭ ‬وتتكسر‭ ‬ضلوعك‭ ‬وجمجمة‭ ‬راسك،‭ ‬لتصبح‭ ‬جثة‭ ‬هامدة،‭ ‬اجابه‭ ‬ميل‭ ‬جيبسون‭ ‬لا،‭  ‬ابداً‭ ‬لا،‭  ‬لن‭ ‬يحصل‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬لأن‭ ‬الحب‭ ‬ببساطة‭ (‬سيمنحك‭ ‬أجنحة‭).‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى