صيام شهر رمضان، ركنٌ من أركان الإسلام الخمسة، فرضه الله سبحانه وتعالى على المسلمين في السنة الثانية للهجرة النبوية من مكة إلى المدينة المنَّورة..
وكرّم الله سبحانه وتعالى هذا الشهر بنزول القرآن فيه، وجعل فيه ليلة القدر، التي نزل القرآن الكريم فيها، وهي ليلة خير من ألف شهر..
تختلف طقوس رمضان باختلاف البلدان
جعل الله صيام شهر رمضان تهذيباً للنفوس، وتطهيراً للأبدان، وإحساساً وشعورا بالآخرين، حتى يكون المجتمع المسلم مجتمعا متماسكا متعاونا متعاضدا، يشعر فقيره بغنيه، ويرحم قويه ضعيفه.. وهنا تتجلى رحمة الله سبحانه وتعالى، حيث فرض على المسلمين الصيام لا ليعذبهم، ولكنه فرضه عليهم ليهذبهم..
إن الصيام فُرض ليعودك الله على مراقبته والصبر، وأن الصيام يكون انصياعاً لأمر الله على ترك الحلال من الأكل والشرب من الفجر وحتى أذان المغرب، فكما امتنع الانسان عن الحلال فإن ذلك يعوده على الابتعاد عن الحرام.. ويكون استقبال شهر رمضان من خلال تجهيز النفس والقلب، وطرح أي شيء من الممكن أن يشغلك عن الله..
إن شهر رمضان من أكبر وأفضل نعم الله علينا، واستقباله يكون بحمد الله وشكره على هذه النعمة الكبيرة، ويجب استغلال كل لحظة فيه بطاعة الله عزّ وجلّ، واغتنام الفرصة، لأن الأجر يزداد في هذه الأيام..
وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه خطب المسلمين في آخر يوم من شعبان، فقال: “أيها الناس قد أظلّكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليلة تطوعاً، من تقرّب فيه بخصلة من الخير، كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة”..
ويحتفي المسلمون في أرجاء الأرض كافة بشهر رمضان، شهر الهدى والغفران، فرحاً بقدومه، واستبشاراً بخيراته الربانية، من مغفرة ورحمة وعتق من النيران..
ومن أهم المظاهر التي يمارسها المسلمون فرحا واستبشارا بشهر رمضان، الاهتمام بالمساجد، من حيث تجديد طلائها وزينتها وإنارتها وفرشها وتعطيرها، حيث تقام في المساجد خلال الشهر الكريم، صلاة التراويح، التي يحرص المسلمون على أدائها بعد صلاة العشاء طيلة ليالي شهر رمضان، ويتم فيها ختم القرآن الكريم من قبل أغلب الأئمة..
وتقام في البلاد الإسلامية موائد الإفطار الجماعي، وافطار عابري السبيل والفقراء والمحتاجين، ويحرص عليها المسلمون لما فيها من أجر وثواب، وتعاون ومودة وتعاضد..
ورغم أن شهر رمضان، شهر للعبادة والتقرب إلى الله بفعل الخير، والإكثار من الذكر وقراءة القرآن وتدبر معانيه، إلا أنه ارتبط أيضا بتنوع أصناف الطعام، خاصة الحلويات، وتتميز كل بلاد بأنواع منها تختلف عن باقي البلدان، كما تعمل كثير من الأسر المسلمة على تجديد بيوتها استعدادا لقدوم شهر رمضان، بطلائها وتزيينها، وتجديد أثاثها، وأدوات الطهي، وغير ذلك..
وتشهد ليالي الشهر المبارك، نشاطاً، عكس باقي شهور السنة، وتزدهر الحركة التجارية، والتزاور الاجتماعي إلى ما قبل الفجر..
وتعمل أغلب الدول الإسلامية على تعديل وتقليص ساعات العمل الرسمية والدراسة خلال شهر رمضان، حيث يبدأ الدوام الرسمي في العمل والدراسة متأخراً عن مواعيده المعتادة خلال باقي شهور السنة..
وارتبط شهر رمضان الكريم، بظاهرتين متلازمتين، امتاز بهما عن غيره من الشهور، وهما مدفع الإفطار، والمسحراتي.. حيث يُطلق مدفع الإفطار عند حلول موعد آذان المغرب طيلة أيام الشهر الكريم، إيذاناً بانتهاء يوم صيام ودخول وقت الإفطار، وهي عادة اختلف المؤرخون في تحديد متى بدأت، ومن أول من قام بها من المسلمين على وجه الدقة والتحديد..
أما المسحراتي، فهو شخصٌ يلف بين الأحياء السكنية بدفٍ أو طبل وينادي بأعلى صوته لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، ولا زالت بلدان إسلامية كثيرة تحافظ على هاتين العادتين حتى وقتنا هذا..
وتقام المسابقات الدينية خلال الشهر الكريم، ومنها مسابقات حفظ وتجويد القرآن الكريم، سواء على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي، وكذلك الدروس الدينية في المساجد، والتي غالباً ما تكون بعد صلاة العصر..
وتشهد مساءات شهر رمضان نشاطات رياضية مختلفة، وتنشر في ليبيا الدوريات الرمضانية خاصة في كرة القدم، داخل الأحياء والمناطق والأندية..
وشهر رمضان شهر فرح أيضا للأطفال، الذين يسعدون بقدومه، لشيئين، الأول خروجهم مساءً مع أخوتهم الكبار أو والدهم، إلى الأسواق والملاهي والملاعب، والثاني فرحتهم بالملابس الجديدة التي يشترونها في شهر رمضان استعداداً لارتدائها ف عيد الفطر..
ويمتاز مجتمعنا الليبي بإتمام مراسم الخطوبة وعقد القران، خلال العشر الأواخر من الشهر الكريم، تيمناً وتبركاً بفضلها..
ولا يقتصر النشاط الرمضاني على الحركة التجارية والاجتماعية والرياضية فقط، بل يشمل ذلك حتى الحياة الثقافية، فتقام الأمسيات الأدبية، والعروض الفنية، والجلسات الحوارية، واللقاءات والنقاشات..
ومن أهم هذه النشاطات، في مدينة طرابلس، مهرجان ليالي المدينة القديمة، بفقراته المتنوعة، وعروضه الشيقة، وفاعلياته الثقافية والأدبية الزاخرة، والذي يشهد اقبالا كبيرا من أهالي المدينة، ومن زوارها أيضا، طيلة ليالي الشهر الكريم..
ومع ظهور التلفزيون، صار لشهر رمضان نصيبه الأكبر والأهم من الأعمال الفنية، التي يحرص منتجوها ومقدموها على بثها خلال الموسم الرمضاني، لما يمثله من ارتفاع نسبة المشاهدة، وكذلك ارتفاع المردود الإعلاني المصاحب لتلك البرامج والمنوعات، ما يجعل من الموسم الرمضاني فرصة للكسب والتربح من وراء إنتاجها..
وتحرص أغلب القنوات على تقديم مواد برامجية منوعة، خاصة على مائدة الإفطار، لتجذب أكبر عدد من المشاهدين، وبالتالي تحقيق أرباحاً عالية من التسويق الإعلاني.. وهناك فنانين وإعلاميين ارتبط ظهورهم خلال الموسم الرمضاني في كل عام..
ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، أخذت هي أيضا نصيبها من المواسم الرمضانية، فمن الرامج الدينية والتوعية التي تبث خلالها، إلى الدعاية والإعلان عن سلع ومنتوجات وبرامج، إلى المسابقات والجوائز.. وكذلك نشر الأدعية، والتهاني والتبريكات، ونشر صور الموائد والأكلات، وغير ذلك..
ورغم الفرح والاستبشار الذي يغمر الجميع بقدوم شهر رمضان المبارك، إلا أن الكثيرين ينتقدون تجريد شهر رمضان من مضمونه الروحي، وجعله شهراً للتبذير والإسراف والاستهلاك المفرط، وصولا للتباهي والتفاخر، ويأخذون على كثير من الناس، إهمالهم لأعمالهم وتغيبهم عنها، وعدم ضبط النفس والغضب السريع، وقضاء الوقت أمام شاشات الفضائيات، وفي المقاهي، وغير ذلك..
إن صيام شهر رمضان المبارك، فرصة للإنسان للمراجعة الذاتية، سواء في علاقته بخالقه سبحانه وتعالى، أو بعلاقته مع الآخرين، خاصة ذوي القربى..