يُعد غياب العنصر النسائي على خشبة المسرح الليبي ظاهرة مقلقة تُعيق التعبير عن الواقع بصورة شاملة، فالمرأة نصف المجتمع، وغيابها عن المسرح يعني غياب نصف الرؤية، ونصف المعاناة، ونصف الحلول…
هذا الغياب ينعكس سلباً على الكتابة المسرحية، حيث يُصبح طرح القضايا الاجتماعية المهمة محدداً في إطار ضيق، ويُفقد المسرح قدرته على التعبير عن حجم الحياة الطبيعي، ومن سلبياته أيضاً تعزيز الحالة الذكورية في المجتمع، ويؤثر على المبدع سواء أكان كاتباً مسرحياً أم ممثلاً..
في هذا الاستطلاع طرحنا عدة تساؤلات حول غياب المرأة عن المسرح على عدد من الكتَّاب المسرحيين، والفنانين، والنقاد فكانت الآراء متقاربة نسبياً حول أسباب الغياب، وتأثيره على سير الحركة المسرحية في ليبيا…
علي الفلاح / كاتب وممثل مسرحي
بالنسبة للمناشط الثقافية التي صاحبت الدورة الـ)12( من المهرجان الوطني للفنون المسرحية وبصفتي كرئيس اللجنة الثقافية، أنا شخصيا أفردتُ في البرنامج الثقافي حضورًا للمرأة يصل إلى 50 %.
المحور الفكري كان مقسومًا مناصفة بين النساء، والرجال لكن وللأسف السيدات نتيجة لظروفهن الله أعلم بها اعتذرن في آخر اللحظات، اعتذار في اللحظة التي لا يمكن لك أن تغير شيئًا، أو تحدث أي تعديل، في البداية وافقن وكن سعيدات بالمشاركة وتم إدارجهن ضمن الجدول حسب ما تم الاتفاق عليه ثم وفجأة في آخر الوقت يتم الإعتذار ولأسباب لا نعلمهاحقيقة.
أما بالنسبة للعروض فهناك لبسُ يحدث عند البعض بشكل عام بعض العروض المواضيع فيها ليست نسائية، وبمعنى أدق لا تستوجب حضور شخصية نسائية، على سبيل المثال من المسرح العالمي مثلاً عرض )في انتظار قودو( الموضوع ليس نسائياً، فالكاتب كيف يوجد شخصية نسائية في موضوع ليس نسائيًا، أيضاً هناك قضايا أخرى مهمة في هذا الصدد؛ فالعنصر النسائي أغلب الموجودات هن أصحاب تجربة في المجال، وتقدم بهن العمر إضافة لإلتزامتهن الاجتماعية، والوجوه الجديدة ضنينة جداً..
ثانياً وللأمانة الضريبة التي تدفعها المرأة في هذا المجال هي ضريبة مضاعفة عما يدفعه الرجل لنكن في ذلك منصفين، فالعمل المسرحي أحد أهم شروطه الجماعية، والعمل الجماعي له إلتزاماته، والعنصر النسائي غالبيته غير ملتزم، والبروڤة في المسرح عبارة عن شيء تراكمي، وكل إيقاف فيها يعيدنا لنقطة البداية..
المرأة مناضلة لكن الإطار الاجتماعي، الفكري، ونظرة المجتمع لها قوية والموجة عالية ولو كنتُ مكانهن لن أكون أفضل حالاً منهن،
لذلك نحن بحاجة لمشروع وطني متكامل ينظر لكل هذه التفاصيل، ويوليها شيئًا من الدعم والرعاية خاصة للعنصر النسائي ويكون المشروع موضوعيًا و واقعًا يحاكي الظروف الاجتماعية والاقتصادية ويحاكي النمط الفكري، والثقافي للحياة المسرحية والمجتمع معاً، وأن تكون مشروعات قابلة للتنفيذ على أرض الواقع هذا إذا أردنا الاستمرار.
منصور أبوشناف / كاتب ومؤلف مسرحي..
طبعاً يوجد تراجع في حضور المرأة في الأعمال المسرحية، شاهدنا في المهرجان يعني من 16 عرضًا شاهدنا عرضين فيهما عناصر النسائية فقط، والبقية ما لا يوجد عناصر في عروض المهرجان لدرجة أن المخرجين اضطروا في بعض الأعمال إلى تحويرها لتتحول فيها إلى شخصيات رجالية،..
ما السبب .. ؟!
السبب لتراجع حضور المرأة في المسرح، وليس في المسرح فقط، هناك كثير من الأشياء نلاحظوا أنه يوجد تراجع لدور المرأة، وفيه انسحاب شبه أو إجبار على الانسحاب بالنسبة للمرأة، رغم وجود الكثير من الممثلات، إلا أن حقيقة لم نشهد ولا مشاركة في هذه الأعمال.
يعني إلى حد ما صحيح، وأيضًا بالنسبة للمسرح ربما لأن المسرح مواجهة مباشرة مع الجمهور، فهذا أدى بها للغياب، أيضًا في جانب آخر مهم جدًا، وهو أن المسرح ما ليس به مردود مادي، وهذا عامل مهم جدًا.
إذا قلنا العامل الاجتماعي عامل المادي؟ هل يمكن إلحاق أزمة النص بهذه الأسباب..؟.
بالعكس، هناك نصوص لدرجة أن الكتَّاب الآن أصبحوا لما يُكتب نصٌ مسرحي يحاول ألا يكون فيه شخصيات نسائية، لأن لو كتب في عنصر نسائي احتمال كبير أن العمل بالتالي، فالأزمة مركبة ومعقدة.
تأثير هذا الغياب على المسرح كيف تراه؟
طبعاً تأثيرها كبير، وبالتالي، المسرح لن يقدم صورة حقيقية عن المجتمع، لأن في نص مجتمع غايب عن هذا المجال، وأيضا يمكن اعتباره أنه مظهر من مظاهر الردة الحاصلة في المنطقة العربية، والإسلامية باقصاء المرأة، وتهميشها…
صبري أبو شعالة / ممثل ومؤلف مسرحي، ومدير عام المسرح الجامعي بكليات جامعة مصراتة ..
في مجمل العروض المسرحية التي قدمتْ في المهرجان الوطني للفنون المسرحية في دورته السابقة بطرابلس اتسمتْ بطابع أن الحالة المسرحية، أو الفكرة، أو الموضوع المسرحي الذي يناقش، أو الذي تطرحه المسرحية في العرض، وأساس النص لا يتوافر فيه بالضرورة أن تكون المرأة موجودة، أو حتى المناخ والبيئة التي تعرض فيها المسرحية غير موجودة فيها المرأة، مثال عرض يجسد، حالة صحراء أعتقد من الطبيعي ألا يكون للمرأة مكانٌ فيها، والنص مكتوب هكذا أساسًا ولم تحذف منه، وهنا تكمن مفارقة مهمة، فالنصوص التي قدمتْ في المهرجان لم تحذف منها الأدوار النسائية بل هي غير موجودة أساساً هذا أولاً.
ثانياً هناك سؤال يطرح نفسه، وهو لماذا لم يتم قبول نصوص بها أدوار نسائية، والجواب هنا لأن غالبية المدن الليبية لا يتوافر فيها العنصر النسائي الذي يستطيع أن يواكب التدريبات ويشتغل، ويظهر في الصورة، ويشارك في المهرجانات، ويسافر ويتنقل، وهذه إشكالية عامة من ضمنها نحن في مدينة مصراتة مدينة طبرق، مدينة البيضاء، مدينة درنة .. وغيرها..
هل بذلك تم حصر العناصر النسائية الموجودة في مدينتي طرابلس وبنغازي..؟.
ولكن ومع ذلك حتى بنغازي عرضها في المهرجان لم يأتي بعنصر نسائي رغم وجودها في النص الأصلي وهي إشكاليةتحدّث عنها المخرج وهي عدم إلتزامها بمواعيد التدريبات مما أضطرهم لتحوير دورها لدور رجالي…
بشكل عام المرأة في المسرح قد تكون معذورة في ظرفها ونحن لا نريد أن نضع كامل اللوم عليها، بالعكس نحن نقدم لهن الدعم بكل ما يمكن أن ندعمهن به، لكن الظرف أحيانا ًيكون قاسيًا، ونحن في مجتمع صعب في حكمه..
لماذا لا يتم الإستعانة من ممثلات من مناطق أخرى لتجسيد الأدوار في حال عدم توفرها في مكان العرض؟
الأمر هنا يدخل في جوانب تمويلية، مادية؛ فمن المهم توفير لها المكان والسكن والتنقل وغيره، وقد تمت تجربة ذلك في مصراتة المسرح الوطني قام بها حيث استعان بعنصر نسائي من طرابلس ليتم العرض في بنغازي، لكن هي إشكالية مادية زائد ظرفية حتى الظروف للمرأة نفسها أحياناً تكون غير جاهزة للعمل .
هل ترى أن هناك عزوفاً من العنصر النسائي في المسرح رغم تواجدهن في المرئية من خلال الأعمال الدرامية والمنوعات و البرامج؟
هنا سأخبرك بما هو أسوأ )و بنزيد الطين بلة(، فحتى العنصر الرجالي المؤهل المتدرب الجاهز عندنا غير متوفر، الممثل يعد ضنينًا، لعلمك، يعني )ما تقولوش إن مفيش عنصر نسائي حتى الرجال قليل(.
يعني عزوف حتى الشباب وغيره، لأن الظروف المادية والظروف العملية رقم واحد، رقم اثنين الاحترافية غير متوفرة، الدعم غير متوفر، كل هذه الأشياء مع الحالة الاقتصادية التي يمر بها العالم كله، وليس ليبيا فقط حيث أصبح الجانب المادي يطغى والمسرح مشكلته إن لا ماديات فيه بعكس التليفزيون، لكنه يصنع فنانًا حقيقيًا ويعلم الإيثار، في تقديم نفسك حتى لو قمت بالصرف من جيبك وهذا ما تربينا عليه،..
الآن أن تدفع للمسرح من جيبك صعب، وهذا مبدأ الأجيال الجديدة .. أما نحن مازلنا على المبدأ ذاته، أيضاً التخصص المعاهد والكليات الفنية، ومخرجاتها الضنينة .
لا يوجد إعداد، ولا تدريب الممثل من العنصرين الرجالي والنسائي، وهذه إشكالية أخرى فلو توفرت للعناصر الرجالية المعاهد المتخصصة، والإعداد وغيرها سوف تدخل النسائية معاها بشكل انسيابي.
تراجع التنوير
في الحقيقة يجب أن لاتخدعنا هذه الجملة المعقدة فحرية الرأي والتي ت و كحق بسيط تعني في أسوء الظروف التفكير بصوت عال ومن هنا يمكن أن نرى كمية التشريعات والقوانين والثقافة المجتمعية التي تحرس هذا الحق البسيط
وهو ما نفتقده في ليبيا بشكل صريح في كل العصور الحديثة التي مررنا بها، وان كان الأمر اليوم متأزم بشكل مفزع أكثر فتحالف التشكيلات العسكرية مع الفكر الديني المتطرف مع تراجع منسوب المشروع التنويري وملئ الفراغ القانوني والامني من قبل العرف القبلي جعل حرية الرأي تمضي في مدننا كما تمضي فئران الصرف الصحي مفجوعة وهاربة دائما من ملاحقة الاضواء والأقدام المسعورة التي أدمنت الدعس،حتى أن الكاتب الجاد اليوم صار يتمنى الاتقرأ كتبه في ليبيا والا يلتفت اليها حتى لا يتعرض للهجوم والتنكيل من دون ضمان رد الاعتبار او الحق في الرد أصلا، كأنه نبتة خبيثة يجب قلعها من فردوس الله على الارض.