ذات يوم استيقظ المشواشي الفارّ من قصيدة عبد السلام العجيلي على أصوات صاخبة تعلو بالخارج انتفض من سريره الممتد بحرا بطوله كجناحي طائر اسطوري ورمى لحافا كانت نساجته امرأة بوشم أصيل استلت من الصحراء خيوطها ودثرت لياليه البارده بحمله
خرج من مغارته المختبئة في الجبال التي بدت كطفل خائف من معنفه باحثا عن مصدر الصوت اللامرئي
كان المكان المسيج برحلة طويلة_ غرس فيها المشواشي تجاربه وانكساراته اعلاما لجغرافيا ترحاله _كقاع لبئر عميق تأتي منه الأصوات تباعا بلا توقف ويتدفق المدى كبقعة زيت تختفي فيها المسميات والاشخاص
كل شيء كان أمام ناظريه يتحول بسرعة البرق إلى لا شيء حتى حقول القمح وأشجار الزيتون والنخلة التي خبأ تحت ظلها أسراره يتلاشى
اغمض عينيه لعله يرى سرابا او خيل له لكنه سرعان ما اكتشف ان الأرض من تحت قدميه تغوص وتغوص ساحبة إياه إلى قاع سحيق لا آخر له
ارتعد من هول مايرى كل الأصوات تأتي من الداخل قدماه تحاول الفرار ولكن إلى أين؟
فكل المكان الذي يخصه تحول إلى بالوعة كبيرة تسحب إلى أعماقها كل شيء كفم وحش جائع يلتهم بشراهة ملحوظة ..قفز لعله ينجو..الأرض تتحول لبالوعة ..يا إلهي حدث المشواشي نفسه :كيف يمكن أن يصبح الدم والحبر مجرى واحد وسط هذه البالوعة ?
الروائح النتنة خانقة حد الغصة ..الأصوات مبحوحة لا بل الرائحة النفاذة تكاد تحسم الأمر لصالحها وتطبق على الهمس المتبقي
كأنّه يسمع صوت قنديل ومفتاح بو زيد وسلوى بوقعيقيص وحنان البرعصي وجموع برائحة رطوبة جدران السجون تتوافد بعد ان سلمت ماتبقى من دمها للبالوعة وتلاشت
كيف يصبح الوطن للحظة في عمر التاريخ بالوعة تسدها وتكشف اغوارها أحجارا رماها العابرون
وكيف يتلاشى المشواشي وسط الماء الكدر والبحر الأسود داخل البالوعة الكبيرة مخنوقا بالعفن
….
فاقتربي أيتها العاصفة
هذا الزقاق ما عاد يتسع لرؤوسنا
حذائي ما عاد يسمعني
بريدي بوح ثقيل
لا تحمله الريح
يسقط قبل المعارك.