رتوش

النصب التذكاري الإيطالي “الجندي المجهول” القبة بطرابلس

شوقي معمر

تعتبر النصب التذكارية عنوانا تاريخيا وهوياتيا لأي مجتمع متمدن ومتحضر فهو يعبر إما عن ملاحم تاريخية او شخصيات وطنية او فنا من فنـــــــــــ ون الابــــــداع ويعبر ذلك عن رقي أي مجتمـــــع في ليبيا لم تكن النصب التذكارية تحضي بعمق تاريخي وطني بالمفهوم الهوياتي والتي من المفترض ان تعبر عن هوية الوطن وتاريخه بل كانت عنوانا فقط لحدث ذا طابع سياسي ، فلم تحض النصب التذكارية الي اهتمام معمق من الناحية التاريخية او الإبداعية لتعبر عن مفهوم الليبيين جميعا عكس ما يحدث في الجانب الاخر من حوض المتوسط حيث نجد تلك النصب تجد اهتماما من أبناء تلك الأمم لأنها تعبر عن تاريخهم وهويتهم ان ذلك النصب للجندي المجهول منذ ان تم بناؤه سنة 1923 وافتتح بعرض عسكري سنــــة 1925 لا والذي اشتهر بالقبــة آو وسعاية البولاقي محليا.

كان معبرا عن هوية تاريخية وسياسية وعسكرية للإيطاليين فقدسية المكان قديما بمقابره الرومانية وأضاف اليه الايطاليون رفات جنودهم بالمكان ليصبح رمزا وهوية لإيطاليا في تلك الفترة، ان أهمية هذا المكان سنسردها باختصار من الناحية التاريخية فقد ذكرته المصادر التاريخيـة بمسميات اخري مثل برج الداليـة وحصن كرمة(Storia Della Vieta ) كما ورد في تقرير سلفاتوري اوجيما عالم الاثار الإيطالي المنشورة سنة 1912.

قبل بناء هذا الصرح (النصب التذكاري) كيف كانت حالة المكان ولماذا بني الايطاليون في هذا المكـــــــان بالتحديد دون غيره نصبا للجندي المجهول ؟ لم يكن هدم اســــــوارطرابــــلس القديمة الشمالية والشرقية عملا الغرض منه تطوير او إضفاء منظرا للمدينة بل كان عملا عسكريا الغرض منه هـــــــــــدم تلك التحصينات في مارس 1915 وانتهت في ديسمبر 1916، خوفـــــــا من حدوث ثورة اخري بعد المقاومة العنيفة للمجاهدين في كل من معركة الهاني والشط تلك هي الأسباب لإزالة تحصينات طرابلس القديمة التي يعود تاريخ اسوارها الى الاف السنين لشق طريق حول طرابلس القديمة في الأول من مايو 1912 تم الكشف عن المقابر السبعة الأولى لمقابر بونية رومانية صدفة عندما قام العمال بفتح مسار طريق لطريق السكة الواقع في حصن برج الدالية او الحصـــن الشمالي الغربي (القبة) وقد تم تصوير المكان من قبل الشركة الإيطالية (كوميريو للتصوير) وفي اليوم الثاني ادي انفجار لغم الي الكشف علي مقابر اخرى وتوالت الاكتشافات ليبلغ عدد المقابر الي احدي عشر قبرا واغلبها بونية (ليبية) كما يقول اورجبما في تقريره وقد عثر علي عدد من اللقي الاثرية الهامة في تلك المقابر ولا تزال تلك اللقي تعرض في المتحف الوطني بالسرايا الحمراء الي وقتنا هذا ولعل سؤالنا لماذا تــم إزالة تلك المقابر الاثرية ؟ولماذا يصر الايطاليـــــون علي بناء ذلك النصـــب في هذا المكان ؟

إن اصرارهم علـــــــي ذلك المكان يعني الرجـــــوع الي ذلك الإرث التاريـخي للإمبراطورية الرومانية وتاريخها في ليبيا والأدلة كثيرة علي ذلك نذكر منها حفريات قوس ماركوس وتعويض السكان الذين يقطنون امام القوس (عائلة القرقني) ولم تقم بعد ذلك أي حفرية داخل طرابلس القديمة رغم وجود المساحات لاقامـــــــة حفريات قد تعيد كتابة تاريخ اخر لهـــذه المدينة ولكـــن هناك من يرفض كشف اللثام عــــن حقيقة تاريخ طرابلــــس للأسف الشديد بأعذار واهية بعيدة تماما عن العمل العلمي والاكاديمي . برج الدالية او حصن كرمة ذكرت تلك الأسماء في تقرير سلفاتوري اورجيما عالم الاثار الإيطالي سنة 1912 يقول ان اثار ذلك الحصن ظاهرة للعيان واستعمل في القـرن الســـادس عشر وأيضا في القرن السابع عشر الي عهد الوالي العثماني راسم باشا 1882م.

وقد لاحظ اختلاف التحصينات من فترة لفترة تاريخية اخري واستند علي تقارير الحملات الاوربية التي وصلت طرابلس فــــي تقريره المنشور عن (مقابر برج الدالية) الصادر سنة 1959 عن مكتب الاثار بإقليم طرابلس الغرب بالمملكة الليبية في نفس سنة اصدار تقرير سلفاتوري اورجيما صدر قرار من مسئولي ولاية طرابلس الغرب بإزالة ذلك المبني والذي دفن فيه بعض من الجنود الايطاليين تخليدا للجيش الإيطالي وتاريخ إيطاليا منـــــذ الإمبراطورية الرومانية ولكن الغريب هو بدل ان نخلد الذين اعدموا في ميدان الشهداء يوم 6 ديسمبر 1911 عندما نصبت المشانق ووجد الليبيون انفسهم امام حدث عظيم يتمثل في اعدام أربعة عشر مجاهدا علقت أجسادهم الطاهرة علي اسوار قلعة طرابلس بميدان الشهداء الا يستحق هؤلاء ان يكون لهم نصبا تذكاريا ويوضع فيه رفاتهم الطاهرة ليكون حدثا تاريخيا وهوياتي ؟ولكن للأسف نجد اننا امـــام خزان ميــــاه للمدينة بديلا عن ذلك النصب الإيطالي للجندي المجهول وبالفعل تم ازالته في نهاية الخمسينات دون البحث او استكمال تلك الحفريات والبحث عن تاريخ طرابلس القديم بل علي العكس .

تم بناء خزان اكبر حجما من ذلك النصب ونقل رفات الجنود الايطاليون الي المقبرة المسيحية بسوق الثلاثاء وكآنها رسالة الي صناع ذلك المبني (نصب الجندي المجهول) ولكن يا لها من رسالة فبدلا ان نقوم ببناء نصب تذكاري لشهداء ملحمة 6 ديسمبر لغرس ثقافة الانتماء والقدسية للنصب التذكارية والتي لازلنا نعتبرها حوائط اسمنتية جوفاء لا انتماء لها… للأسف لا زلنا في صراع مع الزمن لطمس تاريخنا وهويتنا الوطنية وبأيدينا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى