رأي

الهوية فوق الهوى وأرسخ من الأهواء

■ أمين مازن

قبلتُ‭ ‬في‭ ‬سرورٍ‭ ‬لم‭ ‬أخفه‭ ‬مهمة‭ ‬تسليم‭ ‬رسالة‭ ‬الشكر‭ ‬التي‭ ‬اعتاد‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬السلام‮»‬‭ ‬والازدهار‭ ‬توجيهها‭ ‬في‭ ‬مختتم‭ ‬المحاضرة‭ ‬الأسبوعية‭ ‬التي‭ ‬دأب‭ ‬على‭ ‬تنظيمها‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬سنتين‭ ‬لما‭ ‬عبّرَت‭ ‬عليه‭ ‬الرمزية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بتقدير‭ ‬جهد‭ ‬المحاضر‭ ‬بدر‭ ‬الدين‭ ‬المختار،‭ ‬وكذا‭ ‬احترام‭ ‬الأسبقية‭ ‬التاريخية‭ ‬بالنسبة‭ ‬ليَّ‭ ‬شخصياً،‭ ‬فها‭ ‬نحن‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬عقود‭ ‬نشهد‭ ‬جيلاً‭ ‬مؤهلاً‭ ‬في‭ ‬ريعان‭ ‬الشباب‭ ‬يجدون‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬تَمَكنّا‭ ‬من‭ ‬كتابته‭ ‬جهداً‭ ‬معدوداً‭ ‬تجاه‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬والتي‭ ‬عُرِفَت‭ ‬في‭ ‬زمنها‭ ‬بالشخصية‭ ‬الليبية،‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الخمسينيات‭ ‬واكتسبت‭ ‬زخماً‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الستينيات،‭ ‬عندما‭ ‬جاء‭ ‬التناول‭ ‬قائمًا‭ ‬على‭ ‬الوعي‭ ‬بسلامة‭ ‬المقومات‭ ‬وتوفر‭ ‬شروط‭ ‬التحقق‭ ‬وسلامة‭ ‬المرجعيات،‭ ‬فدعونا‭ ‬لمحتوى‭ ‬أعمق‭ ‬للشخصية‭ ‬الليبية‭ ‬ينأى‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬التهريج‭ ‬الإعلامي‭ ‬ومحاولات‭ ‬احتكار‭ ‬التنظير‭ ‬وبوادر‭ ‬الاستفادة‭. ‬إنه‭ ‬العمق‭ ‬الذي‭ ‬تجلّى‭ ‬في‭ ‬ممارسات‭ ‬جيل‭ ‬أمكن‭ ‬إقناعه‭  ‬بجدوى‭ ‬قبول‭ ‬المسؤولية‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬البناء‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬إعطاء‭ ‬أبرز‭ ‬المستوعبين‭ ‬لهذا‭ ‬التوجه‭ ‬والمتحمسين‭ ‬له‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬المولى‭ ‬دغمان‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬الجامعة‭ ‬محصورة‭ ‬الاهتمام‭ ‬في‭ ‬زيادة‭ ‬عدد‭ ‬الخريجين،‭ ‬وإنما‭ ‬الدفع‭ ‬بهم‭ ‬نحو‭ ‬جامعات‭ ‬العالم‭ ‬للنهل‭ ‬من‭ ‬التجديد‭ ‬والاستعداد‭ ‬لقيادة‭ ‬المجتمع‭ ‬نحو‭  ‬التحضّر‭ ‬والاعتداد‭ ‬بالذات‭ ‬وتفادي‭ ‬التلاشي،‭ ‬أما‭ ‬الآخر‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬القومية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وسيلة‭ ‬للتوسع‭ ‬والأممية‭ ‬مسوغًا‭ ‬للهيمنة،‭ ‬ونوع‭ ‬آخر‭ ‬مثّله‭ ‬علي‭ ‬عتيقة‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬من‭ ‬التنمية‭ ‬مشروعًا‭ ‬نهضويًا‭ ‬يعتمد‭ ‬التخطيط‭ ‬المكتمل‭ ‬الذي‭ ‬يشمل‭ ‬البلاد‭ ‬كافة،‭ ‬ومحمد‭ ‬بن‭ ‬يونس‭ ‬حين‭ ‬اتخذ‭ ‬من‭ ‬قبول‭ ‬عمادة‭ ‬بلدية‭ ‬بنغازي‭ ‬مهمة‭ ‬إعادة‭ ‬الألق‭ ‬للمدينة‭ ‬التاريخية‭ ‬عندما‭ ‬حُمِّلَت‭ ‬من‭ ‬اغتيال‭ ‬إبراهيم‭ ‬الشلحي‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬منه‭ ‬براء،‭ ‬وانتباه‭ ‬مسيس‭ ‬كإبراهيم‭ ‬الهنقاري‭ ‬الذي‭ ‬تنبه‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬بدأ‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬الأشقاء‭ ‬العرب‭ ‬من‭ ‬استغلال‭ ‬التضامن‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تصدير‭ ‬البترول‭ ‬واعتباره‭ ‬فرصة‭ ‬للاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأسواق‭ ‬الليبية‭ ‬عندما‭ ‬انشغل‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬عمّا‭ ‬كان‭ ‬يُدبّرُ‭ ‬سِرّاً،‭ ‬فحرص‭ ‬على‭ ‬توعية‭ ‬الواعين‭ ‬من‭ ‬الإعلاميين‭ ‬بهذه‭ ‬الحقائق‭.‬

‭ ‬إنها‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬عُدِّلَ‭ ‬فيها‭ ‬قانون‭ ‬البترول‭ ‬للأخذ‭ ‬بعقد‭ ‬المشاركة‭ ‬ومثله‭ ‬الضرائب‭ ‬لدفع‭ ‬التجار‭ ‬للآداء‭ ‬مع‭ ‬توسيع‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬والتمويل‭ ‬والسلك‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬بإتاحة‭ ‬فرص‭ ‬العمل‭ ‬لمكون‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬طالما‭ ‬حيل‭ ‬بينهم‭ ‬وبين‭ ‬المشاركة‭ ‬الواسعة،‭ ‬وأخيراً‭ ‬مشروع‭ ‬البِرّ‭ ‬والمساعدات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والذي‭ ‬أُريدَ‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بداية‭ ‬لتنظيم‭ ‬سياسي‭ ‬بدأ‭ ‬بإسناد‭ ‬مسؤوليته‭ ‬للأستاذ‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬الشويرف‭ ‬وعامر‭ ‬البكوش،‭ ‬هي‭ ‬مرحلة‭ ‬بدأت‭ ‬تاريخياً‭ ‬بمصطفى‭ ‬بن‭ ‬حليم‭ ‬عندما‭ ‬ترأس‭ ‬الوزارة‭ ‬ولم‭ ‬يتجاوز‭ ‬الخامسة‭ ‬والثلاثين‭ ‬ليأتي‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬عشر‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬البكوش‭ ‬ليتبنّى‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الشخصية‭ ‬الليبية‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬المسؤولية‭ ‬ويستعد‭ ‬لزيارة‭ ‬عمل‭ ‬بالغة‭ ‬الأهمية‭ ‬لم‭ ‬يُمَكّن‭ ‬من‭ ‬انجازها‭ ‬فيتضح‭ ‬أن‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬أُريدَ‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فكانت‭ ‬وقد‭ ‬دامت‭ ‬عقوداً‭ ‬أربع‭ ‬ونيِّف،‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الدعوة‭ ‬إلى‭ ‬الشخصية‭ ‬الليبية‭  ‬منقصة‭ ‬والحزبية‭ ‬تهمة‭ ‬والتدريب‭ ‬العسكري‭ ‬مسوغا‭ ‬للتعذيب‭ ‬بل‭ ‬وتحديد‭ ‬الإقامة‭ ‬وحضر‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬خارج‭ ‬البلاد،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬يُولَد‭ ‬ويتكون‭ ‬جيل‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبنائه‭ ‬‮«‬بدر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتجاوز‭ ‬الخامسة‭ ‬والثلاثين‭ ‬من‭ ‬عمره‭ ‬ولم‭ ‬يحل‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬موضوع‭ ‬الهوية‭ ‬والشخصية‭ ‬الليبية‭ ‬واستحقاقاتها‭ ‬تخصصه‭ ‬الطبي‭ ‬أو‭ ‬المناهج‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعطها‭ ‬ما‭ ‬تستحق‭ ‬من‭ ‬التأسيس،‭ ‬فيشقُّ‭ ‬طريقه‭ ‬معتمداً‭ ‬على‭ ‬جهده‭ ‬واقتفاء‭ ‬آثار‭ ‬الجادين‭ ‬من‭ ‬مثقفي‭ ‬بلده‭ ‬فيؤكد‭ ‬حضوره‭ ‬أن‭ ‬البقاء‭ ‬دائماً‭ ‬للحق‭ ‬والوطن‭ ‬والتاريخ،‭ ‬فيُثلج‭ ‬صدورنا‭ ‬بمحاضرته‭ ‬ويطمئننا‭ ‬بأن‭ ‬الهوية‭ ‬الليبيىة‭ ‬فوق‭ ‬الهوى‭ ‬وأرسخ‭ ‬من‭ ‬الأهواء‭ ‬وأقدر‭ ‬على‭ ‬استنفار‭ ‬الناس‭ ‬كافة‭ ‬للمحافظة‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الوطن‭ ‬أولاً‭ ‬وتأجيل‭ ‬الخلاف‭ ‬وبالأحرى‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬حكمه‭ ‬لاحقا،‭ ‬فالبيت‭ ‬لا‭ ‬تُقَسَّم‭ ‬حجراته‭ ‬للسكن‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬بناؤه‭ ‬وطلاؤه‭ ‬وأخيراً‭ ‬تأثيثه‭ ‬فينعم‭ ‬أهله‭ ‬بسكنه‭ ‬ليضيفوا‭ ‬إليه‭ ‬البيت‭ ‬تلو‭ ‬البيت،‭ ‬وليس‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬الهدم‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬الحمقى‭ ‬من‭ ‬مسؤولي‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى