تناقلت الفضائيات الوازنة أنباء الاجتماعات التي دأبت علىعقدها والقرارات الصادرة عنها المجالس الثلاثة العتيدة المهيمنة على البلاد ومقدراتها طوال هذه الحقبة التي يستحيل وصفها بلون من الألوان وهي تطال حياة الناس واحتياجاتهم، وقبل ذلك أمنهم وسيئ مصيرهم، لا سيما وهم يرون الأسلحة تملأ عديد الأماكن بدعوى حماية هذا الأمن أحياناً وتعبيراً عن الاحتفال أحياناً أخرى، وذلك في تنافسٍ منقطع النظير على اتخاذ القرارات المصيرية والتي لا تتوقف لحظة حتى تتجدد لحظة أخرى، وما من غاية لها أكثر من صون المكاسب وتجديدها واختراع الأسباب الكفيلة بتفعيلها وتطويرها، وجلب العوائد المنتظرة من ورائها، خاصة وهي تقترب من بنك ليبيا المركزي والمساس بمحافظه المرابض في مركزه منذ تبوئه له في الأيام الأولى التي تلت الانتفاضة والاعتراف السريع بها دولياً حيث كانت تولية هذا المحافظ من طرف المجلس الوطني الانتقالي وهو يعقد اجتماعاته المبكرة في مدينة البيضاء، إنه الاختيار الذي لم يسلم من همس البعض عندما تبادله بعض الذين بادروا بعقد سريع الاجتماعات في مقهى قرفال بشارع بن عاشور بطرابلس، والذي أذكر أنني اقترحت عليهم تسميته بملتقى طرابلس الأهلي، عندما تنادى له عدد غير قليل من الأسماء المعروفة ممن لا تُخطهم العين عند التفكير في أي تجمع وطني يحمل الهم السياسي بمفهومه الصريح أو يسعى إلى تأسيسه عبر النقابات والجمعيات ذات المهنة الواحدة أو الهواية الواحدة أو الانطلاق نحو ذلك بواسطة الحوار العلني والتوجه إلى ذوي الشأن حيث يوجدون، إنه الأسلوب الذي تنبّه له مبكراً وثابر على اتباعه بصبر مشروع تحالف القوى الوطنية، وتمكن بواسطة اتقان تنفيذه أن يكسب أغلبية أول انتخابات أُجريت لو لم يواجه بتلك المناورة التي يستبعد كل ذي ضمير أن يحصل ما اتبع معها من التنافس غير الشريف والذي من غير المفيد أن نعيد الخوض فيه الآن باعتباره ضمن ما حفظ التاريخ وليس على صلة قوية بما يجري اليوم ليؤازَر أو دون ذلك فيُهدَم، على أن الاحتكام للقول المعروف بأن كل معرفة قوية للسبب قمينة بأن تبطل العجب فلن نستغرب والحالة هذه ما لاحظناه على البعض من اتخاذ الموقف ونقيضه بصدد الموافقة والرفض بشأن منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي، فليس في هذه الخيارات صداقات دائمة ولا عداوات دائمة وإنما فيها بدون شك مصالح دائمة وضغوط -إن جاز التعبير- دائمة وربما قوية أكثر، وإذا كانت المعلومات المتواترة كثيراً ما ألمحت ببريطانيا فقد رأيناها هذه المرة تطل من الجانب الأمريكي على نحوٍ واضح، عندما أقدم الرئاسي على خطوته بالتغيير والمقابلة التي لم تخلُ من التحذير لولا أنها لم تتوقف عند القرار وإنما أرفقت بالسلاح وإذ يتعين على كل منصف أن يُكبر في السيد محمد الشكري إعلانه اعتذاره عن قبول المهمة والذي كرر فيه حذره من تمويل الاتحاد الليبي لكرة القدم في العهد السابق، فلا شك أننا بذات الوعي نؤيد تحذيرات الصديق الكبير من إصرار البعض على إزاحته لأنه بدون شك يعرف صعوبة التراجع في حالة المساس بما أدرج في دوائر المال لأكثر من عقد ونصف والوطن فوق الإصرار والإعتذار، وفي كل الأحوال إليه يؤوب الأخيار والأشرار.