رأي

انتخابات 1964 تراجع لا مراجعة

أمين مازن

كنتُ‭ ‬بالخامس‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬ضيف‭ ‬اللقاء‭ ‬الأسبوعي‭ ‬الذي‭ ‬درج‭ ‬على‭ ‬تنظيمه‭ ‬ضُحى‭ ‬كل‭ ‬سبت‭ ‬حزب‭ ‬‮«‬السلام‭ ‬والازدهار‮»‬‭ ‬بمقرّه‭ ‬في‭ ‬طرابلس،‭ ‬آثرتُ‭  ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬فيه‭ ‬متحدثًا‭ ‬عن‭ ‬الانتخابات‭ ‬النيابية‭ ‬التي‭ ‬أُُجريتْ‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الرابع‭ ‬والستين‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬عندما‭ ‬زادت‭ ‬الحكومة‭ ‬عدد‭ ‬النَّواب‭ ‬إلى‭ ‬الضعف‭ ‬بعد‭ ‬تأجيلٍ‭ ‬عُلِّلَ‭ ‬بإجراء‭ ‬الإحصاء‭ ‬كاستحقاق‭ ‬دستوري‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬بعض‭ ‬الدوائر‭ ‬تؤكد‭ ‬وجود‭ ‬تصميم‭ ‬عربي‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬بعض‭ ‬المرشحين‭ ‬المعروفين‭ ‬بانحيازهم‭ ‬للتوجهات‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬احتياجات‭ ‬المواطن‭ ‬الليبي‭ ‬أمرًا‭ ‬ثانويًا،‭ ‬ويومئذ‭ ‬تدخلت‭ ‬السلطة‭ ‬وحالت‭ ‬دون‭ ‬تقدم‭ ‬عدد‭ ‬ممن‭ ‬اشتُبِهَ‭ ‬فيهم‭ ‬تبنّي‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬لتمنع‭ ‬من‭ ‬رأتْ‭ ‬منعه‭ ‬وأخذتْ‭ ‬بيد‭ ‬من‭ ‬أخذت،‭ ‬فجاء‭ ‬المجلس‭ ‬الذي‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬لم‭ ‬يتسع‭ ‬لعديد‭ ‬الوجوه‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ضم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة‭ ‬والمصالح‭ ‬الذين‭ ‬يستحيل‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬حكومة‭ ‬أن‭ ‬تستمر‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬شراكة‭ ‬تلك‭ ‬الأسماء‭ ‬بها‭ ‬قوية‭ ‬سواء‭ ‬باستمرار‭ ‬الذين‭ ‬جمعوا‭ ‬بين‭ ‬حقائب‭ ‬الوزارة‭ ‬ومقاعد‭ ‬المجلس‭ ‬الجديد،‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬ضمتهم‭ ‬مقاعد‭ ‬المجلس‭ ‬من‭ ‬الوزراء‭ ‬السابقين،‭ ‬والنُظّار‭ ‬السابقين‭ ‬ورؤساء‭ ‬المجالس‭ ‬التشريعية،‭ ‬والوزارات‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬أصحاب‭ ‬العلاقات‭ ‬والمشاريع‭ ‬والدراية‭ ‬بالكثير‭ ‬مما‭ ‬يُخطط،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬كشفتْ‭ ‬عنه‭ ‬الجلسات‭ ‬المحدودة‭ ‬التي‭ ‬عقدها‭ ‬ذلك‭ ‬المجلس‭ ‬بما‭ ‬أُثيرَ‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬وأسلوب‭ ‬العمل‭ ‬وطلبات‭ ‬المناقشة‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬عشرة‭ ‬نواب،‭ ‬فإذا‭ ‬بها‭ ‬تُوقَّع‭ ‬من‭ ‬الخمسين‭ ‬وكان‭ ‬أن‭ ‬استصدرت‭ ‬الحكومة‭ ‬المرسوم‭ ‬الملكي‭ ‬القاضي‭ ‬بحلِّ‭ ‬ذلك‭ ‬المجلس،‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬الانتخابات‭ ‬مزيفة،‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬الحوادث‭ ‬قد‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬كلمة‭ ‬حق‭ ‬أُريد‭ ‬بها‭ ‬باطل،‭ ‬فقد‭ ‬قُبِلَت‭ ‬استقالة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء،‭ ‬وخلَفَه‭ ‬رئيس‭ ‬جديد‭ ‬لكن‭ ‬حقيبة‭ ‬الداخلية‭ ‬زِيدَ‭ ‬إليها‭ ‬وكيل‭ ‬أكثر‭ ‬فهماً‭ ‬للمطلوب،‭ ‬فأُعيد‭ ‬الانتخاب‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬محدودة‭ ‬بحيث‭ ‬لم‭ ‬تتجاوز‭ ‬العام‭ ‬الخامس‭ ‬والستين‭ ‬وكانت‭ ‬سابقتها‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬الرابع‭ ‬والستين،‭ ‬ليأتي‭ ‬مجلس‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬فيه‭ ‬للذين‭ ‬مُنِعوا‭ ‬من‭ ‬الترشّح‭ ‬ولم‭ ‬يبقَ‭ ‬كذلك‭ ‬الذين‭ ‬قد‭ ‬يتبنّون‭ ‬ما‭ ‬تمليه‭ ‬المصالح‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة‭ ‬من‭ ‬المواقف،‭ ‬لتبدأ‭ ‬مرحلة‭ ‬التسيّب‭ ‬التي‭ ‬نخرتْ‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬خاص‭ ‬الكيان‭ ‬كما‭ ‬نخرت‭ ‬حشرة‭ ‬الأرض‭ ‬عرش‭ ‬سليمان،‭ ‬فلم‭ ‬تمر‭ ‬سنوات‭ ‬أربع‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬ذلك‭ ‬الانهيار‭ ‬الذي‭ ‬قابله‭ ‬النَّاس‭ ‬بفرحٍ‭ ‬حتى‭ ‬لتراهم‭ ‬سُكارى‭ ‬وما‭ ‬هم‭ ‬بِسُكارى،‭ ‬وليس‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬تتوسم‭ ‬فيه‭ ‬العقل‭ ‬منهم‭ ‬فتبثّه‭ ‬هواجسك‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لكَ‭ ‬‮«‬عيِّن‭ ‬خير‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬بدأتْ‭ ‬تتسرب‭ ‬إلى‭ ‬لهجتنا‭ ‬مع‭ ‬المسلسلات‭ ‬التي‭ ‬تزامنتْ‭ ‬مع‭ ‬البث‭ ‬التلفزي‭ ‬الذي‭ ‬نقل‭ ‬جلسات‭ ‬محكمة‭ ‬الشعب‭ ‬الشهيرة،‭ ‬وندوة‭ ‬الفكر‭ ‬الثوري‭ ‬وسباق‭ ‬الكثيرين‭ ‬نحو‭ ‬شيطنة‭ ‬الحزبية،‭ ‬والتفاصيل‭ ‬كثيرة‭ ‬ومكانها‭ ‬ليس‭ ‬هنا،‭ ‬ودار‭ ‬الفلك‭ ‬دورته‭ ‬وها‭ ‬نحن‭ ‬نشهد‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬هذا‭ ‬الصالون‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬السكن‭ ‬ويتسع‭ ‬للحديث‭ ‬غير‭ ‬الموجه‭ ‬فلا‭ ‬أجد‭ ‬أجدر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬المجلس‭ ‬وذلكم‭ ‬الساسة،‭ ‬والحوادث‭ ‬كثيرة‭ ‬التي‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬ألمحنا‭ ‬بما‭ ‬منَّ‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬أسرارها‭ ‬ومجالسة‭ ‬بعض‭ ‬شركائها،‭ ‬وتفرض‭ ‬الأمانة‭ ‬التاريخية‭ ‬أن‭ ‬نقربها‭ ‬من‭ ‬التناول‭ ‬عسى‭ ‬أن‭ ‬نتبادل‭ ‬الموعظة‭ ‬ونتعاطى‭ ‬التعاون‭ ‬ونتفادى‭ ‬مجانية‭ ‬التخوين‭ ‬فلا‭ ‬نَحِنُّ‭ ‬للماضي‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬القداسة‭ ‬ولا‭ ‬نُجرِّد‭ ‬الحقب‭ ‬الأربعة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬إيجابية،‭ ‬وعندما‭ ‬أناط‭ ‬الحزب‭ ‬بالسيدة‭ ‬فريدة‭ ‬العلاقي‭ ‬تلاوة‭ ‬رسالة‭ ‬الشكر‭ ‬التي‭ ‬اعتاد‭ ‬الحزب‭ ‬أن‭ ‬يختم‭ ‬بها‭ ‬الحضور،‭ ‬غمرني‭ ‬إحساسٌ‭ ‬بالجدارة‭ ‬إذ‭ ‬لم‭ ‬أُشارك‭ ‬على‭ ‬كثرة‭ ‬ما‭ ‬كتبتُ‭ ‬قبل‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬في‭ ‬إدانة‭ ‬النشاط‭ ‬المهاجر،‭ ‬ولم‭ ‬أبتغ‭ ‬من‭ ‬فرسانه‭ ‬باستثناء‭ ‬الصادقين‭ ‬منهم‭ ‬جزاءً‭ ‬ولا‭ ‬شكورًا،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬يدخر‭ ‬الكثير‭ ‬منهم‭ ‬كل‭ ‬الجهد‭ ‬للاستحواذ‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الموجود‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭  ‬تأسيس‭ ‬الأحزاب،‭ ‬اكتفيت‭ ‬بمقاربة‭ ‬واحدة‭ ‬نشرتها‭ ‬بصحيفة‭ ‬‮«‬فبراير‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬لحزبٍ‭ ‬بحجم‭ ‬الوطن‮»‬‭ ‬ويقيني‭ ‬أنها‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تمثل‭ ‬أفضل‭ ‬البرامج‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مؤمناً‭ ‬بجدوى‭ ‬الحزبية‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬الأوطان‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى