كنتُ بالخامس والعشرين من مايو ضيف اللقاء الأسبوعي الذي درج على تنظيمه ضُحى كل سبت حزب «السلام والازدهار» بمقرّه في طرابلس، آثرتُ أن أكون فيه متحدثًا عن الانتخابات النيابية التي أُُجريتْ في العام الرابع والستين من القرن الماضي عندما زادت الحكومة عدد النَّواب إلى الضعف بعد تأجيلٍ عُلِّلَ بإجراء الإحصاء كاستحقاق دستوري فيما كانت بعض الدوائر تؤكد وجود تصميم عربي على دعم بعض المرشحين المعروفين بانحيازهم للتوجهات العربية إلى الحد الذي يرى في احتياجات المواطن الليبي أمرًا ثانويًا، ويومئذ تدخلت السلطة وحالت دون تقدم عدد ممن اشتُبِهَ فيهم تبنّي هذا الموقف لتمنع من رأتْ منعه وأخذتْ بيد من أخذت، فجاء المجلس الذي وإن كان لم يتسع لعديد الوجوه إلا أنه ضم الكثير من ذوي الخبرة والمصالح الذين يستحيل على أي حكومة أن تستمر في الحكم ما لم تكن شراكة تلك الأسماء بها قوية سواء باستمرار الذين جمعوا بين حقائب الوزارة ومقاعد المجلس الجديد، أو الذين ضمتهم مقاعد المجلس من الوزراء السابقين، والنُظّار السابقين ورؤساء المجالس التشريعية، والوزارات ورجال الأعمال أصحاب العلاقات والمشاريع والدراية بالكثير مما يُخطط، الأمر الذي كشفتْ عنه الجلسات المحدودة التي عقدها ذلك المجلس بما أُثيرَ فيها من قضايا وأسلوب العمل وطلبات المناقشة التي تحتاج إلى عشرة نواب، فإذا بها تُوقَّع من الخمسين وكان أن استصدرت الحكومة المرسوم الملكي القاضي بحلِّ ذلك المجلس، بحجة أن الانتخابات مزيفة، لولا أن الحوادث قد أثبتت أن ما تم كلمة حق أُريد بها باطل، فقد قُبِلَت استقالة رئيس الوزراء، وخلَفَه رئيس جديد لكن حقيبة الداخلية زِيدَ إليها وكيل أكثر فهماً للمطلوب، فأُعيد الانتخاب في فترة محدودة بحيث لم تتجاوز العام الخامس والستين وكانت سابقتها في منتصف الرابع والستين، ليأتي مجلس لا مكان فيه للذين مُنِعوا من الترشّح ولم يبقَ كذلك الذين قد يتبنّون ما تمليه المصالح الخاصة والعامة من المواقف، لتبدأ مرحلة التسيّب التي نخرتْ على نحوٍ خاص الكيان كما نخرت حشرة الأرض عرش سليمان، فلم تمر سنوات أربع حتى جاء ذلك الانهيار الذي قابله النَّاس بفرحٍ حتى لتراهم سُكارى وما هم بِسُكارى، وليس لكل من تتوسم فيه العقل منهم فتبثّه هواجسك سوى أن يقول لكَ «عيِّن خير» وقد بدأتْ تتسرب إلى لهجتنا مع المسلسلات التي تزامنتْ مع البث التلفزي الذي نقل جلسات محكمة الشعب الشهيرة، وندوة الفكر الثوري وسباق الكثيرين نحو شيطنة الحزبية، والتفاصيل كثيرة ومكانها ليس هنا، ودار الفلك دورته وها نحن نشهد هذا العدد من الأحزاب ومن بينها هذا الصالون القريب من السكن ويتسع للحديث غير الموجه فلا أجد أجدر من ذلك المجلس وذلكم الساسة، والحوادث كثيرة التي كثيرًا ما ألمحنا بما منَّ الله من أسرارها ومجالسة بعض شركائها، وتفرض الأمانة التاريخية أن نقربها من التناول عسى أن نتبادل الموعظة ونتعاطى التعاون ونتفادى مجانية التخوين فلا نَحِنُّ للماضي من منطلق القداسة ولا نُجرِّد الحقب الأربعة من أي إيجابية، وعندما أناط الحزب بالسيدة فريدة العلاقي تلاوة رسالة الشكر التي اعتاد الحزب أن يختم بها الحضور، غمرني إحساسٌ بالجدارة إذ لم أُشارك على كثرة ما كتبتُ قبل السابع عشر من فبراير في إدانة النشاط المهاجر، ولم أبتغ من فرسانه باستثناء الصادقين منهم جزاءً ولا شكورًا، فإذا لم يدخر الكثير منهم كل الجهد للاستحواذ على كل الموجود بما في ذلك تأسيس الأحزاب، اكتفيت بمقاربة واحدة نشرتها بصحيفة «فبراير» تحت عنوان «لحزبٍ بحجم الوطن» ويقيني أنها ما تزال تمثل أفضل البرامج لكل من لا يزال مؤمناً بجدوى الحزبية في تطوير الأوطان.