الفرق بين )البلاهة والنباهة( هي تلك المسافة التي تجعلك تستوعب كمية الرضا عن نفسك في تفسير كل منهما حسبما تريد وبالكيفية التي تراها مناسبة وهذا ليس الفرق الحقيقي بين المفهومين وإنما هو الفرق الذي نراه يتحرك قدامنا في واقع أقل مايمكنك وصفه بالمرير أو الواقع العبثي. حيث تكتسب المفاهيم معان أخرى غير التي نعرفها ونقدرها.. معان من قبيل التفاهة وانعكاساتها على مجمل القيم والأخلاق وكذلك المعاني .. فالبلاهة والنباهة معنيان متناقضان يصفان فكر كل من اتصف بهما بحيث يجعلهما غير متشابهين ولامتجانسين وإن جمعتهما في مكان واحد فقد يحصل الإشتعال الذي يؤكد مبدأ أن القيم المعرفية والأخلاقية في السابق كانت تصف بحدة وصدق وتصنف بدقة كل مامن شأنه توضيح الرؤى من أجل السلوك نحو الأمام والتقدم والرقي الى آخره ..وأن سيطرة الفكر الصحيح واجبة من أجل ذلك وقوام الصحة الفكرية هو المنهجية الصحيحة لفكر منطلق من نباهة وعقل سليم واع وقادر على تفسير الأمور وتفكيكها وبالتالي نقدها وتوضيح مايجب ومايستحيل .. أما إذا سيطر الفكر غير الصحيح إن جاز لنا التقييم وتمكن الأبله من ناصية الفعل والقوامة فإننا سنصل سريعا الى واقع عبثي لاتستطيع حتى تفسيره فضلا عن العيش فيه وتشكيل بيئة صالحة للحياة والتطور .. ماجعلني أستدعي هذه المقدمة التي قد يراها البعض غير لازمة هو المطر .. الغيث النافع .. ولاشك أننا لانختلف عن معاني المطر المتعددة والمرتبطة دائما بالايجابية والفرح فهي أصل من أصول المسرة فبها ينبت الزرع ويفرح المزارع والمربي والتاجر والمشتري ساكن الجبال والقرى والمدن تنظف الجو من الغبار والأتربة وكذلك الغازات السامة وعدد ولاحرج من إيجابيات نحبها ونفرح لهطولها وزولها من السماء بأمر ربها وحتى العاشقين يرون في المطر مثاراً للعواطف الجياشة والخصب والولادة فضلا عن المثقفين الذي غالبا ما يسارعون لفنجان من القهوة وصوت المطربة فيروز مه وراء شبابيك بللها المطر ويعيشون اللحظة .. بكل إيجابيتها . وكل هذا سليم وطبيعي لأنه حتى الان ليس ثمة من ضرر ولاضرار . فكل شيء تحت السيطرة والأمور عال العال كما يقال .. لكننا نشهد كل عام حين هطول ( الغيث النافع) وهو أحد أهم أسماء الامطار نشهد حالة كارثية تحدث في البلد كل شتاء وفي نفس التوقيت دونما قدرة لي على تفسير المشهد . . تغرق البلاد في مياه الأمطار . نرى سيارات تغمرها الامطار حتى أسقفها وبيوت داهمتها المياه حتى الدور الأول شوارع بإتساعاتها تغرق كاملة في مياه الأمطار صراخ الناس والعائلات والجميع يصرخ ويصرخ في جوقة جماعية تتكرر كل عام وبنفس المشهد المسؤلون يؤكدون أنهم مسيطرون على الوضع ونحن نعلم جيدا أنهم مسيطرون على الوضع . رسائل مراكز الطواري تتوالى على الهواتف تجعلك تشعر أنك من سكان العالم الأول بروباغاندا وفقاعات من الوهم والبلاد تغرق في نفس التوقيت .. فكيف يمكن تفسير الفكر الذي يقود البلد الدراما عبثية والمسؤلون كوميديون والواقع تراجيدي … هذه السوريالية تفكك المفاهيم وتقوض الحكمة وتجعل لميلاد الأفكار الجديدة مكانة مميزة في واقع مميز لست أدري أهو مميز بالنباهة أم بالبلاهة . وإن كنت أراه عبثا يفرض نفسه .