رأي

بين البلاهة والنباهة واقع عبثي

معمر الزايدي

الفرق‭ ‬بين‭ )‬البلاهة‭ ‬والنباهة‭( ‬هي‭ ‬تلك‭ ‬المسافة‭ ‬التي‭ ‬تجعلك‭ ‬تستوعب‭ ‬كمية‭ ‬الرضا‭ ‬عن‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬حسبما‭ ‬تريد‭ ‬وبالكيفية‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬مناسبة‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬الفرق‭ ‬الحقيقي‭ ‬بين‭ ‬المفهومين‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬الفرق‭ ‬الذي‭ ‬نراه‭ ‬يتحرك‭ ‬قدامنا‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬أقل‭ ‬مايمكنك‭ ‬وصفه‭ ‬بالمرير‭ ‬أو‭ ‬الواقع‭ ‬العبثي‭. ‬حيث‭ ‬تكتسب‭ ‬المفاهيم‭ ‬معان‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬التي‭ ‬نعرفها‭ ‬ونقدرها‭.. ‬معان‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التفاهة‭ ‬وانعكاساتها‭ ‬على‭ ‬مجمل‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬وكذلك‭ ‬المعاني‭ .. ‬فالبلاهة‭ ‬والنباهة‭ ‬معنيان‭ ‬متناقضان‭ ‬يصفان‭ ‬فكر‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬اتصف‭ ‬بهما‭ ‬بحيث‭ ‬يجعلهما‭ ‬غير‭ ‬متشابهين‭ ‬ولامتجانسين‭ ‬وإن‭ ‬جمعتهما‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬واحد‭ ‬فقد‭ ‬يحصل‭ ‬الإشتعال‭ ‬الذي‭ ‬يؤكد‭ ‬مبدأ‭ ‬أن‭ ‬القيم‭ ‬المعرفية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬في‭ ‬السابق‭ ‬كانت‭ ‬تصف‭ ‬بحدة‭ ‬وصدق‭ ‬وتصنف‭ ‬بدقة‭ ‬كل‭ ‬مامن‭ ‬شأنه‭ ‬توضيح‭ ‬الرؤى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬السلوك‭ ‬نحو‭ ‬الأمام‭ ‬والتقدم‭ ‬والرقي‭ ‬الى‭ ‬آخره‭ ..‬وأن‭ ‬سيطرة‭ ‬الفكر‭ ‬الصحيح‭ ‬واجبة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬وقوام‭ ‬الصحة‭ ‬الفكرية‭ ‬هو‭ ‬المنهجية‭ ‬الصحيحة‭ ‬لفكر‭ ‬منطلق‭ ‬من‭ ‬نباهة‭ ‬وعقل‭ ‬سليم‭ ‬واع‭ ‬وقادر‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬الأمور‭ ‬وتفكيكها‭ ‬وبالتالي‭ ‬نقدها‭ ‬وتوضيح‭ ‬مايجب‭ ‬ومايستحيل‭ .. ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬سيطر‭ ‬الفكر‭ ‬غير‭ ‬الصحيح‭ ‬إن‭ ‬جاز‭ ‬لنا‭ ‬التقييم‭ ‬وتمكن‭ ‬الأبله‭ ‬من‭ ‬ناصية‭ ‬الفعل‭ ‬والقوامة‭ ‬فإننا‭ ‬سنصل‭ ‬سريعا‭ ‬الى‭ ‬واقع‭ ‬عبثي‭ ‬لاتستطيع‭ ‬حتى‭ ‬تفسيره‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬العيش‭ ‬فيه‭ ‬وتشكيل‭ ‬بيئة‭ ‬صالحة‭ ‬للحياة‭ ‬والتطور‭ .. ‬ماجعلني‭ ‬أستدعي‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يراها‭ ‬البعض‭ ‬غير‭ ‬لازمة‭ ‬هو‭ ‬المطر‭ .. ‬الغيث‭ ‬النافع‭ .. ‬ولاشك‭ ‬أننا‭ ‬لانختلف‭ ‬عن‭ ‬معاني‭ ‬المطر‭ ‬المتعددة‭ ‬والمرتبطة‭ ‬دائما‭ ‬بالايجابية‭ ‬والفرح‭ ‬فهي‭ ‬أصل‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬المسرة‭ ‬فبها‭ ‬ينبت‭ ‬الزرع‭ ‬ويفرح‭ ‬المزارع‭ ‬والمربي‭ ‬والتاجر‭ ‬والمشتري‭ ‬ساكن‭ ‬الجبال‭ ‬والقرى‭ ‬والمدن‭ ‬تنظف‭ ‬الجو‭ ‬من‭ ‬الغبار‭ ‬والأتربة‭ ‬وكذلك‭ ‬الغازات‭ ‬السامة‭ ‬وعدد‭ ‬ولاحرج‭ ‬من‭ ‬إيجابيات‭ ‬نحبها‭ ‬ونفرح‭ ‬لهطولها‭ ‬وزولها‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬بأمر‭ ‬ربها‭ ‬وحتى‭ ‬العاشقين‭ ‬يرون‭ ‬في‭ ‬المطر‭ ‬مثاراً‭ ‬للعواطف‭ ‬الجياشة‭ ‬والخصب‭ ‬والولادة‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬المثقفين‭ ‬الذي‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يسارعون‭ ‬لفنجان‭ ‬من‭ ‬القهوة‭ ‬وصوت‭ ‬المطربة‭ ‬فيروز‭ ‬مه‭ ‬وراء‭ ‬شبابيك‭ ‬بللها‭ ‬المطر‭ ‬ويعيشون‭ ‬اللحظة‭ .. ‬بكل‭ ‬إيجابيتها‭ . ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬سليم‭ ‬وطبيعي‭ ‬لأنه‭ ‬حتى‭ ‬الان‭ ‬ليس‭ ‬ثمة‭ ‬من‭ ‬ضرر‭ ‬ولاضرار‭ . ‬فكل‭ ‬شيء‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬والأمور‭ ‬عال‭ ‬العال‭ ‬كما‭ ‬يقال‭ .. ‬لكننا‭ ‬نشهد‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬حين‭ ‬هطول‭ ( ‬الغيث‭ ‬النافع‭) ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬أسماء‭ ‬الامطار‭  ‬نشهد‭ ‬حالة‭ ‬كارثية‭ ‬تحدث‭ ‬في‭ ‬البلد‭ ‬كل‭ ‬شتاء‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬التوقيت‭ ‬دونما‭ ‬قدرة‭ ‬لي‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬المشهد‭ . . ‬تغرق‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ . ‬نرى‭ ‬سيارات‭ ‬تغمرها‭ ‬الامطار‭ ‬حتى‭ ‬أسقفها‭ ‬وبيوت‭ ‬داهمتها‭ ‬المياه‭ ‬حتى‭ ‬الدور‭ ‬الأول‭ ‬شوارع‭ ‬بإتساعاتها‭ ‬تغرق‭ ‬كاملة‭ ‬في‭ ‬مياه‭ ‬الأمطار‭ ‬صراخ‭ ‬الناس‭ ‬والعائلات‭ ‬والجميع‭ ‬يصرخ‭ ‬ويصرخ‭ ‬في‭ ‬جوقة‭ ‬جماعية‭ ‬تتكرر‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬وبنفس‭ ‬المشهد‭ ‬المسؤلون‭ ‬يؤكدون‭ ‬أنهم‭ ‬مسيطرون‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬ونحن‭ ‬نعلم‭ ‬جيدا‭ ‬أنهم‭ ‬مسيطرون‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ . ‬رسائل‭ ‬مراكز‭ ‬الطواري‭ ‬تتوالى‭ ‬على‭ ‬الهواتف‭ ‬تجعلك‭ ‬تشعر‭ ‬أنك‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬الأول‭ ‬بروباغاندا‭ ‬وفقاعات‭ ‬من‭ ‬الوهم‭ ‬والبلاد‭ ‬تغرق‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬التوقيت‭ .. ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬يقود‭ ‬البلد‭ ‬الدراما‭ ‬عبثية‭ ‬والمسؤلون‭ ‬كوميديون‭ ‬والواقع‭ ‬تراجيدي‭ … ‬هذه‭ ‬السوريالية‭ ‬تفكك‭ ‬المفاهيم‭ ‬وتقوض‭ ‬الحكمة‭ ‬وتجعل‭ ‬لميلاد‭ ‬الأفكار‭ ‬الجديدة‭ ‬مكانة‭ ‬مميزة‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬مميز‭ ‬لست‭ ‬أدري‭ ‬أهو‭ ‬مميز‭ ‬بالنباهة‭ ‬أم‭ ‬بالبلاهة‭ . ‬وإن‭ ‬كنت‭ ‬أراه‭ ‬عبثا‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى