رأي

تساؤلات

معمر الزايدي

تعرضتُ‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬السابقة‭ ‬لوعكة‭ ‬صحية‭ ‬حادة‭ ‬أدتْْ‭ ‬دخولي‭ ‬للمستشفى‭ ‬لتلقي‭ ‬العلاج‭ ‬واستوجبت‭ ‬مكوثي‭ ‬فيه‭ ‬قرابة‭ ‬الأسبوعين‭ ‬تمكنتُ‭ ‬فيهما‭ ‬من‭ ‬التعرَّف‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬الطبية،‭ ‬وماهية‭ ‬الطب‭ ‬في‭ ‬بلادنا‭ .‬

خلال‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬إقتربتُ‭ ‬من‭ ‬المشهد‭ ‬كمتلقٍ‭ ‬أي‭ ‬كـ‭)‬مريض‭( ‬يحتاج‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬بدٍ‭ ‬للعناية‭ ‬والرعاية‭ ‬الطبية،‭ ‬ولا‭ ‬أخفي‭ ‬عليكم‭ ‬فبحكم‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الصحة‭ ‬كنتُ‭ ‬أرى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الخدمات‭ ‬كباذلٍ‭ ‬أو‭ ‬كمعطٍ،‭ ‬وموظف‭ ‬يقدم‭ ‬الخدمة‭ ‬ويتذمر‭ ‬من‭ ‬تدني‭ ‬مستوى‭ ‬هذه‭ ‬الخدمة‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬مدى‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬التدني‭ ‬على‭ ‬المريض،‭ ‬وكيف‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬مصيره‭ ‬الصحي‭ ‬وبالتالي‭ ‬على‭ ‬فعاليته‭ ‬كمواطن‭ ‬منتج‭ ‬وفاعل‭ .‬

كلنا‭ ‬نعرف‭ ‬التعريف‭ ‬المحكم‭ ‬للطب‭ ‬وهو‭ )‬حفظ‭ ‬صحة‭ ‬موجودة،‭ ‬ورد‭ ‬صحة‭ ‬مفقودة‭(‬،‭ ‬وهما‭ ‬الطب‭ ‬بشقيه‭ ‬الوقائي،‭ ‬والعلاجي‭ .. ‬على‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬ليس‭ ‬كذلك‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬تداخل‭ ‬حالاته‭ ‬وصعوبة‭ ‬تنظيمه‭ ‬لنتحصل‭ ‬على‭ ‬خطط‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬وقايتنا‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭.‬

نحن‭ ‬نعيش‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬فوضوي‭ ‬غير‭ ‬مناسب‭ ‬لإنتاج‭ ‬بيئة‭ ‬مناسبة‭ ‬للسكون‭ ‬وترتيب‭ ‬الحياة‭ . ‬لأننا‭ ‬نعيش‭ ‬التداعيات‭ . ‬

ولذلك‭ ‬فكل‭ ‬ما‭ ‬يمكنَّنا‭ ‬فعلاً‭ ‬في‭ ‬موضوعة‭ ‬الوقاية‭ ‬هو‭ ‬التحرز‭ ‬الشخصي،‭ ‬والحذر‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬مواقع‭ ‬العدوى‭ ‬وهذا‭ ‬طيب‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬الشخصي،‭  ‬ويكرس‭ ‬لغياب‭ ‬الدولة‭ ‬متمثلة‭ ‬في‭ ‬جيش‭ ‬غير‭ ‬مفيد،‭ ‬وغير‭ ‬فعالٍ‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أناني‭ ‬ونرجسي‭ ‬من‭ ‬الدكاترة‭ ‬مع‭ ‬حفظ‭ ‬الاستثناء،‭ ‬واحترام‭ ‬الشريحة‭ ‬الصادقة‭ ‬والفاعلة‭ ‬منهم‭ .‬

نحن‭ ‬لا‭ ‬نحتوي‭ ‬على‭ ‬الطب‭ ‬الوقائي‭ ‬وبالتالي‭ ‬نفتقر‭ ‬لأهم‭ ‬جانب‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬الطب‭ ‬وهو‭ ‬حفظ‭ ‬الصحة‭ ‬الموجودة‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يحملنا‭ ‬فوراً‭ ‬للمهمة‭ ‬الثانية‭ ‬وهي‭ ‬رد‭ ‬الصحة‭ ‬المفقودة‭ . ‬ولن‭ ‬أكون‭ ‬ظالماً‭ ‬إذا‭ ‬قلتُ‭ ‬أننا‭ ‬لا‭ ‬نتوفر‭ ‬إطلاقًا‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أننا‭ ‬نمتلك‭ ‬المستشفيات‭ ‬والعيادات‭ ‬الخاصة‭ ‬والعامة‭ ‬ومراكز‭ ‬التشخيص‭ ‬والتحاليل‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يستوجبه‭ ‬الطب‭ ‬الغربي‭ ‬الحديث‭. ‬بالإضافة‭ ‬لجيوش‭ ‬من‭ ‬الممرضين‭ ‬والمهن‭ ‬الطيية‭ ‬المساعدة‭ ‬والأطباء‭ . ‬

ناهيك‭ ‬عن‭ ‬المعاهد‭ ‬والكليات‭ ‬والجامعات‭ .‬

ولكن‭ ‬بسؤال‭ ‬واحد‭ ‬هل‭ ‬صادفنا‭ ‬مريضًا‭ ‬تم‭ ‬شفاؤه‭ ‬بالكامل‭ ‬؟‭!‬

هل‭ ‬صادفتم‭ ‬مريضًا‭ ‬ولو‭ ‬نفسيًا‭ ‬تخلص‭ ‬من‭ ‬مأزقه‭ ‬النفسي‭ ‬واستعاد‭ ‬حياته‭ ‬الطبيعية‭ ‬؟‭!‬

هل‭ ‬مرضى‭ ‬القلب‭ ‬والضغط‭ ‬والكلى‭ ‬والكبد‭ ‬والباطنة‭ ‬بصفة‭ ‬عامة‭ ‬شفوا‭ ‬وتخلصوا‭ ‬من‭ ‬أمراضهم‭ ‬وتركوا‭ ‬أدويتهم‭ ‬التي‭ ‬تزداد‭ ‬بازدياد‭ ‬المضاعفات‭ ‬برغم‭ ‬إلتزامهم‭ ‬الحرفي‭ ‬بالأدوية‭ ‬والتعليمات‭ ‬؟‭!‬

هل‭ .. ‬وهل‭ .. ‬وهل‭ ‬؟؟‭!! ‬

الاجابة‭ : ‬لا‭ !!‬

فلماذا‭ ‬لا‭ ‬نتوقف‭ ‬قليلاً‭ ‬ونتساءل‭ ‬هل‭ ‬نحن‭ ‬نعالج‭ ‬المرضى‭ ‬فعلاً،‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬ننتج‭ ‬مرضى‭ ‬يوميًا‭ ‬وبأعداد‭ ‬هائلة؟‭ !‬

الطبيب‭ ‬لا‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬المريض‭ ‬بل‭ ‬ينظر‭ ‬إليه‭ ‬كرقم‭ ‬مسجل‭ ‬في‭ ‬نتيجة‭ ‬التحاليل‭ ‬وورقة‭ ‬الكشف‭ ‬

لا‭ ‬يهتم‭ ‬بمعرفة‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬ضروريًا‭ ‬معرفة‭ ‬السبب‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬لارتفاع‭ ‬الضغط،‭ ‬أو‭ ‬الشيزوفرينيا،‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬المناعة‭ ‬أو‭ ‬السكري‭ ‬وغيره‭ .‬

هو‭ ‬يشتغل‭ ‬معنا‭ ‬بعقلية‭ )‬بره‭ ‬يالول‭ ‬جاك‭ ‬الثاني‭( ‬وكركب‭ ‬وفوت‭ .‬

واصرف‭ ‬له‭ ‬كيمياء‭ ‬تحز‭ ‬له‭ ‬مشكلته‭ ‬توا‭ ‬وبعدين‭ ‬ساهل‭ .‬

لدينا‭ ‬مدمنون‭ ‬قانونيون‭ ‬وشرعيون‭ ‬على‭ ‬المخدرات‭ ‬بـ‭)‬الوصفة‭ ‬الطبية‭(.‬

لدينا‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬شعب‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬أمراض‭ ‬شائعة‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬يحمل‭ ‬ثقلها‭ ‬فوق‭ ‬كاهله‭ ‬بالاضافة‭ ‬لمعاناته‭ ‬الأخرى‭ ‬مع‭ ‬صنوف‭ ‬احتياجاته‭ .‬

حتى‭ ‬التشخيص‭ ‬الطبي‭ (‬بح‭)!!‬

ليس‭ ‬لدينا‭ ‬طب‭ .‬

لالحفظ‭ ‬صحة‭ ‬موجودة‭ ‬ولا‭ ‬لرد‭ ‬صحة‭ ‬مفقودة‭ .‬

لدينا‭ ‬فقط‭ ‬دكاترة‭ ‬كبار‭ ‬تحتاج‭ ‬لأشهر‭ ‬ومعارف‭ ‬وواسطات‭ ‬حتى‭ ‬تتحصل‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬أحدهم‭ ‬ليصف‭ ‬لك‭ ‬وصفة‭ ‬طبية‭ ‬ستحمل‭ ‬وزرها‭ ‬على‭ ‬كاهلك‭ ‬مدى‭ ‬الحياة‭ ‬دونما‭ ‬تحسن‭ ‬وشفاء‭ ‬حقيقي‭ ‬لما‭ ‬تعانيه‭ .‬

وتلوموا‭ ‬المواطن‭ ‬على‭ ‬القهوة‭ ‬والشيح‭ ‬والسحر‭ ‬والخربش‭ ‬الزايد‭ !!‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى