
في خطوة مثيرة للجدل، قرر المصرف المركزي الليبي فرض ضريبة جديدة على الدولار، مما أثار ردود فعل متباينة في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية. هذه السياسة، التي تهدف إلى زيادة الإيرادات الحكومية، جاءت في وقت يعاني فيه المواطنون من ارتفاع مستمر في الأسعار وصعوبات اقتصادية متزايدة. في هذا التحقيق الاستقصائي، نستعرض الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لهذا القرار، ونتناول ردود فعل المواطنين والتجار، بالإضافة إلى تحليل الأسباب وراء اتخاذ المركزي هذه الخطوة وما قد تؤول إليه الأمور في المستقبل. وهل ستساهم زيادة الضريبة في تحسين الوضع المالي للدولة، أم ستزيد من معاناة الشعب الليبي في ظل الظروف الراهنة؟ وكيف يتم تحسين سعر صرف الدينار الليبي وفق السياسات النقدية الفعالة؟ ومن خلال مقابلات مع خبراء اقتصاديين، وملاحظات من المواطنين، و تحليل بيانات السوق، نسعى لفهم الأبعاد الحقيقية وراء هذه السياسة ونتائجها على الحياة اليومية للمواطن الليبي.
إيجابي للحكومة وعلى المدى الطويل «راح فيها المواطن»
صدر القرار ولم يفكر في التبعات أحد!!
المهندس طارق خير الله مدير مكتب التعاون الدولي بهيئة المشروعات العامة سابقا ومستشار الأمم المتحدة لصالح وزارة التخطيط سابقا قال لتبسيط المفاهيم الأساسية يمكن أن نوضح أن سعر صرف الدينار الليبي مقابل الدولار هو قيمة الدينار الليبي مقارنة بالدولار الأمريكي. عندما نقول «خفض الدينار»، يعني أن قيمة الدينار أصبحت أقل مقابل الدولار «أي تحتاج عدد أكبر من الدنانير لشراء دولار واحد». بينما «رفع الدينار»، يعني أن قيمة الدينار أصبحت أعلى مقابل الدولار «أي تحتاج عدد أقل من الدنانير لشراء دولار واحد». وأوضح أن فرض ضريبة على سعر بيع الدولار «رسم الإنفاق على النقد الأجنبي» هي نسبة مئوية تضاف إلى سعر الدولار عند بيعه للأفراد أو الشركات لأغراض مختلفة «مثل الاستيراد أو السفر». وأكد أن فرض هذه الضريبة يزيد من تكلفة الحصول على الدولار، و تقليصها و يقلل من هذه التكلفة. وأشار إلى وجود تخبط مالي و لتحليل هذا التخبط الحاصل وهو التخبط بين خفض و رفع الدينار و فرض و تقليص الضريبة على الدولار وهذا يعكس حالة من عدم الاستقرار في السياسة النقدية و الاقتصادية، و ينبع غالبا من عدة عوامل متداخلة أهمها محاولة تحقيق أهداف متضاربة، فقد يحاول المصرف المركزي تحقيق عدة أهداف في نفس الوقت منها السيطرة على التضخم أي خفض قيمة الدينار غالبا ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة، و بالتالي زيادة التضخم. في المقابل، رفع قيمة الدينار يمكن أن يساعد في خفض التضخم. فرض ضريبة على الدولار يزيد من تكلفة الاستيراد و يساهم في التضخم، بينما تقليصها يمكن أن يخفف من الضغوط التضخمية على السلع المستوردة.بمعنى أن ما يقوم به المصرف المركزي حالياً من خفض قيمة الدينار و فرض ضريبة على بيعه هو المسبب الكبير للتضخم و الزيادة الجنونية للأسعار و بالتالي طحن المواطن البسيط – خفض قيمة الدينار يجعل من إيرادات النفط الليبي «و هي بالدولار» عند تحويلها إلى الدينار أزيد عما سبق و هي ما تحتاجه الدولة لدفع التزاماتها من مرتبات و مصروفات- التحكم في الطلب على العملة الأجنبية أي فرض ضريبة على الدولار يقلل من الطلب عليه لأنه يزيد من تكلفته، مما قد يساعد في الحفاظ على احتياطي العملة الأجنبية. تقليص الضريبة يزيد من القدرة على الحصول على الدولار و بالتالي قد يزيد الطلب عليه- محاولة لمعالجة التشوهات في السوق السوداء النشطة للعملة، لتقليل الفجوة بين السعر الرسمي و سعر السوق الموازي- الضغوط السياسية و الاقتصادية فالقرارات الاقتصادية غالبا ما تتأثر بالضغوط السياسية المختلفة و المصالح المتضاربة، و قد تكون هناك جهات تدفع نحو خفض الدينار لدعم قطاعات معينة، بينما تدفع جهات أخرى نحو رفعه للسيطرة على الأسعار .وقال “ خير الله “توجد تأثيرات على الاقتصاد الناجمة عن هذا التخبط في سياسات المصرف من رفع و خفض قيمة الدينار ، أو من فرض ضريبة من عدمه وهي«تأثير إيجابي على المدى القصير للحكومة حيث يساعدها في تغطية بعض النفقات المتزايدة أو العجز في الميزانية بالدينار الليبي، كما أن فرض الضريبة يغطي عجزها في توفير العملة الصعبة . بينما التأثير السلبي على المدى الطويل على المواطنين حيث يؤدي خفض قيمة الدينار إلى ارتفاع تكلفة السلع المستوردة» بما في ذلك المواد الغذائية و الأدوية و السلع المصنعة، مما يزيد من التضخم ويقلل من القوة الشرائية للمواطنين. المقصد هنا أن الإيجابية فقط لصالح الحكومة لتغطية الفشل في إدارة الدولة و الفساد المستشري. والأثار السلبية عائدة فقط على المواطن الذي ضاعت و تضيع مقدراته و ثرواته.
وفي ذات السياق قال الدكتور عطيه الفيتورى متخصص في التمويل الدولي: اطلعت اليوم مثل غيري من المتابعين للشأن الاقتصادي على بيان المصرف المركزي وتخفيض قيمة الدينار بمعدل 13.3% مما أكد الشائعة التي كانت تحوم حول التخفيض خلال الأيام السابقة . و للأسف الشديد أن يلجأ المصرف المركزي للتخفيض مرة أخرى معتبرا أن التخفيض هو الحل لمشكلة عجز الميزانية العامة أو الميزانيات العامة ، وكذلك العجز في توفر العملة الأجنبية لمقابلة الطلب المتزايد عليها . وأوضح ” الفيتوري” قائلاً قرار فرض الضريبة هذا ليس الحل الصحيح كما يبدو لغير المتخصصين وهناك شواهد على ذلك منها : تم تخفيض قيمة الدينار في بداية 2021 م بمعدل 70% مقابل الدولار وقيل حينها بأن ذلك سيخفض من الطلب على الدولار ويؤدي إلى توازن الميزانية ، ولكن لم يحصل ذلك . وفي عام 2023م تم فرض رسم على بيع الدولار بمعدل 27% وقيل نفس الشيء بأنه سوف يخفض من الطلب على الدولار ويزيد موارد الحكومة ولم يحصل شيء . ثم تم فرض رسم على بيع الدولار عام 2024 م بمعدل 15% ولم يحصل شيء .والآن يتم التخفيض مرة أخرى بمعدل 13.3% .وتسأل ماذا ينتظر المصرف المركزي من ذلك ؟ هل سيخفض من الطلب على الدولار ، أو هل سيؤدي ذلك إلى توازن الميزانية العامة ؟ طبعا لا . إذا لماذا هذا التخفيض الذي سيؤدي إلى إغراق الدينار أكثر وأكثر وفقد قيمته وخلق موجة من التضخم والتسبب في مطالبة العاملين برفع رواتبهم ….. الخ .وأكد أن البيان الذي أصدره المصرف المركز بيات باهت لا لون له ، يقوم بسرد أحداث فقط دون اتخاذ إجراءات حاسمة مكفولة له بموجب قانون المصارف .فالميزانية تصدر بقانون من السلطة التشريعية ويوضح القانون مصادر الإيرادات وقيمتها، وكذلك أوجه الإنفاق في أبواب وبنود محددة، وإذا كان هناك عجز في الميزانية يحدد القانون الكيفية التي سيغطى بها هذا العجز. لكن الآن كل هذه الإجراءات القانونية غير معمول بها في مخالفة للقانون المالي للدولة الليبية .
وفي ذات السياق أوضح الأستاذ محمد مفتاح البشير ناشط قانوني أن توقعات أسعار السلع في المستقبل القريب تعتمد على عدة عوامل منها « استقرار سعر الدولار إذا استمر ارتفاع سعر الدولار أو فرض ضرائب إضافية، فمن المتوقع أن تستمر الأسعار في الارتفاع» . والعرض والطلب إذا استمرت الطلبات على السلع الأساسية دون تغيير كبير، فقد نتوقع مزيدًا من الزيادات في الأسعار. وأكد أن التدخلات الحكومية مثل دعم السلع أو تنظيم الأسعار قد تساعد في تقليل الارتفاع. أما الوضع الاقتصادي العام في حال تحسنه وعودة الاستثمارات، قد تتراجع الأسعار تدريجياً ، وأضاف إذا حدثت التغيرات في أسعار المواد الخام عالميًا ستؤثر على الأسعار المحلية. وقال من المحتمل أن يستمر ارتفاع أسعار هذه السلع لفترة طويلة، وذلك بسبب عدة عوامل ( استمرار ارتفاع سعر الدولار مؤكدا أنه إذا استمر الدولار في الارتفاع أو استمر قرار فرض الضريبة على الدولار ستستمر الأسعار في الزيادة – الضغوط التضخمية في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، قد تواجه الأسواق ضغوطًا تضخمية تؤدي إلى زيادات مستمرة في الأسعار- وإذا حدث تذبذب في الإمدادات العالمية للسلع الأساسية يمكن أن يؤثر على الأسعار محليًا. وحذر ” البشير ” إذا لم تتخذ الحكومة إجراءات فعالة للتخفيف من آثار هذه الزيادات، فمن المحتمل أن تستمر الأسعار في الارتفاع. وفي سياق أخر قال يجب أن تتخذ الحكومة عددًا من الإجراءات للتخفيف من آثار ارتفاع الأسعار وتحسين الوضع الاقتصادي للمواطنين. منها( فرض أسعار محددة لبعض السلع الأساسية لمنع ارتفاعها بشكل مبالغ فيه- تقديم دعم مباشر للسلع الغذائية والوقود لمساعدة الأسر ذات الدخل المحدود خاصة التضامن أو الضمان- تشجيع الإنتاج المحلي للسلع الأساسية للحد من الاعتماد على الاستيراد- تقليل تكاليف النقل والتوزيع لتخفيف الأعباء على المستهلكين- تعزيز الرقابة على الأسواق لمنع الاحتكار والتلاعب بالأسعار- إعادة تقييم الضرائب المفروضة على الواردات لتخفيف الأعباء على المستهلكين. دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتعزيز الإنتاج المحلي وتحسين العرض. وتشجيع مؤسسات ومنظمات وجمعيات المجامع المدني. وقال توجد بدائل محددة الممكنة التنفيذ للتخفيف من اضطراب الأوضاع الاقتصادية والمالية الراهنة وهو اقتراح سهل ومن الممكن تطبيقها فورًا، وتسارع في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمالية في ليبيا، وهي تقليص عدد وحجم السفارات لأن تقليص عدد وحجم السفارات بنسبة لا تقل عن 70%. وكذلك تخفيض مرتبات أعضاء مجلس النواب والدولة والرئاسي والحكومتين إلى الدرجة الوظيفية مع إلغاء البدلات والامتيازات و تقليل عدد المستشارين والمتسلقين بنسبة 80%-و وقف استيراد السيارات للجهات الحكومية والوزارات- وتقليص الإنفاق على الطائرات الخاصة والسفريات والبوفيهات وإيجار الفنادق باهضه التكاليف- ومنع إقامة الحفلات في كل أنحاء البلاد من أي نوع في المناسبات الوطنية وإلغاء التكفل بمصاريف الحج على حساب الدولة و حماية العملة الليبية من عمليات التزوير -و ضرورة تنفيذ فرض رسوم وضرائب على العمالة الأجنبية- وإعادة النظر في شركات ومؤسسات وصناديق الاستثمار التي تهيمن على عشرات المليارات بدون أي مردود أو فائدة- و وضع حد لتضخم المرتبات الحكومية .
وختم قائلاً ساهم القرار في تفاقم أزمة العملة مما أثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين في ليبيا. وأحدث فجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء ونتج عنه فقدان الثقة في السياسات النقدية المتبعة، بالتالي يمكن للمواطنين اتخاذ عدة خطوات لحماية مدخراتهم منها تنويع المدخرات أي الاحتفاظ بعملات متعددة ليس الدولار فقط بل اليورو أيضاً يمكن أن يساعد في تقليل المخاطر- واستثمار في الأصول الثابتة كالعقارات التي تعتبر ملاذًا آمنا حيث يحتفظ بالعقار بقيمته على المدى الطويل و كذلك الاستثمار في الذهب أو الفضة يمكن أن يكون خيارًا جيدًا للحماية من تقلبات العملة. وعل المواطنين أن يبتعدوا عن الاستثمارات الغير مضمونة التي قد تؤدي إلى خسائر ولابد من استشارة مستشار مالي يمكن أن يساعد في اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة- مع تجنب الاحتفاظ بكميات كبيرة من النقد في المنزل، واستخدام البنوك لزيادة الأمان- وضرورة مراقبة السوق و الاطلاع الدائم على الأخبار الاقتصادية والسياسية يمكن أن يساعد في اتخاذ قرارات مستنيرة. وباتباع هذه الخطوات، يمكن للمواطنين تعزيز حماية مدخراتهم في ظل الظروف الاقتصادية المتقلبة.
قال المهندس هشام بشيه ناشط في المجتمع المدني أن الأسواق المحلية تشهد في الآونة الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في أسعار السلع والخدمات، مما أثار قلق المواطنين والمراقبين الاقتصاديين على حد سواء. و يعود هذا الارتفاع بشكل رئيسي إلى القرار الأخير الذي اتخذه المصرف المركزي بفرض ضريبة على الدولار، وهو ما أدى إلى زيادة تكاليف الاستيراد وتضخم الأسعار في الأسواق.
الأستاذ سليمان الشحومي الخبير الاقتصادي أوضح أن زيادة الضريبة المفروضة على سعر الصرف أو تعديل سعر الصرف بالكامل كلها وصفة لاستمرار حالة التدهور والضغط علي المصرف المركزي لتمويل نفقات الحكومتين دون وجود إطار ينظم الإنفاق الحكومي بمستهدفات واضحة . وأكد “الشحومي” ليس بإمكان المصرف المركزي الدفاع عن قيمة الدينار الليبي طالما أننا ندور في نفس المكان ونستخدم نفس الأساليب عند كل مختنق. وقال نحن في حاجة ماسة إلى مشروع اقتصادي مالي ونقدي وتجاري واستثماري متناغم بحكومة واحدة وليس تكتيكات أو معالجات مسكنة فاشلة لمرض يبدو أنه أصبح مزمن.
الأستاذ وحيد الجبو خبير اقتصادي قال من أهم أسباب تعديل سعر الصرف هو العجز في الميزانية العامة للدولة و تزايد الاتفاق الحكومي والإنفاق الموازي واستمرار الانقسام السياسي والاقتصادي والحكومي وضعف السياسة النقدية والمالية وعدم وجود مصادر أخري للدخل عدا النفط وتأخر تنويع مصادر الدخل وسوء السياسة النقدية والمالية وعدم اتخاذ حلول جذرية لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني والتوجه إلي الإنتاج واستمرار الفساد المالي والإداري في البلاد. وأوضح ” الجبو ” أن من أثار القرار فهي نفس الأثار السلبية علي مستوي المعيشة التي حدثت في فرض الرسوم علي بيع العملة الأجنبية في المرة الأولي والثانية من زيادة نسبة الفقر ومزيد من انخفاض القيمة النقدية للدينار الليبي وارتفاع أسعار السلع والخدمات والتضخم .وأشار إلى أبرز الحلول العاجلة والتي منها ( توحيد الميزانية العامة للدولة وإلغاء تقسيمها علي حكومتين وترشيد الإنفاق الحكومي الموحد ومعالجة الدين العام وإعادة توحيد المؤسسات الاقتصادية والمالية والسياسية في البلاد ومعالجة الخلل في الاقتصاد الوطني وتنويع مصادر الدخل و ضبط عرض النقود في السوق والعمل علي إعادة الثقة في المصارف الليبية بتحسين الخدمات ووقف طبع مزيدا من العملة الورقية و تكاثف الجهود من المصرف المركزي والسلطات التشريعية والتنفيذية لوضع خطة لترشيد الإنفاق الحكومي ومراعاة سلامة الاقتصاد الليبي بسياسة نقدية ناجعة باعتبار التخفيض المستمر للدينار الليبي لن يحل المشكلة وهو بمثابة انتحار اقتصادي.