لعل من أهم أسباب تدني مستوى التعليم في بلدي ليبيا الحبيبة هو تكدس الطلبة في الفصول الذي يحوَّل العملية التعليمية إلى تلقين فقط دون أن يكون هناك مجال ٌ للتفاعل بين الطالب، والمعلم، ودون أن يكلف الطالب بواجبات منزلية فلا وقت للمعلم كي يصحح أربعين إجابة؛ ناهيك عن معامل العلوم، والحاسوب؛ حيث هي مكدسة أيضًا، ويشترك أكثر من طالب في جهاز من أجهزة المعامل، كالمجهر مثلاً، وكذلك أدوات المعمل الخاصة به وعندما لا يحدث ذلك كما هو الحال فعلاً فإن الطالب الذي يتخرج من المرحلة الثانوية يكون ضعيفًا في النواحي العملية والتطبيقية الأمر الذي يعاني منه في المرحلة الجامعية ومع الأسف يتخرج الطالب دون أي تحصيل نظري لأن ما يحفظ سرعان ما ينسى ودون أي خبرة عملية لعدم تدريبه الكامل في المعامل، زيادة اكتظاظ الطلاب في الفصول في نظري يؤثر سلبًا على قدرة الطالب على التعلَّم والفهم الجيد مما يؤدي إلى بذل المعلم مجهود مضنٍ ليس لتوصيل المعلومة وحسب فلربما أصبح توصيل المعلومة اليوم شيئًا نادر الحدوث لكن للسيطرة على الطلاب، ومنع خلافاتهم الكثيرة وفض المنازعات هذا غير دور المعلم الأساسي في مقابلة أولياء الأمور الذين لا هم لهم إلا الاطمئنان على جلوس أبنائهم في المقدمة في الفصل دون النظر لمن يستحق ذلك من ضعاف النظر، أو أصحاب الطول القصير وغيره بالإضافة إلى دور اهتمام المعلم بمهارات الطلاب في القراءة والكتابة حيث أصبحت المدارس تقبل طلابًا ليس لديهم أدنى فكرة عن القراءة أو الكتابة، وأن ذلك سيسبب معاناة في العملية التعليمية بأكملها ومن هنا تبدأ مشكلة أخرى وهي كره الطلاب للمدرسة التي تمثل لهم كابوسًا يودون الهروب منه فتبدأ بمشكلة التسرب «الغياب»؛ ثم تستتبعه ظاهرة أخرى وهي انتشار الدروس الخصوصية وهي تستنزف الأهل ماديًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في مستقبل أبنائهم.
زيادة عدد الطلاب وانحدار مستواهم التعليمي مرجعه إلى ضعف إمكانات المدرسة بحيث إنها تستوعب عددًا أكثر من عدد الفصول الموجودة وعدم وجود إمكانات للتعليم تكفي كل هذا العدد.
ونستطيع القول إنّ مرحلة التعليم الأساسي في التعليم لها أهمية كبرى حيث إنها اللبنة الأولى في توثيق العلم والمعرفة في عقول النشء بحيث تسير خلفها كل المراحل التعليمية التالية؛ فالتلميذ الذي يكون ضعيف المستوى ولديه مشكلات في الاستيعاب في مرحلة التعليم الأساسي يصعب أن يتخطى تلك المشكلة في المراحل التعليمية اللاحقة.
وختامًا .. هل نستطيع إيجاد حل لمثل هذه المشكلات؟، هل المشكلة في ضعف الإمكانات أم أن للمشكلة أوجه أخرى لا نعلمها ؟ لأنه لا توجد دولة في العالم متحضرة يزيد فيها عدد تلاميذ الفصل عن ثلاثين تلميذا فهل عجزت ليبيا عن أن تبني مدارس معدة لاستيعاب أبنائها ؟ حتى لو تطلب الأمر أن نبني في كل مجموعة صغيرة من الشوارع مدرسة للتعليم الأساسي فالكثافة السكانية التي توفرها هذه الشوارع تكفي لأن تجعل معدل كثافة الفصل ثلاثين تلميذًا، وهي أعلى معدل في دول العالم المتحضر.
ولا نقول : متى سينصلح الحالُ ؟