جائزة المقهور للقصة القصيرة وحوار مع عزة كامل المقهور لكي تبقى القصة في الإبداع الليبي
سميرة البوزيدي
تم خلال الفترة الماضية الإعلان عن جائزة )كامل المقهور( القاص الراحل الذي ترك إرثًا قصصيًا مميزًا تأسستْ وترسختْ به القصة القصيرة في ليبيا كونها جنسًا إبداعيًا حافظ على مكانته لفترة طويلة، ولكي يظل هذا النَّوع الإبداعي قائمًا في أزمنة توصف بأنها شعرية، أو روائية، جاءت هذه المبادرة المهمة لترسيخ وتعميق هذا الفرع في الكتابة الإبداعية من خلال تكوين جائزة باسم الراحل )كامل المقهور(، وتكونت على إثر هذا لجنة تقييم لاستقبال المساهمات القصصية التي تم فرزها بعناية لاختيار القائمة القصيرة، التي حوتْ أسماءَ: الكاتب والشاعر مفتاح العلواني، والكاتبة الروائية كوثر الجهمي، وريم البركي، وأحمد بن عمران، وإسماعيل القايدي.
وعلى هامش هذا الحدث الثقافي المهم الذي في جانبه الإبداعي يشكل حافزًا للمواهب ولكتَّاب القصة القصيرة، كان لنا هذا الحوار مع السيدة د. عزة المقهور صاحبة مشروع وفكرة الجائزة.
كيف جاءتْ فكرة جائزة «كامل المقهور» للقصة القصيرة؟
راودتني الفكرة بعد وفاة والدي، وبدأتُ فعلاً في الإعداد لها في العام 2006 حيث أعددتُ نظامها الأساسي، وعقدتُ اجتماعًا تمهيدًا لها حضر فيه أ. يوسف الشريف رحمه الله، وأخي مروان، لكنَّني فوجئتُ بإعلان في الصحافة بصدور قرار من أمانة الثقافة بلدية طرابلس عن تأسيس جائزة للقصة القصيرة باسم والدي. لذا تراجعتُ، لكن لم تتحقَّق الجائزة المعلن عنها، وظل الحُلم معلقًا.
طَرَقَ الحُلم بابي مرة أخرى منذ سنتين، وشاركتُ في شهر يونيو الماضي الصديق الأديب «غازي القبلاوي» الفكرة لتحقيقها، حيث وضعنا خطة، وقسمنا العمل، وبدأنا.
أعدَّدنا المستندات اللازمة للجائزة وهي: تعريف بالجائزة، القواعد الناظمة للجائزة، النظام الأساسي، والميزانية التقديرية؛ وتبادلنا الآراء بالخصوص؛ قامتْ ابنتي «دانية» بتصميم موقع الجائزة، ووضع المعلومات اللازمة، وأعدتْ بريدًا إلكترونيًا وصفحة )على الفيس بوك(.
إذ أنَّ عملية التقديم والمشاركة في الجائزة ستكون كلها إلكترونيًا.
كنتُ متوجسة من ذلك وخشيتُ من العزوف بسبب متطلبات التكنولوجيا، لكن القرار كان أنّ الأمرَ سيكون شفافًا، وواضحًا وذي مصداقية باستخدام التكنولوجيا، وكان هذا الهدف .. كما استعنتُ بالمصمم «وائل الرعوبي» في إعداد تصميم للجائزة، واعتمدتُ في ذلك على رسم تخطيطي بورتريه للفنان المعروف «محمد حجي»، وهي لوحة رسمها «حجي»، واهداها للوالد رحمه الله، وكانت تزين جدران مكتبه .. كان العملُ جماعيًا ومتناغمًا، وفيه براح للنقاش وتبادل الآراء. لكنه كان بالنسبة ليَّ أيضًا مرهقًا لتزامنه مع الإعداد لمكتبة «كامل حسن المقهور»، لكن الحمدلله حَلَّقَ المشروع الثقافي بجناحيه الجائزة، والمكتبة.
ما مدى التفاعل بالمشاركة في المسابقة الأولى؟
سأتوقف عند كلمة مشاركة وسأتغاضى عن كلمة مسابقة .. في الإبداع ليس هناك سباقٌ، فكل إبداع، هو انجاز، وحافز للمزيد، والإبداع يخضع للرأي والنقد والدراسة والتوجيه إن لزم الأمر، بل أن الكاتب ذاته يتفاعل مع إبداع غيره وقد يتولدُ عن ذلك إبداعٌ جديدٌ .. الإبداع مثل نافورة المياه التي تتدفق بالخير بكرم وعطاء في أشكال متعدَّدة منها القصة القصيرة. وميزة القصة القصيرة هو هذا الاختزال المَّمتع، الذي يمنح القاريء الخيال، والصورة، والحوار، والبداية، والنهاية وما بينها من وقائع؛ فتدفع به إلى شحذ خياله، والسفر به ويضغط على أحاسيسه كما تضغط الأصابع على ألواح البيانو، أو أوتار العود فينتشي، ويحزن، ويفرح، وتعمق من أفكاره وتجعله كما كل الفنون أكثر إنسانيةً وتفهمًا ومرونة وايجابية، وأقل تطرفًا وتعصبًا وأنانية.
لذا القول بالمسابقة هو تقليلُ من أهمية الفنون والآداب بشكل عام، وأتمنى ألا توضع الجائزة في هذا الإطار أبدًا.
كل من شارك في الجائزة فائزٌ لأنه مَنَحَ إبداعًا، وأعطى دافعًا للمشاركة من جديد، كما لا بد أنه تعلم شيئًا ما من هذه التجربة.
وقبل أن انتقل للسؤال الذي يليه، كان التفاعل مع الجائزة رائعًا ينم عن اهتمام، وحرص، وشوق أيضًا لمثل هذه الفعاليات المحلية، كما وأنه كان إلكترونيًا مما سهَّل عملية التواصل لذا كانت المشاركات من كل أنحاء ليبيا، وما يلفت الانتباه الاهتمام بتوفير المطلوب من نماذج، ومستندات، ومعلومات واحترام شروط الجائزة وقواعدها، والأجمل أن المدير التنفيذي للجائزة أعلم كل من شارك بوصول مشاركته فورًا، واستجاب لعديد الأسئلة، وكان يرد عليها بشكل شخصي.
مع الإعلان عن القائمة القصيرة، ما المعايير التي تم الاستناد إليها في اختيار أسماء المشاركين؟
كما بينتُ في ردي السابق، كان الاهتمام منذ البداية منصبًا على مسألتين:
هيكلية الجائزة، وتوزيع الاختصاصات بما يحقَّق هدف الشفافية والمصداقية، ووضع شروط وقواعد ناظمة للجائزة والإعلان عنها.
الهيكلية تتكون من : رئيس الجائزة، مدير تنفيذي، ولجنة تحكيم.
وهذا وضع فصلاً ما بين الهيئات الثلاث دون تداخل، ووضع حماية للجنة التحكيم التي لم يتعرف عليها أحدٌ لحين نشر أسمائهم عند الإعلان عن القائمة القصيرة، كما أن اللجنة في الوقت ذاته لم تعرف لمن ستنسب القصة، حيث تم حجب أسماء المشاركين عن لجنة التحكيم، ووضعت لها أرقام لم تعلم لجنة التحكيم بأسماء القائمة القصيرة إلا بعد نشرها كغيرها من النَّاس.
نشرت معلومات وشروط وقواعد الجائزة على صفحة الجائزة الرسمية وبها المعلومات اللازمة كما وأنه صدرت عن الجائزة بيانات صحفية عن مسارها منذ افتتاح باب المشاركة ثم إغلاقه، واحالة القصص إلى لجنة التحكيم، ثم بيان عن اجتماع لجنة التحكيم، ثم الإعلان عن توصل لجنة التحكيم إلى قراراتها، ثم تم نشر القائمة القصيرة للجائزة، ونشر القصص، وأخيرًا نشر التقرير الفني للجنة التحكيم الذي يشتمل على تقرير بمراحل التقييم والتقرير الفني، وكلها منشورة على موقع الجائزة الرسمي .. وفي انتظار الخطوة الأخيرة بالإعلان عن الفائز بالجائزة بداية العام المقبل إن شاء الله.
وبالتالي لا يمكن اجتزاء هذه الإجراءات التي استغرقتْ حوالي العام من التحضيرات، والإعداد ثم فتح باب المشاركة، والإعلان عنه في شهر يوليو 2024، ثم استقبال المشاركات، والتعامل مع المشاركين، والاتصال بلجنة التحكيم وإعداد المشاركات لهم، وعملهم الدؤوب تجاه كل قصة، وهو المفصل في تقرير لجنة التحكيم الفني.
وبالتالي اجتزاء ذلك في المعايير، أو النتائج ينبئ عن تبسيط لهذا العمل الدقيق، والمهم والذي يجب أن ينظر إليه متكاملاً منذ أن نشأ كفكرة، وليدة وحتى إنجازه الذي لم يتم بعد بالإعلان عن الفائز بالجائزة في الأول من يناير المقبل بإذن الله والذي يوافق تاريخ ميلاد والدي رحمه الله.
الكثير ممن علق على القيمة المالية للفائزين، هل ترون أنها مجزية وأنها تناسب جائزة تحمل جائزة تحمل اسم كاتب كبير كالراحل كامل المقهور؟
المبدعون لا يقدرون بأثمان، وأسماؤهم تنقش في أفئدة الناس، وترسخ الهوية الوطنية، وتظل حيَّة بعد رحيلهم.
وفي كل الأحوال هذه الجائزة هي مبادرة فردية بدعم من أحفاد كامل حسن المقهور، وهي لقصة واحدة، وليستْ لمجموعة قصصية سبق نشرها.
القيمة الحقيقية للجائزة في كل ما هو غير مادي، في أن تكون منصة تجمع كتَّاب القصة القصيرة، وتحتفي بهم، وتحفزهم على المشاركة، وتكون ذات مصداقية، وتبني جسور الثقة، وتكون لليبيين جائزة تبشر بأن القصة القصيرة الليبية بخير.
في الدورات القادمة هل سيكون الاهتمام فقط بمواهب القصة؟ وما الجديد الذي سيتم تداركه؟
من الصعب وضع تعريف لأصحاب المواهب؛ هناك قاصون من أصحاب القصة الواحدة، دخلوا بها التاريخ، ولم تتبعها قصة أخرى، وهناك من نشر مجلدات سرعان ما تجاوزها الزمن، لذا ليس من الصواب في الإبداع عمومًا أن يضع الكاتب نفسه في درجة تمنحه الوصاية على الآخرين؛ هذه الجائزة للقصة أولاً، للإبداع لأنها أولاً مفتوحة للجميع للمشاركة تأسيسًا على الشروط الموضوعية المعلن عنها، وثانيًا لما يجري من إخفاء لاسم كاتبها أمام لجنة التحكيم التي لا تعرف عنه شئيًا؛ فينصرف قرارها للقصة ذاتها، ثم يلحق اسم كاتب القصة، وليس العكس.
أما ثالثًا فهي احتفاء بجيل أَسس القصة القصيرة الليبية، وإن جاءت باسم أحد أبناء ذلك الجيل لكنها حتمًا ستذكر بأصحابه ومعاصريه، ورفاقه في رحلة القصة القصيرة الليبية.
هدف هذه الجائزة احياء القصة القصيرة الليبية، وهو ما نجحتْ فيه الجائزة من وجهة نظري. رغم أنها الدورة الأولى إلا أن المشاركة كانتْ لا بأس بها عدديًا.
ما نشهده اليوم هو عودة للقصة القصيرة، ونقاش حولها، وما نحتاجه هو آراء نقدية حول القصص الخمس المعلن عنها بالقائمة القصيرة، وستظل المفاجأة الفائز بـ)جائزة كامل المقهور للقصة القصيرة(.
ما نتمناه في المستقبل أن يكون للجائزة مكانةٌ إقليميةٌ عربيًا؛ لكنَّنا في الوقت الحاضر نحتاج لترسيخها محليًا وأن نستمر في التشييد على ما بناه أجيالٌ سبقتنا، أبدعتْ، ووضعتْ الأساسَ ثم غادرتْ، وما على الأجيال اللاحقة إلا استثمار ذلك الجهد، والبناء عليه.
إن التحدي القادم هو الاستمرار والمساهمة في خلق مناخ أدبي وطني يحتفي ولا ينتقص، يبني ولا يهدم، يشارك ولا يتردَّد.
أن يكون المبدع شجاعًا، واثقًا، وأن ينزع عن كتفيه ثوب اللامبالاة المرهق، وهو أيضًا خلق التراكم على تجربتنا الوليدة، والأهم أن يُعادَ للقصة القصيرة الليبية رونقها، وبريقها.