لحن الداخل
لكل إنسان في العالم منذ وجد على الأرض إيقاعه؛ ذلك الذي ينظم صمته وتنفسه وحركته ووعيه وأفعاله، يسنده نبض القلب الذي هو نسيب ذلك الإيقاع الخاص المميز لكل فرد عن آلاف الملايين من الناس من رحلوا ومن هم اليوم أحياء ومن سيأتون في القادم. وكلما احتك الإنسان بالحياة وكائناتها وأطوارها وحنانها وجنونها وشراستها صار ذلك الإيقاع يكبر ويستشري، غير أنه ينزاح رويدا عن اللحن الفطري القديم الذي ولد به وابتسم من خلاله للوجود. وفي مسارات الحياة يبرز هذا التدافع بين اللحن الأصيل وبين الإيقاع الجديد؛ بين الفطري والمكتسب، بين الأمل الأول الذي لم يذق بعد طعم الخيبات وبين التقلبات التي أنتجها الصدام والوقوع والحزن والخذلان.
وعلى ضفة أخرى يموت الإنسان حين يتوقف هذا التجاذب بين اللحن والإيقاع فيه؛ حين يتحول إما إلى آلة أو إلى مثبت إلى آلة، فالموت الذي هو لحن الفناء وإيقاع الهجرة الأبدية أقوى من مسيرة الحياة لكنه ليس لامعا وذا تراث مثلها. فحافظوا على لحن دواخلكم، ولا تجزعوا من اضطراب الإيقاع في نفوسكم وعقولكم، ولا تيأسوا من الصراع الأزلي بين الفطري والمكتسب فيكم، بل عيشوا مصيركم وتصالحوا مع مصائر غيركم، خطوة خطوة وهزة هزة صعودا أو انزلاقا؛ فقد خلقكم الله بأجنحة الإرادة وصنعكم بالجيشان الذي ينساب مع دمكم ودمعكم وحماسكم وعزلتكم، لا تقلقوا من كتاب الخلق
بل انتسبوا إليه، دون أن تضيعوا في الزحام إيقاعكم الخاص أو يتوه منكم لحنكم الأصيل.