الرئيسيةتقارير

جرف البشر والحجر: شواهد من كارثة دانيال

تقرير.. أسماء الشواري

ما وقع في المنطقة الشرقية من تداعيات للعاصفة المناخية التي مرت عليها وما خلفته من خراب و موت و فقدان ليست بالحدث «الهين» فاأالم بين«ظاهر» حل في قلوب جميع الليبين جعل من ردود الفعل في  

التداعي و التعاضد في البحث عن المفقودين كأن كل ليبي فزع الى درنة يبحث عن أمه و أبيه يريد إنقاذ أخته و أخيه يسعى لإنقاذ أطفاله من تحت الثرى

إيفار أكثر من مجرد كلب إنقاذ

برز الدور المهم للكلب افار الذي قام صاحبه باشراكه في عملية البحث عن المفقودين تحت أنقاض الهدم فكان بطلا في عيون كل الليبيين حتى وصل لانقاذ الستين شخصا من الأحياء.

كارثة طبيعية وإنسانية فاقت كل التقديرات أصابت مدينة درنة بشرق ليبيا بعد أن غمرتها مياه الفيضانات التي أودت بحياة الآلاف من سكانها. فيما لا يزال آلاف الأشخاص في عداد المفقودين. ويعود سبب هذه الكارثة المناخية إلى إعصار «دانيال» الذي ضرب بقوة كبيرة الساحل الليبي، ما أدى إلى انهيار سدين رئيسيين بالمدينة وتدفق كميات هائلة من المياه جرفت أجزاء واسعة من المدينة.

ناجون يروون تفاصيل لهم مع السيول في درنة بعدما جرفت منازلهم وقذفتها إلى أماكن بعيدة في لحظات بعد ان هدات العاصفة و انقشع ظلام الليلة المرعبة انكشف حجم الكارثة المروعة التي  لم تشهد البلاد لها مثيلاً منذ زلزال المرج في ستينيات القرن الماضي، وكانت أشد فصول هذه  الكارثة إيلاماً في مدينة درنة التي انهار فيها سدّان صمما أصلاً لحمايتها من السيول الجارفة في فصل الشتاء.فكميات الأمطار القياسية التي هطلت على مدينة درنة والتي تجاوزت 400 ملم في ظرف ساعات قليلة لم يتحملها السدان اللذان شيدا عام 1977 ليتضح بعد الكارثة أنهما رفعا على قاعدة ترابية مغطاة بطبقة أسمنت، وبهذه المواصفات ومع انعدام الصيانة حدث الواقعة.

الاف الضحايا بين قتيل و مفقود أوقعها السيل المندفع إلى البحر بقوة تدمير لا يمكن تخيلها، جارفاً كل ما في طريقه من بشر وشجر وحجر، حتى إنه أخذ مباني كاملة بينها عمارات ضخمة بسكانها إلى مياه المتوسط التي يتوقع أن تعيدها إلى الشاطئ، لترتفع حصيلة الضحايا إلى أرقام مهولة، بينما كشفت روايات الناجين من هذه الفاجعة عن قصص مخيفة عما كابدوه في مواجهة الطوفان العنيف و الغير مسبوق.

فمع تواصل عمليات البحث والإنقاذ في مدينة درنة وبعض مدن الجبل الأخرى مثل البيضاء والمخيلي وسوسة وشحات التي نالها قسط من الفاجعة التي ألمت بدرنة، رسمت شهادات الناجين من الكارثة الطبيعية صورة عن المشهد المخيف الذي عاينوه أول من أمس وكيف داهمتهم السيول من كل مكان وغمرت بيوتهم واختطفت أحبتهم أمام أعينهم، بينما لن تُروى أبداً شهادات مماثلة لعائلات مات كامل أفرادها بعدما جرفت المياه المندفعة بيوتهم بمن فيها إلى البحر، ومن بين هذه المآسي الكثيرة والكبيرة وفاة 36 شخصاً من عائلة واحدة  بعد انجراف بيتوهم الأربعة التي كانت تشرف على وادي درنة، وبينها أيضاً رواية لأب ناج من الموت من دون أن ينجو من ألم الفقد بعد وفاة ابنه الوحيد أمام عينه، والتي رواها من داخل مستشفى درنة المكتظ بالمصابين في هذه الساعات حينما كان ذاهب لارجاع ابنه من بيت صديقه ليشهد بعينه وفاته وهو يودعه «سامحني يا بوي» هذا الأب الذي كان يتحدث بصعوبة ظاهرة إلى وسائل الإعلام الليبية، سرد القصة المحزنة لوفاة ابنه «عند الساعة الثانية من صباح أمس الإثنين، وبعد ارتفاع السيول إلى مستويات خطرة خرجت لجلب ابني الذي كان في منزل صديق له، وبعد وصولي إليه بلحظات داهمتنا المياه التي دفعتنا باتجاه السطح وقاومنا لساعات قبل أن تجرف المياه ابني أمام عيني ليصطدم رأسه بالباب ويظل عالقاً هكذا حتى الصباح، وكانت آخر كلمة سمعتها منه سامحني يا أبي، لأفقد ابني الوحيد عطية .

بينما روت  سندس شويب قصتها التي اقتربت فيها من الموت جراء السيول العنيفة، قائلة «شاهدت بأم عيني أطفالاً وبعضهم مواليد صغار عمرهم لا يتجاوز ربما يوماً أو يومين يحملهم السيل على ظهره وأنا أسمع بكاءهم، حتى إنني دعوت الله أن يعجل بوفاتهم حتى ينتهي ألمهم ويوقف صوت صراخهم الذي سيظل راسخاً في رأسي للأبد».

وتابعت، «أما أنا، فقد أخذني السيل إلى أطراف بعيدة ومنسوب أقل للمياه ولكنني رأيت في هذه اللحظات المرعبة الموت وتكسرت عظامي، وكانت هناك إلى جانبي جثث وفوقي جثث وتحتي جثث قبل أن تقذفني السيول إلى مقر نادي ’دارنس‘، فلكم أن تتخيلوا معي كيف كانت حال الذين أخذهم السيل الكبير إلى جانب الوادي مباشرة».

وأضافت أنها «حالياً موجودة في مستشفى وليست قادرة على استيعاب ما حدث، آلاف الموتى يا ناس، والله آلاف الموتى رأيتهم بعيني قبل أن أتي إلى هنا، حتى إنني أحياناً أقول الحمد لله على نجاتي، لكن عندما أتذكر أن أهلي في عداد المفقودين وأخذهم الطوفان أتمنى لو أنني متُّ معهم لأن الذي حدث أكبر مني ومن قدرتي على الصبر والتحمل، ولست قادرة على استيعاب ما حصل في لحظة، كنت في غرفتي لأجد نفسي في الشارع وفوق جسم يجري بي بسرعة كبيرة جداً، ولم أكن أفهم ما يحدث ولا أعرف أين أنا وكيف ومتى حصل معي ما حصل».

ان المأساة التي روى تفاصيلها من عايشوها في درنة وضواحيها، كانت بلا شك الأكبر من حيث الخسائر البشرية والمادية، لكنها لم تكن المدينة الوحيدة التي تسببت فيها السيول الجارفة بمآسي تفطر القلوب وبعض لحظاتها المؤلمة سجلتها عدسات المدونين بكل تفاصيلها ونشروها على مواقع التواصل.

أحد هذه المقاطع المؤلمة وأكثرها تداولاً، حادثة في مدينة البيضاء شرق درنة، يجرف فيها السيل المندفع بسرعة هائلة شخصاً، بينما يناديه شخص على جانب الطريق ويرجوه أن يقاوم بكلمات أحزنت كل من شاهد المقطع، قال له فيها بأعلى صوته «قاوم يا خوي قاوم أمسك في السيارة»، أي قاوم يا أخي تمسك بالسيارة التي أمامك، قبل أن يختفي الشخص الذي جرفه السيل ولم يعرف مصيره.

ومن أبرز من تصدر مشاهد الإنقاذ الكلب إيفار الذي كان صاحبه طوال سنوات يعلمه للاستجابة لاوامره و لقد استطاع من خلال هذا التدريب و الاحتكاك بالبشر إنقاذ عالقين تحت الأنقاض فكان وجوده مبعث أمل لفرق الانقاذ خصوصا عندما استطاع العثور على أول أسرة كاملة وهم أحياء تحت الارض دفنوا ببيتهم ، وتوالت انجازاته بالعثور على ناجين.

شهادات حية للناجين من الموت، وتعاني فرق الإنقاذ الليبية التي جاءت من كل المدن في شرق البلاد وغربها، الأمرّين للوصول إلى الأحياء المتضررة في درنة وعدد من المدن الجبلية الأخرى بعد تهدم كل الطرق والجسور المؤدية إليها، حتى إن المدينة قسمها السيل إلى نصفين منفصلين مع وجود بقايا سيول خلفتها العاصفة وضعف الإمكانات المتوافرة لدى هذه الفرق، مما دفع السلطات الليبية إلى طلب المساعدة الدولية العاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في درنة التي كادت السيول المخيفة أن تحولها إلى أثر بعد عين بين ليلة وضحاها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى