فرضت منصات الدعاية نفسها على المتلقي وفي المقابل أصبح الاخير مدمن على تتبع أخبارها اولاً بأول، والحديث عن منصات الدعاية يقودنا الي صناع المحتوى والوصول في النهاية إلى محور الفكرة وهو «البلوقر»، التي تحولت من حالة الي ظاهرة، لها جمهورها ومتابعيها ما شكل لها بيئة خصبة للاستمرار والانتقال من صرعة الي أخرى دون وضع الاعتبار لمحاذير الخروقات المهنية المتعارف عليها في مهنة الإعلام وهو ما قادنا الي حوار مع جلال عثمان رئيس هيئة رصد المحتوى الاعلامي .
كان التلفزيونُ في زمن ما، يشكل خطرًا على سلوك الأجيال، كيف تنظر له مقارنة بـ)الموبايل(؟
التلفزيون خصوصًا بعد ظهور البث العابر للدول، صار يشكل مصدر قلق للكثير من الأسر، وظهرتْ بعض الفتاوى بتحريمه، كما ظهرتْ موجة من الدراسات الأكاديمية حول تأثير التلفزيون على التنشئة الاجتماعية، وكانت المخاوف تتعلق بتأثير العنف، والقيم السلبية التي قد تعرضها بعض البرامج على الأطفال، والمراهقين، وجل أساليب المقاومة كانت بمنع، أو تقنين تعرض القصّر للتلفزيون، أما اليوم فقد صار «الموبايل» في كل جيب، وفترينه لكل ما في العالم سلبيًا كان أم إيجابيًا، وهنا صارتْ الأسرة أمام تحديات جديدة، مثل الإدمان على «الإنترنت»، التنمر الإلكتروني، الابتزاز، والتعرّض لمحتوى غير لائق بسهولة أكبر.
في كثيرٍ من دول العالم هناك تدابير قانونية تحد من سطوة التقنية، وتغولها، أين نحن من هذا؟!
تعد مسألة وضع قوانين تحد من سطوة التكنولوجيا، وتغولها قضية عالمية ملحة، فالتطور التكنولوجي المتسارع يطرح تحديات جديدة تتطلب إطارًا قانونيًا متطورًا ومتكيفًا، وفي بلادنا وعدد من الدول العربية، والإفريقية، هناك قصورٌ في منظومة التشريعات الإلكترونية، مثل قوانين الجرائم الإلكترونية، وانتهاك الخصوصية، والمعلومات المضلَّلة، وضمان الاستخدام العادل، أي منع احتكار الشركات الكبرى للبيانات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وقوانين حماية المجتمع من الآثار السلبية للتكنولوجيا على الوظائف والأخلاق والقيم.
وحتى نكون منصفين فيجب الإشارة إلى أن حتى الدول المتقدمة تواجه تحديات في مواكبة التطور السريع للتكنولوجيا، وإن كانت غالبًا السباقة في وضع التشريعات التنظيمية.
أما نحن، وهنا أقصد ليبيا، والدول الشبيهة بوضعنا، فإننا نواجه تحديات أكبر في وضع هذه القوانين، بسبب أوضاعنا السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، ودولنا لا تهتم بمراجعة القوانين بشكل دوري للتأكد من أنها فعالة، ومناسبة للتطورات التكنولوجية.
هناك قصورٌ في الدراسات النفسية والثقافية حول أثر وسائل التواصل في المجتمعات النامية، كيف يمكن معالجة الأمر؟
وسائل التواصل الاجتماعي ظاهرة حديثة نسبيًا، ولا تزال الدراسات حولها في بداياتها، والمجتمعات النامية تختلف اختلافًا كبيرًا في ثقافاتها وعاداتها، مما يجعل من الصعب تعميم النتائج، وغالبًا ما تواجه هذه المجتمعات نقصًا في الموارد اللازمة لإجراء دراسات بحثية شاملة، ولا نغفل أيضًا تتطور وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة كبيرة، ومواكبة التغيرات أمر بالغ الصعوبة.
ونقص الدراسات حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في المجتمعات النامية يشكل تحديًا كبيرًا، كوننا خارج التصنيف في كافة فروع العلم، والاقتصاد، وحتى الرياضة، والفن، ومعالجة الأمر بحاجة إلى جهود كبيرة، ومشتركة بين الباحثين، وصنَّاع السياسات، والمجتمع المدني، ومن خلال الاستثمار في البحث العلمي، وتطوير منهجيات البحث المناسبة، وبناء القدرات المحلية، ويجب أن نحصل على فهم أفضل لكيفية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا، وأن نعمل على تطوير سياسات تعزَّز استخدامها الإيجابي، وتحد من آثارها السلبية.
تقنية وسائل التواصل أفرزت عشوائياتها فيما يعرف بـ«البلوقر»، التي أصبحت منافسًا لشركات الدعاية، وتضع شروطها ومعاييرها الخاصة؟
يتميز «البلوقر» بقدرتهم على التواصل المباشر مع متابعيهم، وبناء علاقات شخصية معهم، مما يجعل رسائلهم أكثر تأثيرًا واقناعًا، والمتابعون يثقون في آراء المدونين بشكل أكبر، حيث يرونهم كأصدقاء، أو أفراد من العائلة، مما يجعل توصياتهم أكثر مصداقية من الإعلانات التقليدية، وقد ظهر عدد من «البلوقر» المؤثرين، سواء في ليبيا، أو في دول أخرى من العالم، إلى درجة أن شركات كبرى أصبحت تتعاقد معهم، وهناك دول مثل السعودية، نظمت عملهم، واشترطت حصولهم على ترخيص.
المشكلة في المحتوى المقدم من «البلوقرز»، أنه لا يراعي أسس وقواعد العمل الصحفي، فعادة ما نشاهد الخلط بين الرأي، والمادة الإعلانية، وعدم الإشارة إلى المحتوى الإعلاني بشكل واضح عندما يكون الأمر يتعلق بإعلان مدفوع.
ما يتصل بـ)البلوقر(، تدفق قيم َوأدبيات مستوردة، تسربت بقوة في نسيجنا الاجتماعي، كيف يمكن الحد من هذا التأثير؟
للأسف هذه ضريبة يدفع ثمنها العالم أجمع، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة منصات المدونين، أصبح هناك تدفقٌ هائلٌ للقيم والأفكار المستوردة من ثقافات أخرى، والتي قد لا تتوافق بالضرورة مع قيمنا وتقاليدنا، ومواجهة تحدي تدفق القيم المستوردة أمر ليس بالسهل، ويتطلب تضافر جهود الجميع، بدءًا من الأسرة والمدرسة وصولًا إلى الإعلام، ومن خلال تعزيز الثقافة المحلية، وتوعية الشباب.
العالم مقبل على صراع ليس بين الثقافات، أو بين الشعوب، بل بين اليمين واليسار، أوروبا، والولايات المحتدة الآن تشهد صراعًا بين المحافظين، وبين اليسار، والعالم سيكون في مواجهة قضايا أكبر من القضايا التي تقلقنا اليوم.