الرئيسيةحوار

جلال عثمان: البلوقر يخلط بين الرأي والمـادة الإعلانية

فائزة العجيلي + مخلص العجيلي

فرضت‭ ‬منصات‭ ‬الدعاية‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬المتلقي‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬أصبح‭ ‬الاخير‭ ‬مدمن‭ ‬على‭ ‬تتبع‭ ‬أخبارها‭ ‬اولاً‭ ‬بأول،‭ ‬والحديث‭ ‬عن‭ ‬منصات‭ ‬الدعاية‭ ‬يقودنا‭ ‬الي‭ ‬صناع‭ ‬المحتوى‭ ‬والوصول‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬محور‭ ‬الفكرة‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬البلوقر‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬الي‭ ‬ظاهرة،‭ ‬لها‭ ‬جمهورها‭ ‬ومتابعيها‭ ‬ما‭ ‬شكل‭ ‬لها‭ ‬بيئة‭ ‬خصبة‭ ‬للاستمرار‭ ‬والانتقال‭ ‬من‭ ‬صرعة‭ ‬الي‭ ‬أخرى‭ ‬دون‭ ‬وضع‭ ‬الاعتبار‭ ‬لمحاذير‭ ‬الخروقات‭ ‬المهنية‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مهنة‭ ‬الإعلام‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قادنا‭ ‬الي‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬جلال‭ ‬عثمان‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬رصد‭ ‬المحتوى‭ ‬الاعلامي‭ .‬

‭ ‬كان‭ ‬التلفزيونُ‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬ما،‭ ‬يشكل‭ ‬خطرًا‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬الأجيال،‭ ‬كيف‭ ‬تنظر‭ ‬له‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ‭)‬الموبايل‭(‬؟

    التلفزيون‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬البث‭ ‬العابر‭ ‬للدول،‭ ‬صار‭ ‬يشكل‭ ‬مصدر‭ ‬قلق‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬الأسر،‭ ‬وظهرتْ‭ ‬بعض‭ ‬الفتاوى‭ ‬بتحريمه،‭ ‬كما‭ ‬ظهرتْ‭ ‬موجة‭ ‬من‭ ‬الدراسات‭ ‬الأكاديمية‭ ‬حول‭ ‬تأثير‭ ‬التلفزيون‭ ‬على‭ ‬التنشئة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وكانت‭ ‬المخاوف‭ ‬تتعلق‭ ‬بتأثير‭ ‬العنف،‭ ‬والقيم‭ ‬السلبية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تعرضها‭ ‬بعض‭ ‬البرامج‭ ‬على‭ ‬الأطفال،‭ ‬والمراهقين،‭ ‬وجل‭ ‬أساليب‭ ‬المقاومة‭ ‬كانت‭ ‬بمنع،‭ ‬أو‭ ‬تقنين‭ ‬تعرض‭ ‬القصّر‭ ‬للتلفزيون،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فقد‭ ‬صار‭ ‬‮«‬الموبايل‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬جيب،‭ ‬وفترينه‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬سلبيًا‭ ‬كان‭ ‬أم‭ ‬إيجابيًا،‭ ‬وهنا‭ ‬صارتْ‭ ‬الأسرة‭ ‬أمام‭ ‬تحديات‭ ‬جديدة،‭ ‬مثل‭ ‬الإدمان‭ ‬على‭ ‬‮«‬الإنترنت‮»‬،‭ ‬التنمر‭ ‬الإلكتروني،‭ ‬الابتزاز،‭ ‬والتعرّض‭ ‬لمحتوى‭ ‬غير‭ ‬لائق‭ ‬بسهولة‭ ‬أكبر‭. ‬

في‭ ‬كثيرٍ‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬هناك‭ ‬تدابير‭ ‬قانونية‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬التقنية،‭ ‬وتغولها،‭ ‬أين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬هذا؟‭!‬

  ‬تعد‭ ‬مسألة‭ ‬وضع‭ ‬قوانين‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬التكنولوجيا،‭ ‬وتغولها‭ ‬قضية‭ ‬عالمية‭ ‬ملحة،‭ ‬فالتطور‭ ‬التكنولوجي‭ ‬المتسارع‭ ‬يطرح‭ ‬تحديات‭ ‬جديدة‭ ‬تتطلب‭ ‬إطارًا‭ ‬قانونيًا‭ ‬متطورًا‭ ‬ومتكيفًا،‭ ‬وفي‭ ‬بلادنا‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬والإفريقية،‭ ‬هناك‭ ‬قصورٌ‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬التشريعات‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬مثل‭ ‬قوانين‭ ‬الجرائم‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وانتهاك‭ ‬الخصوصية،‭ ‬والمعلومات‭ ‬المضلَّلة،‭ ‬وضمان‭ ‬الاستخدام‭ ‬العادل،‭ ‬أي‭ ‬منع‭ ‬احتكار‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬للبيانات‭ ‬وتقنيات‭ ‬الذكاء‭ ‬الاصطناعي،‭ ‬وقوانين‭ ‬حماية‭ ‬المجتمع‭ ‬من‭ ‬الآثار‭ ‬السلبية‭ ‬للتكنولوجيا‭ ‬على‭ ‬الوظائف‭ ‬والأخلاق‭ ‬والقيم‭.‬

  ‬وحتى‭ ‬نكون‭ ‬منصفين‭ ‬فيجب‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬حتى‭ ‬الدول‭ ‬المتقدمة‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬في‭ ‬مواكبة‭ ‬التطور‭ ‬السريع‭ ‬للتكنولوجيا،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬غالبًا‭ ‬السباقة‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬التشريعات‭ ‬التنظيمية‭.‬

  ‬أما‭ ‬نحن،‭ ‬وهنا‭ ‬أقصد‭ ‬ليبيا،‭ ‬والدول‭ ‬الشبيهة‭ ‬بوضعنا،‭ ‬فإننا‭ ‬نواجه‭ ‬تحديات‭ ‬أكبر‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬هذه‭ ‬القوانين،‭ ‬بسبب‭ ‬أوضاعنا‭ ‬السياسية،‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬ودولنا‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بمراجعة‭ ‬القوانين‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬فعالة،‭ ‬ومناسبة‭ ‬للتطورات‭ ‬التكنولوجية‭.‬

‭ ‬هناك‭ ‬قصورٌ‭ ‬في‭ ‬الدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬والثقافية‭ ‬حول‭ ‬أثر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬النامية،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬معالجة‭ ‬الأمر؟

  ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ظاهرة‭ ‬حديثة‭ ‬نسبيًا،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬الدراسات‭ ‬حولها‭ ‬في‭ ‬بداياتها،‭ ‬والمجتمعات‭ ‬النامية‭ ‬تختلف‭ ‬اختلافًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬ثقافاتها‭ ‬وعاداتها،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تعميم‭ ‬النتائج،‭ ‬وغالبًا‭ ‬ما‭ ‬تواجه‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬نقصًا‭ ‬في‭ ‬الموارد‭ ‬اللازمة‭ ‬لإجراء‭ ‬دراسات‭ ‬بحثية‭ ‬شاملة،‭ ‬ولا‭ ‬نغفل‭ ‬أيضًا‭ ‬تتطور‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة،‭ ‬ومواكبة‭ ‬التغيرات‭ ‬أمر‭ ‬بالغ‭ ‬الصعوبة‭.‬

  ‬ونقص‭ ‬الدراسات‭ ‬حول‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬النامية‭ ‬يشكل‭ ‬تحديًا‭ ‬كبيرًا،‭ ‬كوننا‭ ‬خارج‭ ‬التصنيف‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬فروع‭ ‬العلم،‭ ‬والاقتصاد،‭ ‬وحتى‭ ‬الرياضة،‭ ‬والفن،‭ ‬ومعالجة‭ ‬الأمر‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬جهود‭ ‬كبيرة،‭ ‬ومشتركة‭ ‬بين‭ ‬الباحثين،‭ ‬وصنَّاع‭ ‬السياسات،‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬العلمي،‭ ‬وتطوير‭ ‬منهجيات‭ ‬البحث‭ ‬المناسبة،‭ ‬وبناء‭ ‬القدرات‭ ‬المحلية،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬نحصل‭ ‬على‭ ‬فهم‭ ‬أفضل‭ ‬لكيفية‭ ‬تأثير‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬على‭ ‬حياتنا،‭ ‬وأن‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬سياسات‭ ‬تعزَّز‭ ‬استخدامها‭ ‬الإيجابي،‭ ‬وتحد‭ ‬من‭ ‬آثارها‭ ‬السلبية‭. ‬

تقنية‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬أفرزت‭ ‬عشوائياتها‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ«البلوقر‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬منافسًا‭ ‬لشركات‭ ‬الدعاية،‭ ‬وتضع‭ ‬شروطها‭ ‬ومعاييرها‭ ‬الخاصة؟

  ‬يتميز‭ ‬‮«‬البلوقر‮»‬‭ ‬بقدرتهم‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬متابعيهم،‭ ‬وبناء‭ ‬علاقات‭ ‬شخصية‭ ‬معهم،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬رسائلهم‭ ‬أكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬واقناعًا،‭ ‬والمتابعون‭ ‬يثقون‭ ‬في‭ ‬آراء‭ ‬المدونين‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر،‭ ‬حيث‭ ‬يرونهم‭ ‬كأصدقاء،‭ ‬أو‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬العائلة،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬توصياتهم‭ ‬أكثر‭ ‬مصداقية‭ ‬من‭ ‬الإعلانات‭ ‬التقليدية،‭ ‬وقد‭ ‬ظهر‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬‮«‬البلوقر‮»‬‭ ‬المؤثرين،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أن‭ ‬شركات‭ ‬كبرى‭ ‬أصبحت‭ ‬تتعاقد‭ ‬معهم،‭ ‬وهناك‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬السعودية،‭ ‬نظمت‭ ‬عملهم،‭ ‬واشترطت‭ ‬حصولهم‭ ‬على‭ ‬ترخيص‭.‬

  ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬المحتوى‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬‮«‬البلوقرز‮»‬،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يراعي‭ ‬أسس‭ ‬وقواعد‭ ‬العمل‭ ‬الصحفي،‭ ‬فعادة‭ ‬ما‭ ‬نشاهد‭ ‬الخلط‭ ‬بين‭ ‬الرأي،‭ ‬والمادة‭ ‬الإعلانية،‭ ‬وعدم‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬المحتوى‭ ‬الإعلاني‭ ‬بشكل‭ ‬واضح‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬يتعلق‭ ‬بإعلان‭ ‬مدفوع‭. ‬

ما‭ ‬يتصل‭ ‬بـ‭)‬البلوقر‭(‬،‭ ‬تدفق‭ ‬قيم‭ ‬َوأدبيات‭ ‬مستوردة،‭ ‬تسربت‭ ‬بقوة‭ ‬في‭ ‬نسيجنا‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التأثير؟

    ‬للأسف‭ ‬هذه‭ ‬ضريبة‭ ‬يدفع‭ ‬ثمنها‭ ‬العالم‭ ‬أجمع،‭ ‬ومع‭ ‬انتشار‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وخاصة‭ ‬منصات‭ ‬المدونين،‭ ‬أصبح‭ ‬هناك‭ ‬تدفقٌ‭ ‬هائلٌ‭ ‬للقيم‭ ‬والأفكار‭ ‬المستوردة‭ ‬من‭ ‬ثقافات‭ ‬أخرى،‭ ‬والتي‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تتوافق‭ ‬بالضرورة‭ ‬مع‭ ‬قيمنا‭ ‬وتقاليدنا،‭ ‬ومواجهة‭ ‬تحدي‭ ‬تدفق‭ ‬القيم‭ ‬المستوردة‭ ‬أمر‭ ‬ليس‭ ‬بالسهل،‭ ‬ويتطلب‭ ‬تضافر‭ ‬جهود‭ ‬الجميع،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬الإعلام،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬تعزيز‭ ‬الثقافة‭ ‬المحلية،‭ ‬وتوعية‭ ‬الشباب‭. ‬

  ‬العالم‭ ‬مقبل‭ ‬على‭ ‬صراع‭ ‬ليس‭ ‬بين‭ ‬الثقافات،‭ ‬أو‭ ‬بين‭ ‬الشعوب،‭ ‬بل‭ ‬بين‭ ‬اليمين‭ ‬واليسار،‭ ‬أوروبا،‭ ‬والولايات‭ ‬المحتدة‭ ‬الآن‭ ‬تشهد‭ ‬صراعًا‭ ‬بين‭ ‬المحافظين،‭ ‬وبين‭ ‬اليسار،‭ ‬والعالم‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬قضايا‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تقلقنا‭ ‬اليوم‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى