اجتماعي

جولة تكشف خفايا التنمّــر والعنف !!       

وجوه‭ ‬صغيرة‭.. ‬جراح‭ ‬كبيرة‭..‬‮ ‬‭

تروي‭ ‬الأمهات‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُقالُ‭ ‬داخل‭ ‬الفصول

لم‭ ‬تعد‭ ‬علاقة‭ ‬الأمهات‭ ‬بالمدرسة‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬حقيبةٍ‭ ‬تُجهّز‭ ‬في‭ ‬الصباح،‭ ‬أو‭ ‬دفتر‭ ‬ملاحظات‭ ‬تُوقَّع‭ ‬في‭ ‬المساء؛‭ ‬فقد‭ ‬تغيّر‭ ‬زمن‭ ‬التعليم،‭ ‬وتغيّرت‭ ‬معه‭ ‬أدوات‭ ‬التواصل‭. ‬أصبحت‭ ‬غرف‭ ‬‮«‬التلجرام‮»‬،‭ ‬و«الواتس‭ ‬آب‮»‬‭ ‬فضاءً‭ ‬يوميًا‭ ‬لتبادل‭ ‬الواجبات‭ ‬والمراجعات،‭ ‬وهذا‭ ‬الأهم‭ ‬نافذة‭ ‬تكشف‭ ‬وجعًا‭ ‬صامتًا‭ ‬يتوارى‭ ‬خلف‭ ‬جدران‭ ‬المدارس‭.‬

في‭ ‬إحدى‭ ‬مجموعات‭ ‬‮«‬التلجرام‮»‬‭ ‬المخصَّصة‭ ‬لأمهات‭ ‬فصل‭ ‬دراسي،‭ ‬دخلتُ‭ ‬لأراجع‭ ‬ما‭ ‬التقطته‭ ‬المعلمات‭ ‬من‭ ‬واجبات‭ ‬الدروس،‭ ‬فإذا‭ ‬بأمٍّ‭ ‬حزينة‭ ‬تكتب‭ ‬رسالة‭ ‬جعلتْ‭ ‬المجموعة‭ ‬كلّها‭ ‬تسكن‭.‬كانت‭ ‬تحكي‭ ‬عن‭ ‬ابنتها‭ ‬التي‭ ‬تغيّبتْ‭ ‬لأسبوعين‭ ‬بسبب‭ ‬المرض،‭ ‬وحين‭ ‬عادتْ‭ ‬للمدرسة‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬يدًا‭ ‬تمدّ‭ ‬لها‭ ‬دفترًا‭ ‬واحدًا‭ ‬لتلحق‭ ‬بما‭ ‬فاتها‭. ‬كل‭ ‬البنات‭ ‬رفضن‭ ‬إعطاءها‭ ‬الكراسات،‭ ‬أو‭ ‬شرح‭ ‬الدروس،‭ ‬تقول‭ ‬الأم‭ ‬بصوتٍ‭ ‬يقطر‭ ‬وجعًا،‭ ‬قبل‭ ‬أنَّ‭ ‬تضيف‭:‬‭ ‬ابنتي‭ ‬أخلاقها‭ ‬عالية‭.. ‬لكن‭ ‬مستواها‭ ‬الدراسي‭ ‬ضعيفٌ،‭ ‬وهم‭ ‬ما‭ ‬يردن‮ ‬‭ ‬مصاحبتها‭.‬

كانت‭ ‬الأم‭ ‬تروي‭ ‬أن‭ ‬طفلتها‭ ‬عادتْ‭ ‬من‭ ‬المدرسة‭ ‬منهارة،‭ ‬ترفض‭ ‬الذهاب‭ ‬مجددًا،‭ ‬وتشعر‭ ‬بأنها‭ ‬منبوذة‭ ‬داخل‭ ‬فصلها‭. ‬ولأن‭ ‬الأم‭ ‬بحثت‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬حلّ،‭ ‬طلبتُ‭ ‬مني‮ ‬‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الاختصاصية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭. ‬جاء‭ ‬الردّ‭ ‬صادمًا‭:‬‭ ‬ربي‭ ‬أعطاها‭ ‬جمالًا‭ ‬ربانيًا‭.. ‬لكن‭ ‬للأسف‭ ‬في‭ ‬قرايتها‭ ‬ضعيفة‭. ‬لم‭ ‬تتحدث‭ ‬الاختصاصية‭ ‬عن‭ ‬احتواء،‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬نفسي،‭ ‬بل‭ ‬اختزلت‭ ‬الطفلة‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬غير‭ ‬عادلة‭ ‬تُشبه‭ ‬أحكام‭ ‬الشارع،‭ ‬لا‭ ‬أحكام‭ ‬المربين‭.‬

وفي‭ ‬قصة‭ ‬أخرى‭ ‬جاءتني‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬زملائي‭ ‬قال‭ ‬ليَّ‭:‬‭ ‬بما‭ ‬أنكِ‭ ‬تكتبين‭ ‬عن‭ ‬الجانب‭ ‬الاجتماعى‭ ‬اريد‭ ‬أنّ‭ ‬تطرحي‭ ‬موضوع‮ ‬‭ ‬العنف‭ ‬المدرسي،‭ ‬لازم‭ ‬تعرفي‭ ‬قصة‭ ‬ولدي‭ ‬يروي‭ ‬أنّ‭ ‬ابنه،‭ ‬وهو‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الأول،‭ ‬تشاجر‭ ‬مع‭ ‬زميله‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬طفولية‭ ‬عابرة،‭ ‬ليمسك‭ ‬الأخير‭ ‬قلمًا‭ ‬حادًا‭ ‬ويوجه‭ ‬ضربة‭ ‬مزّقتْ‭ ‬أذن‭ ‬الطفل‭ ‬وخده‭.‬

المشهد‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الفصل؛‭ ‬نُقل‭ ‬الصغير‭ ‬إلى‭ ‬المستشفى‭ ‬وتمت‭ ‬خياطة‭ ‬جرحه‭. ‬وبرغم‭ ‬خطورة‭ ‬الإصابات،‭ ‬تنازل‭ ‬الأب‭ ‬عن‭ ‬القضية‭ ‬لأنهم‭ ‬أطفال،‭ ‬كما‭ ‬قال،‭ ‬احترامًا‭ ‬لعلاقة‭ ‬العائلتين‭ ‬ومحاولة‭ ‬لإخماد‭ ‬الشر‭.‬

هاتان‭ ‬القصتان،‭ ‬بحمولتهما‭ ‬الإنسانية‭ ‬الثقيلة،‭ ‬كانتا‭ ‬مفتاح‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع‭. ‬من‭ ‬خلالهما‭ ‬بدأتُ‭ ‬جولة‭ ‬ميدانية‭ ‬داخل‭ ‬عدة‭ ‬مدارس‭ ‬لرصد‭ ‬مستوى‭ ‬‮«‬التنمّر‭ ‬والعنف‮»‬،‭ ‬وأسبابهما،‭ ‬وتأثيرهما‭ ‬على‭ ‬الأطفال،‭ ‬وكذلك‭ ‬جاهزية‭ ‬المدارس‭ ‬لمعالجة‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬باتتْ‭ ‬تشكّل‭ ‬خطرًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬على‭ ‬الصحة‭ ‬النفسية‭ ‬والسلوك‭ ‬التربوي‭.‬

ميدان‭ ‬الاستطلاع‭ ‬مدارس‭ ‬تكشف‭ ‬روايات‭ ‬أكثر‭ ‬وجعًا

في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مدرسة‭ ‬زرتها،‭ ‬تكرَّرتْ‭ ‬الملامح‭ ‬نفسها‭: ‬تلاميذ‭ ‬منزوون‭ ‬في‭ ‬الساحة،‭ ‬أطفال‭ ‬يخشون‭ ‬الإجابة‭ ‬في‭ ‬الفصل‭ ‬خوفًا‭ ‬من‭ ‬السخرية،‭ ‬وأمهات‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬المدارس‭ ‬ينتظرن‭ ‬أبناءهن‭ ‬بقلوب‭ ‬مرتعشة،‭ ‬خشية‭ ‬أن‭   ‬يعود‭  ‬وا‭ ‬بجروح‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬تُرى‭ ‬بالعين‭ .‬‮                                   ‬‮      ‬‭  ‬‮                    ‬‭                                             ‬‮    ‬‭ ‬في‭ ‬جولتي‭ ‬داخل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المدارس،‭ ‬كان‭ ‬المشهد‭ ‬متشابهًا‭ ‬بشكل‭ ‬مُقلق‭:‬

أطفالٌ‭ ‬يجلسون‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬الساحة،‭ ‬يراقبون‭ ‬الآخرين‭ ‬من‭ ‬بعيد‭.‬

طلابُ‭ ‬يخفضون‭ ‬رؤوسهم‭ ‬كلما‭ ‬مرّ‭ ‬متنمّر‭ ‬معروف‭.‬

معلمات‭ ‬يحاولن‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬حصص‭ ‬الدراسة‭ ‬وملاحقة‭ ‬الشجارات‭ ‬الصغيرة‭.‬

وأمهات‭ ‬يقفن‭ ‬عند‭ ‬الأبواب‭ ‬قبل‭ ‬انتهاء‭ ‬الدوام‭ ‬بدقائق،‭ ‬وكأنهن‭ ‬ينتظرن‭ ‬طفلًا‭ ‬عائدًا‭ ‬من‭ ‬معركة،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬درس‭.‬

أحد‭ ‬المعلمين‭ ‬قال‭ ‬ليَّ‭ ‬بصريح‭ ‬العبارة‭:‬

التنمر‭ ‬اليوم‭ ‬مش‭ ‬كيف‭ ‬زمان‭.. ‬فيه‭ ‬عزلة‭ ‬مقصودة،‭ ‬تصوير،‭ ‬سخرية‭ ‬جماعية،‭ ‬ونشرمقاطع‭ ‬في‭ ‬القروبات‭.‬

مديرة‭ ‬مدرسة‭ ‬أخرى‭ ‬تضيف‭:‬

أغلب‭ ‬الشكاوى‭ ‬مش‭ ‬ضرب‮…‬‭ ‬أغلبها‭ ‬كلام‭ ‬يوجع‭: ‬سبّ،‭ ‬استهزاء،‭ ‬تقليل‭ ‬قيمة‮…‬‭ ‬والطفل‭ ‬اللي‭ ‬يسمع‭ ‬الكلام‭ ‬هذا‭ ‬يوميًا،‭ ‬ينهار‭.‬

شهادات‭ ‬الطلبة‮…‬‭ ‬حين‭ ‬يتكلم‭ ‬الصغار‭ ‬بصوت‭ ‬الكبار‭ ‬على‭ ‬أطراف‭ ‬الساحة،‭ ‬اقتربت‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬طلاب‭. ‬لم‭ ‬أسألهم‭ ‬كثيرًا؛‭ ‬كانوا‭ ‬هم‭ ‬الأكثر‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬الكلام‭.‬

طالب‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬السادس‭ ‬قال‭:‬

دايمه‭ ‬يضحكوا‭ ‬عليّ‭ ‬لأن‭ ‬نلبس‭ ‬نظارة‮…‬‭ ‬يقولولي‭ ‬يا‭ ‬أعمى‭. ‬ولما‭ ‬نشكي‭ ‬للمعلم،‭ ‬يقول‭ ‬تجاهلهم‭.‬

طالبة‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الرابع‭ ‬روت‭ ‬بخجل‭:‬

لما‭ ‬نبي‭ ‬نقعد‭ ‬معاهم،‭ ‬يقوموا‭ ‬ويخلوني‭ ‬وحدي‮…‬‭ ‬يقولولي‭ ‬ما‭ ‬نبو‭ ‬حد‭ ‬ثقيل‭.‬

تلميذة‭ ‬إعدادية‭ ‬تؤكد‭ ‬أنّ‭ ‬العنف‭ ‬انتقل‭ ‬للهواتف‭:‬

يديروا‭ ‬قروبات‭ ‬ويسخروا‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وحدة‭ ‬ضعيفة‮…‬‭ ‬مرات‭ ‬يلقّطوا‭ ‬صور‭ ‬ويرسلوها‭ ‬لبعض‭.‬

أما‭ ‬الشهادة‭ ‬الأكثر‭ ‬تكرارًا‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬تلميذ‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الثالث‭ ‬يقول‭:‬

بابا‭ ‬يقولي‭ ‬اللي‭ ‬يضربك‭ ‬اضرب‭ ‬‮…‬‭ ‬ما‭ ‬تكّتفش‭ ‬إيدك‭. ‬مرات‭ ‬يقول‭ ‬ليَّ‭ ‬اضرب‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يضربوك‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬ثقافة‭ ‬أسرية‭ ‬تغذّي‭ ‬العنف‭ ‬بدل‭ ‬تهذيبه‭.‬

طفل‭ ‬آخر‭ ‬حكى‭ ‬حادثة‭ ‬أخرى‭:‬

ولد‭ ‬ضرب‭ ‬صاحبه‭ ‬بالمسطرة‭ ‬على‭ ‬راسه‭ ‬قدامنا‮…‬‭ ‬وصاحبه‭ ‬طاح‭. ‬ضحكوا‭ ‬كلهم‭ ‬وما‭ ‬حد‭ ‬وقّف‭.‬

تلميذة‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الخامس‭ ‬روتْ‭ ‬حادثةً‭ ‬تُشبه‭ ‬جرحًا‭ ‬مفتوحًا‭:‬

صورتني‭ ‬زميلتي‭ ‬وأنا‭ ‬نايمة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬الاستراحة‭ ‬‮…‬‭ ‬ونشرتها‭ ‬في‭ ‬القروب‭. ‬من‭ ‬يومها‭ ‬ما‭ ‬نبيش‭ ‬نمشي‭ ‬للمدرسة‭.‬

شواهد‭ ‬أخرى‮…‬‭ ‬حوادث‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الفصل

من‭ ‬خلال‭ ‬الجولة،‭ ‬برزت‭ ‬شواهد‭ ‬متعددة‭ ‬للعنف‭:‬

طفل‭ ‬تم‭ ‬دفعه‭ ‬بقوة‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬الدرج‭ ‬وكُسرت‭ ‬ذراعه‭.‬

تلميذة‭ ‬تمّ‭ ‬تمزيق‭ ‬حقيبتها‭ ‬لأنها‭ ‬رفضت‭ ‬إعارة‭ ‬أدواتها‭.‬

طلاب‭ ‬يمنعون‭ ‬زملاء‭ ‬ضعفاء‭ ‬من‭ ‬اللعب‭ ‬في‭ ‬الساحة‭.‬

صف‭ ‬كامل‭ ‬يسخر‭ ‬من‭ ‬طالب‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬التلعثم‭ ‬في‭ ‬القراءة‭.‬

طالبة‭ ‬تُغلق‭ ‬أمامها‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭ ‬من‭ ‬قِبل‭ ‬بنات‭ ‬يتخذن‭ ‬الأمر‭ ‬مزحة‭.‬

هذه‭ ‬ليست‭ ‬حالات‭ ‬فردية‭ ‬كما‭ ‬يصفها‭ ‬البعض‮…‬‭ ‬إنها‭ ‬ظاهرة‭.‬

أكد‭ ‬أحد‭ ‬المعلمين‭ ‬أنّ‭ ‬التنمّر‭ ‬أصبح‭ ‬يأخذ‭ ‬أشكالًا‭ ‬جديدة‭: ‬عزلة‭ ‬متعمدة،‭ ‬سخرية‭ ‬جماعية،‭ ‬تصوير‭ ‬داخل‭ ‬الفصول،‭ ‬ونشر‭ ‬مقاطع‭ ‬للضحايا‭ ‬على‭ ‬المنصات‭.‬

وأضاف‭ ‬آخر‭: ‬الأطفال‭ ‬اليوم‭ ‬يقلّدون‭ ‬ما‭ ‬يشاهدونه‭ ‬في‭ ‬‮«‬الإنترنت‮»‬،‭ ‬وليس‭ ‬ما‭ ‬يتعلمونه‭ ‬في‭ ‬الحصة‭.‬

وفي‭ ‬مدرسة‭ ‬أخرى‭ ‬روتْ‭ ‬مديرة‭ ‬المدرسة‭ ‬أنّ‭ ‬الشكوى‭ ‬الأكبر‭ ‬التي‭ ‬تتلقاها‭ ‬يوميًا‭ ‬تتعلق‭ ‬بإهانات‭ ‬لفظية‭ ‬متبادلة‭ ‬بين‭ ‬الطلاب،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تتطور‭ ‬إلى‭ ‬دفع‭ ‬وضرب‭. ‬وللأسف،‭ ‬تضيف‭ ‬المديرة‭ ‬“‭ ‬بعض‭ ‬الأهالي‭ ‬يشجّعون‭ ‬أبناءهم‭ ‬على‭ ‬الردّ‭ ‬بقوة‭ ‬بدل‭ ‬الحوار،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬المدرسة‭ ‬ساحة‭ ‬صراع،‭ ‬لا‭ ‬بيئة‭ ‬تعليم‭.‬

العنف‭ ‬المدرسي‭ ‬ليس‭ ‬حادثًا‭ ‬فرديًا

الاختصاصية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الأولى‭ ‬ترى‭ ‬أنّ‭ ‬التنمّر‭ ‬مرض‭ ‬اجتماعي‭ ‬متراكم،‭ ‬يبدأ‭ ‬من‭ ‬البيت‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬المدرسة

وتوضح‭ ‬أنَّ‭ ‬الطفل‭ ‬الذي‭ ‬يتعرض‭ ‬للإهانات،‭ ‬أو‭ ‬التحقير‭ ‬في‭ ‬المنزل،‭ ‬غالبًا‭ ‬يصبح‭ ‬متنمرًا‭ ‬على‭ ‬زملائه‭. ‬وتضيف‭:‬‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬نتابعها‭ ‬تعود‭ ‬لغياب‭ ‬الحوار‭ ‬الأسري،‭ ‬وقسوة‭ ‬العقاب،‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬مشاعر‭ ‬الطفل”‭.‬

الاختصاصي‭ ‬النفسي‭  ‬يقدّم‭ ‬تفسيرًا‭ ‬أوضح‭: ‬العنف‭ ‬المدرسي‭ ‬ليس‭ ‬سلوكًا‭ ‬لحظيًا،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬انعكاس‭ ‬لاضطراب‭ ‬بيئي،‭ ‬سواء‭ ‬داخل‭ ‬المنزل‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭.‬

ويشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التنمّر‭ ‬اللفظي‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشارًا،‭ ‬تليه‭ ‬العزلة،‭ ‬ثم‭ ‬التنمّر‭ ‬الجسدي‭. ‬لكن‭ ‬أخطرها،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭: ‬التنمّر‭ ‬الصامت‭.. ‬حين‭ ‬يشعر‭ ‬الطفل‭ ‬بأنه‭ ‬بلا‭ ‬قيمة‭.‬

أما‭ ‬الاختصاصي‭ ‬التربوي‭ ‬فيعتبر‭ ‬أنَّ‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬المشكلة‭ ‬هو‭ ‬ضعف‭ ‬تدريب‭ ‬المعلمين‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬السلوك‭. ‬ويضيف‭:‬‭ ‬المعلم‭ ‬هو‭ ‬خط‭ ‬الدفاع‭ ‬الأول،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يمتلك‭ ‬مهارات‭ ‬التدخل‭ ‬المبكر،‭ ‬تصبح‭ ‬المدرسة‭ ‬كلها‭ ‬بيئة‭ ‬خصبة‭ ‬للعنف”‭.‬

ويؤكد‭ ‬جميع‭ ‬الاختصاصيين‭ ‬على‭ ‬النقاط‭ ‬التالية‭: ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬برامج‭ ‬دورية‭ ‬في‭ ‬المدارس‭ ‬لتعزيز‭ ‬مهارات‭ ‬التواصل‭ ‬والاحترام‭.‬

أهمية‭ ‬تدريب‭ ‬الاختصاصيين‭ ‬الاجتماعيين‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬النفسي‭ ‬مع‭ ‬الأطفال،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬رصد‭ ‬السلوكيات‭.‬

إشراك‭ ‬أولياء‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬ورش‭ ‬عمل‭ ‬حول‭ ‬التنشئة‭ ‬الإيجابية‭.‬

تفعيل‭ ‬نظام‭ ‬الإبلاغ‭ ‬داخل‭ ‬المدارس‭ ‬بسرية‭ ‬تامة‭ ‬لحماية‭ ‬الأطفال‭ ‬الضحايا‭.             

وفي‭ ‬ختام‭ ‬الاستطلاع‭              ‬تتضح‭ ‬حقيقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬إنكارها‭:‬‭ ‬العنف‭ ‬المدرسي‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مجرد‭ ‬تصرفٍ‭ ‬عابر،‭ ‬بل‭ ‬أصبح‭ ‬أزمة‭ ‬تربوية‭ ‬ونفسية‭ ‬تهدَّد‭ ‬جيلًا‭ ‬كاملًا‭. ‬قصص‭ ‬البنات‭ ‬اللاتي‭ ‬لا‭ ‬يجدن‭ ‬صديقة‭ ‬في‭ ‬الفصل،‭ ‬والطفل‭ ‬الذي‭ ‬يُضرب‭ ‬بقلمٍ‭ ‬فيتشقق‭ ‬وجهه،‭ ‬وأطفال‭ ‬ينامون‭ ‬ليلًا‭ ‬وهم‭ ‬يخشون‭ ‬صباح‭ ‬الغد‭.. ‬كلّها‭ ‬رسائل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تستوقف‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة‭ ‬والجهات‭ ‬التعليمية‭.‬

المدارس‭ ‬كما‭ ‬ظهرت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الاستطلاع،‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬مقاعد‭ ‬وسبورة،‭ ‬بل‭ ‬عالم‭ ‬تتشكل‭ ‬فيه‭ ‬شخصية‭ ‬الطفل،‭ ‬وتُبنى‭ ‬فيه‭ ‬ثقته‭ ‬بنفسه‭. ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بيئة‭ ‬آمنة،‭ ‬فسوف‭ ‬تصنع‭ ‬جيلًا‭ ‬مهزوزًا،‭ ‬لا‭ ‬يثق‭ ‬بنفسه‭ ‬ولا‭ ‬بالآخرين‭.‬

نتائج‭ ‬الاستطلاع‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬الآتي‭:‬

غياب‭ ‬الحماية‭ ‬النفسية‭ ‬داخل‭ ‬بعض‭ ‬المدارس‭ ‬يُسهِم‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬التنمّر‭.‬

ضعف‭ ‬تدريب‭ ‬المعلمين‭ ‬والاختصاصيين‭ ‬يجعل‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‭ ‬شبه‭ ‬غائب‭.‬

مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬أصبحت‭ ‬منصة‭ ‬تنعكس‭ ‬آثارها‭ ‬على‭ ‬سلوك‭ ‬الأطفال‭ ‬داخل‭ ‬الفصول‭.‬

ضرورة‭ ‬إعداد‭ ‬خطة‭ ‬وطنية”‭ ‬لمكافحة‭ ‬التنمّر،‭ ‬تتضمن‭ ‬تدريب،‭ ‬ورصد،‭ ‬وعقوبات‭ ‬تربوية،‭ ‬ودعم‭ ‬نفسي‭.‬

إشراك‭ ‬الأسرة‭ ‬هو‭ ‬الحل‭ ‬الأول‭ ‬والأخير‮…‬‭ ‬فالمدرسة‭ ‬مهما‭ ‬حاولت،‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬وحدها‭ ‬تغيير‭ ‬صراعات‭ ‬يُنتجها‭ ‬المنزل‭.‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬يبقى‭ ‬السؤال‭ ‬الأهم‭:‬‭ ‬هل‭ ‬سننتظر‭ ‬قصة‭ ‬أكثر‭ ‬ألمًا‭ ‬لنبدأ‭ ‬مواجهة‭ ‬العنف‭ ‬المدرسي؟‭ ‬أم‭ ‬سنعتبر‭ ‬صرخات‭ ‬هذه‭ ‬الأمهات‭ ‬والآباء‭ ‬جرس‭ ‬إنذار‭ ‬يجب‭ ‬الالتفات‭ ‬إليه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تخسر‭ ‬المدارس‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬فيها‭: ‬طفولة‭ ‬آمنة‭ ‬تستحق‭ ‬الحبّ‭ ‬لا‭ ‬الخوف؟‭!.‬

بوي‭ ‬يقولي‭ :‬

اضرب‭ ‬قبل‭ ‬ما‭ ‬يضربوك‭!!‬

‭ ‬أمهات‭ ‬ينتظرن‭ ‬أطفالهن‭ ‬وكأنهم‭ ‬عائدين

من‭ ‬معركة‭ !! ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى