ثقافة

حدائق القراءة

شكري الميدي

في‭ ‬المكتبات‭ ‬تجد‭ ‬العشرات‭ ‬وربما‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تجيب‭ ‬على‭ ‬سؤال‭ ‬مهم‭ ‬وهو‭ ‬لماذا‭ ‬نقرأ؟

في‭ ‬الحقيقة‭ ‬عمري‭ ‬لم‭ ‬أتساءل‭ ‬عن‭ ‬هذا‭. ‬منذ‭ ‬صغري‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬بين‭ ‬الكتب‭. ‬من‭ ‬كتب‭ ‬الألغاز‭ ‬إلى‭ ‬الكتب‭ ‬المصورة‭ ‬ومنها‭ ‬إلى‭ ‬القصص‭ ‬والروايات‭ ‬والتاريخ‭ ‬والسياسة‭. ‬أنت‭ ‬تقرأ‭ ‬أولاً‭ ‬لأنها‭ ‬متوفرة‭ ‬ويمكنك‭ ‬فعلها‭ ‬وثانياً‭ ‬بسبب‭ ‬المتعة‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬منها‭. ‬البعض‭ ‬يقارنها‭ ‬بالمتعة‭ ‬الجنسية،‭ ‬ربما‭ ‬هي‭ ‬مبالغة،‭ ‬لكن‭ ‬فيها‭ ‬بهجة‭ ‬حسية‭ ‬مقلقة‭. ‬ليس‭ ‬غريباً‭ ‬أن‭ ‬تسرق‭ ‬جنية‭ ‬عقلك‭ ‬بالقراءة‭. ‬

مع‭ ‬ذلك‭ ‬حدث‭ ‬وأن‭ ‬وجدت‭ ‬بعض‭ ‬المواقف‭ ‬المختلفة‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الكتب،‭ ‬جعلتْ‭ ‬القراءة‭ ‬أكثر‭ ‬أهمية،‭ ‬وأقرب‭ ‬إلى‭ ‬حصالة‭ ‬لجمع‭ ‬المال‭.‬

صدف‭ ‬أن‭ ‬قرأت،‭ ‬وأغلب‭ ‬قراءاتي‭ ‬هي‭ ‬مصادفات‭ ‬جميلة،‭ ‬ثلاثة‭ ‬كتب‭ ‬أدبية‭ ‬وهي‭: “‬تلك‭ ‬العتمة‭ ‬الباهرة‭” ‬لطاهر‭ ‬بن‭ ‬جلون،‭ ‬وكتاب‭ “‬إنسان‭” ‬لأوريانا‭ ‬فالايتشي‭ ‬وكتاب‭ “‬حدائق‭ ‬الملك‭: ‬لفاطمة‭ ‬أوفقير‭.‬

ما‭ ‬يجمه‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬الثلاثة‭ ‬إنها‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ “‬احتجاز‭ ‬البشر‭” ‬داخل‭ ‬سجون‭ ‬أنظمة‭ ‬ديكتاتورية،‭ ‬حيث‭ ‬العتمة‭ ‬والوحدة‭ ‬والنمط‭ ‬المتكرر‭. ‬تفاصيل‭ ‬مصممة‭ ‬بخبث‭ ‬حتى‭ ‬يفقد‭ ‬الإنسان‭ ‬ذاكرته‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬شخصيته‭.‬

الشخصيات‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬الثلاثة،‭ ‬اختارت‭ ‬المقاومة‭ ‬بطريقة‭ ‬مدهشة،‭ ‬لتكسر‭ ‬النمط‭ ‬والتكرار،‭ ‬باستعادة‭ ‬تفاصيل‭ ‬أمن‭ ‬هم‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬قراؤها‭. ‬ترى‭ ‬الشخصية‭ ‬من‭ “‬تلك‭ ‬العتمة‭ ‬الباهرة‭” ‬تعيد‭ ‬تركيب‭ ‬الروايات‭ ‬المهمة‭ ‬لترويها‭ ‬مجدداً‭ ‬لبقية‭ ‬المساجين،‭ ‬لتزجية‭ ‬الوقت‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬طراوة‭ ‬الروح‭. ‬فاطمة‭ ‬تعيد‭ ‬كتابة‭ ‬روايات‭ ‬دوستويفسكي‭ ‬لتعلم‭ ‬صغارها‭ ‬حتى‭ ‬يخرجوا‭ ‬من‭ ‬تجربتهم‭ ‬الأليمة‭ ‬بنفسية‭ ‬متشبعة،‭ ‬تسمو‭ ‬بالتجارب‭ ‬الإنسانية‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬يسقطوا‭ ‬في‭ ‬حضيضها‭.‬

وهو‭ ‬ما‭ ‬تجده‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬أوريانا‭ ‬فالاتشي‭ “‬إنسان‭” ‬توثق‭ ‬فيه‭ ‬أوريانا‭ ‬قصة‭ ‬اعتقال‭ ‬زوجها‭ ‬اليوناني،‭ ‬المعارض‭ ‬لنظام‭ ‬الديكتاتوري،‭ ‬تشرح‭ ‬لنا‭ ‬كيف‭ ‬قاوم‭ ‬القبو‭ ‬البارد‭ ‬باستعادة‭ ‬دراسته‭ ‬للرياضيات‭ ‬حتى‭ ‬إنه‭ ‬حل‭ ‬باستخدام‭ ‬الطين‭ ‬والجدارن‭ ‬معادلات‭ ‬الرياضية‭ ‬مستحيلة‭ ‬الحل،‭ ‬فقدها‭ ‬بسبب‭ ‬ظروف‭ ‬السجن‭.‬

هذه‭ ‬التجارب‭ ‬الإنسانية‭ ‬العظيمة‭ ‬قرأتها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬مبكرة‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اعتبره‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقي‭ ‬لقراءة‭ ‬الكتب‭ ‬وربما‭ ‬حتى‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬الناس‭.‬

في‭ ‬فترة‭ ‬الأزمات‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تتكئ‭ ‬وتحاول‭ ‬إعادة‭ ‬تذكر‭ ‬تفاصيل‭ ‬قرأتها‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬السادسة‭ ‬عشرة‭ ‬أو‭ ‬تعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬سير‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬طبقاً‭ ‬لكتاب‭ ‬قديم‭ ‬قراءته‭ ‬بانسجام‭ ‬أو‭ ‬تعيد‭ ‬رسم‭ ‬حياة‭ ‬شخصية‭ ‬مهمة‭: ‬من‭ ‬الطفولة‭ ‬حتى‭ ‬مراحل‭ ‬قطف‭ ‬ثمار‭ ‬النجاح‭.‬

سبب‭ ‬عظيم‭ ‬للقراءة،‭ ‬أنت‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬عقلك‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى