رأي

حقول أخرى..

يبدو أن ماصرحت به “هدى السراري” مديرة قنوات 218، لصحيفة العرب اللندنية حول واقع الإعلام في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، حسب عنوان المقابلة، الذي غالباً مايبرز أهم فقرات بقية المحتوى في كل الفنون الصحفية جاء العنوان “ماكان متعارفا عليه في ليبيا لايمكن تسميته إعلام”!
استغرب هذا الحكم المطلق وإن اختلفنا مع النظام السابق وأغلب ممارساته لكن يجب أن لاننكر أن الإعلام في النظام السابق شأنه شأن أي إعلام يستمد سياساته من نظام الدولة القائم حسبما جرت العادة في كل أنظمة العالم، إلى جانب أن المنطلقات الفكرية لنظرية المسؤولية الاجتماعية التي كانت بوصلة إعلام النظام السابق، بحسب أدبياتها أن وسائل الإعلام في البلدان التي تخضع لسلطات مركزية أو شمولية، فإن مسؤليتها ستكون نابعة بالضرورة مما تراه الأنظمة السياسية الحاكمة في تلك البلدان، وما على تلك الوسائل إلا أن تستمد قيمها المهنية ورؤيتها للواقع الاجتماعي من توجيهات تلك الأنظمة.
استندت السراري في رأيها هذا إلى أن الإعلام في عهد النظام السابق هو إعلام الصوت الواحد، كما تؤكد أن القناة الإخبارية-218- ليست مشروعا بديلا عن وسائل إعلامية أخرى بالقول:-لعل هذا الامتياز مع تطورنا مهنيا ماجعلنا مصدرا للكثير من الأخبار والأحداث عن الشأن الليبي ليس على الصعيد العربي فقط بل حتى عالميا، وكأن من شغلوا مجموعة قنوات 218 هبطوا من الفضاء ولم يكونوا ضمن منظومة “اللا إعلام” السابقة حسب تصنيفها، ثم تلفت إلى أن استقلالية التمويل أحد العوامل المهمة التي تجعل الخطاب الإعلامي للقنوات الخاصة مختلفا ومؤثرا عن الإعلام الرسمي .
فإذا كانت الصحافة الابنة الشرعية للإعلام سلطة رابعة، ولكي تحظى بتلك المرتبة يجب أن تسبقها السلطات الثلاث التشريعية والقضائية ولتنفيذية، ضمنيا في غياب هذه السلطات يصبح الإعلام السلطة الأولى، وربما هذا ما أظهرته نتائج دارسة ميدانية تحت إشراف المركز الليبي لحرية الصحافة بعنوان (ملكية وتمويل وشفافية وتعددية وسائل الإعلام الليبية الخاصة:دراسة ميدانية، كانت قناة 218 من ضمن القنوات التي شملتها الدراسة، ولم تستجب للاستبيان الذي أرسل أكثر من مرة شأنها شأن أغلب القنوات الليبية الخاصة والأكثر متابعة .
من بين أبرز نتائج هذه الدراسة:- لم يولي جمهور الدراسة أهمية لمسألة التصويت على الدستور بالمستوى المطلوب مقارنة بالقضايا الوطنية الأخرى ، وتعكس هذه النتيجة وجود خلل في ترتيب أولويات القضايا الوطنية في الوسائل المدروسة.
ربما تتطابق هذه النتائج مع ما أوردناه في مقالتنا السابقة بعنوان مأزق الإعلام الخاص أنه ربما بسبب سطوة المال السياسي وسيطرته على وسائل الإعلام –الخاص- يتم تغييب القضايا الوطنية المهمة وإغراق الرأي العام في نزاعات من شأنها إطالة أمد الأزمات المحلية لتصبح حرية التعبير التي تشكل صُلب التعددية الإعلامية التي أوجدت الإعلام الخاص مأزق آخر أشبه بسلاح ذو حدين.!
يبقى السؤال المهم ماهي مصادر تمويل مجموعة قنوات 218 فهذا ركن مهم من أركان الشفافية ومطلب من مطالب حق النفاد للمعلومات ؟
فإلقاء التهم حول نظام القذافي لايختلف عن التحايل وعدم الشفافية، فيمكن للإعلام الأحادي كما وصفته السراري أن يستند إلى ترسانة قانونية معادية للحرية وقادرة على تكييف التهم بعيدا عن قوانين الصحافة ويصنع خندقا لايسمح لأحد من الإقتراب منه، بينما في الإعلام الخاص يصبح مالك المؤسسة الإعلامية هو من يمارس فرض مسار بديل عن السلطة الرسمية-السابقة- التي كانت في العادة تمارس القمع وتلجأ إليه كرقابة على الخطاب الإعلامي وتُنسف أهم القيم الإخبارية والمهنية كالدقة والموضوعية وبقية الثوابت.
يقول “أحمد فهمي” في كتابه هندسة الجمهور :-لإنشاء فضائية متواضعة في دولة عربية تحتاج إلى 2 مليون $ سنويا، بعص الفضائيات التي ظهرت مؤخرا تجاوزت تكلفة إطلاقها وتاسيسها 300 مليون $ ، الكثير من الصحف والفضائيات تعجز عن تحقيق أرباح حقيقية وأحيانا تغطية تكاليفها مع ذلك يستمر البث والنشر والانفاق لماذا?، لأن المكاسب يتم جنيها في مجالات أخرى وكما يقال:- في الإعلام أنت تزرع في حقل وتحصد في حقل آخر، ويضيف أيضا نقلا عن “جوري إلمر مورجان” أحد مسؤولي الإذاعة الأمريكية في حقبة الثلاثينيات:- إذا تركزت السيطرة على الإذاعة في أيدي قلة من الناس فلا يمكن لأي أمة أن تكون حرة.
يبدو أن 218 ليس مجرد مفتاح للاتصال الدولي من خارج ليبيا ربما يكون مفتاحاً لحقول آخرى!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى