رأي

حكومة .. وكفى !!

ناجي الحربي

حكمة‭ ‬عمرها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثين‭ ‬سنة‭ ‬حفظتها‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬السن‭ ‬فيما‭ ‬يعرفون‭ ‬بالمتقاعدين‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬القطاعات‭ .. ‬كانوا‭ ‬يمارسون‭ ‬هوايتهم‭ ‬المفضلة‭ ‬وهي‭ ‬لعب‭ )‬الشيزة،‭ ‬والكارطة‭( ‬بعد‭ ‬صلاة‭ ‬العصر‭ ‬كعادتهم‭ ‬دائمًا‭ ‬إلى‭ ‬دخول‭ ‬وقت،‭ ‬وموعد‭ ‬آذان‭ ‬المغرب‭.. ‬فيما‭ ‬كنتُ‭ ‬انتظر‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬سبت‭ ‬وصول‭ ‬سيارة‭ ‬البريد‭ ‬القادمة‭ ‬من‭ ‬بنغازي‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬إلى‭ ‬قريتنا‭ ‬رسائل‭ ‬الأحبة،‭ ‬والجرائد،‭ ‬والمجلات‭ .. ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬قريتنا‭ ‬الناعسة‭ ‬في‭ ‬حضن‭ ‬الجبل‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬ترفيهي‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬أهدر‭ ‬فيه‭ ‬أوقات‭ ‬الفراغ‭ ‬بما‭ ‬يفيد‭ ‬سواء‭ ‬اللوذ‭ ‬بشياب‭ ‬الشيزة‭ ‬والورق‭ .. ‬كانت‭ ‬لأحاديثهم‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬متعة‭ ‬نادرة‭ ‬باستثناء‭ ‬الكلمات‭ ‬النابئة‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يتبادلونها‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الحياء‭ ‬وحضور‭ ‬الشيطان‭ .. ‬قال‭ ‬أحدهم‭: ‬عندما‭ ‬يكبر‭ ‬الأبناء‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬الرجل‭ ‬جيدًا‭ ‬أن‭ ‬البساط‭ ‬قد‭ ‬سحب‭ ‬من‭ ‬تحته‭ .. ‬فلا‭ ‬سلطة‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬على‭ ‬البيت‭ .. ‬ولا‭ ‬على‭ ‬السيارة‭ .. ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬على‭ )‬العجوز‭( ‬‭ ‬وكان‭ ‬يقصد‭ ‬مجازاً‭ )‬الزوجة‭( ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬أنفلت‭ ‬من‭ ‬يده‭ ‬ببلوغ‭ ‬الأبناء‭ ‬سن‭ ‬الرشد‭ .. ‬وهي‭ ‬إشارة‭ ‬صريحة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الزوجة‭ ‬قد‭ ‬تتحمل‭ ‬نزق‭ ‬وسطوة‭ ‬الرجل‭ ‬سنوات‭ ‬تحت‭ ‬مؤثر‭ ‬الصبر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يشب‭ ‬أولادها‭ ‬ويتحملوا‭ ‬قدرًا‭ ‬من‭ ‬المسؤولية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تأبه‭ ‬بعنترياته‭ ‬وعربدته‭.. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الحكاية‭ ‬تطرق‭ ‬تفكيري‭ ‬باتصال‭ ‬وكنت‭ ‬حريصًا‭ ‬على‭ ‬القبض‭ ‬وبشدة‭ ‬على‭ ‬زمام‭ ‬الأمور‭ ‬بعد‭ ‬دخولي‭ ‬طبعًا‭ – ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬الزواج‭ .. ‬وكانت‭ ‬أحاديث‭ ‬‮«‬كبانية‭ ‬الشيزة‭ ‬والورق‮»‬‭ ‬تتراءى‭ ‬أمامي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬موقف‭ ‬مشابه‭ .. ‬ربما‭ ‬لأني‭ ‬شرقي‭ ‬الطبع‭ ‬والتطبع‭ .. ‬أو‭ ‬لأنني‭ ‬بدوي‭ ‬قح‭ .. ‬على‭ ‬وجه‭ ‬التحديد‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬ورثت‭ ‬هذه‭ ‬القسوة‭ ‬؟‮…‬‭ ‬المهم‭ ..)‬عدي‭ ‬يا‭ ‬زمان‭ .. ‬تعال‭ ‬يا‭ ‬زمان‭( ‬كبر‭ ‬أبنائي‭ ‬وبدأت‭ ‬ملامح‭ ‬سقوط‭ ‬ديكتاتوريتي‭ ‬تتراقص‭ ‬بوضوح‭.‬

ذات‭ ‬يوم‭ ‬وبعد‭ ‬تناول‭ ‬وجبة‭ ‬غداء‭ ‬متواضعة‭ ‬خرجتُ‭ ‬لاستقل‭ ‬سيارتي‭ ‬فلم‭ ‬أجد‭ ‬مفاتيحها‭ ‬ولا‭ ‬السيارة‭ ‬ولا‭ ‬وزيرة‭ ‬الداخلية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬حرمنا‭ ‬المصون‭ .. ‬وأدركتُ‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬مؤامرة‭ ‬قد‭ ‬نسجت‭ ‬خيوطها‭ ‬أثناء‭ ‬تناولي‭ ‬كوب‭ ‬الشاي‭ ‬الأخضر‭ .. ‬وهنا‭ ‬تذكرتُ‭ ‬القرية‭ ‬وحلقات‭ ‬‮«‬الشيزة‭ ‬والكارطة‮»‬‭ ‬وتلك‭ ‬الحكايات‭ ‬الحُبلى‭ ‬بالخبرة‭ ‬والتي‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬يجدها‭ ‬باحث‭ ‬أو‭ ‬مجتهد‭ ‬في‭ ‬بطون‭ ‬الكتب‭ ‬والمراجع‭ ..‬شعرتُ‭ ‬بأسى‭ ‬وحنق‭ ‬شديدين،‭ ‬ولعب‭ ‬إبليس‭ ‬لعنه‭ ‬الله‭- ‬لعبته‭ ‬الوقحة‭ ‬لكنَّني‭ ‬احترمتُ‭ ‬عامل‭ ‬السن‭ ‬وتوقعات‭ ‬الهزيمة‭ ‬المؤكدة‭ ‬فأصررتها‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ .. ‬إذ‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬اللائق‭ ‬أن‭ ‬أثير‭ ‬مشكلة‭ ‬خاض‭ ‬غمارها‭ ‬‮«‬شياب‭ ‬مسه‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬يلقوا‭ ‬لها‭ ‬بالاً‭ .. ‬وكانت‭ ‬محل‭ ‬تندر‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬مكنوناتهم‭ ‬ولواعجهم‭ . ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭..‬ليس‭ ‬أمامي‭ ‬سوى‭ ‬الخضوع‭ ‬للأمر‭ ‬الواقع‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬هدوئي‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬انفعالاتي‭ .. ‬

سيتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى