ثقافة

حياة الماعز .. استيقاط إنسانية أم مشهد كيدي

محمد عمران

‭)‬حياة‭ ‬الماعز‭(‬‭ ‬مشهد‭ ‬سينمائي‭ ‬يجسد‭ ‬واقعًا‭ ‬وتجربةً‭ ‬إنسانية‭ ‬لشاب‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬أجبره‭ ‬الفقر‭ ‬إلى‭ ‬النزوح‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬رغيف‭ ‬خبز‭ ‬ساخن‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬المتوهجة‭ ‬بالنفط‭ ‬والصحراء‭ ‬وبمجرد‭ ‬وصوله‭ ‬إلى‭ ‬مرفأ‭ ‬الحلم‭ ‬اشتراه‭ ‬كفيلٌ‭ ‬سعودي‭ ‬وارغمه‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬معه‭ ‬راعيًا‭ ‬لقطيع‭ ‬من‭ ‬الإبل‭ ‬والماعز‭ ‬والأغنام‭ ‬ليجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬صحراوي‭ ‬مفتوح‭ ‬منعزل‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬وتائهًا‭ ‬دون‭ ‬وجود‭ ‬لأي‭ ‬وسيلة‭ ‬اتصال‭ .. ‬وقد‭ ‬ارغمته‭ ‬تلك‭ ‬القسوة‭ ‬على‭ ‬محاولة‭ ‬الهروب‭ ‬تارة‭ ‬ومحاولة‭ ‬الانتحار‭ ‬تارة‭ ‬أخرى‭ ‬كما‭ ‬تعايش‭ ‬خلالها‭ ‬مع‭ ‬حياة‭ ‬الحيوانات‭ ‬وارغم‭ ‬على‭ ‬اقتسام‭ ‬الماء،‭ ‬والاكل‭ ‬معها‭ ‬بشكل‭ ‬أتقن‭ ‬فيه‭ ‬الوكيل‭ ‬والنازح‭ ‬الهندي‭ ‬هذا‭ ‬الدور‭ ‬السينمائي‭ ‬اتقانًا‭ ‬لاقى‭ ‬اعجابًا‭ ‬منقطع‭ ‬النظير‭ ‬لأغلب‭ ‬من‭ ‬شاهده‭ .. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬هاجم‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬السينمائي‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬اخذ‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬وحالة‭ ‬حقيقية‭ ‬واعتبره‭ ‬عملاً‭ ‬كيديًا‭ ‬كونه‭ ‬استغلال‭ ‬لحالة‭ ‬فردية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تعمَّم‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬يسيء‭ ‬لدولة‭ ‬تسعى‭ ‬لاحتواء‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الوافدين‭ ‬بما‭ ‬يحملون‭ ‬من‭ ‬ثقافات‭ ‬وسلوكيات،‭ ‬وأنَّ‭ ‬هناك‭ ‬أطرافًا‭ ‬داعمة‭ ‬سياسيًا،‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬لهذا‭ ‬العمل‭ ‬السينمائي‭. ‬

‭ ‬حيث‭ ‬أثار‭ ‬جدلاً‭ ‬كبيرًا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬وفي‭ ‬السعودية‭ ‬تحديدًا‭.‬

‭ ‬ففي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬اعتبر‭ ‬البعض‭ ‬بأن‭ ‬القصه‭ ‬هي‭ ‬مجرد‭ ‬عارض‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬وأي‭ ‬مكان‭ ‬ولا‭ ‬تمثل‭ ‬إلا‭ ‬ذلك‭ ‬الوكيل‭ ‬المتصف‭ ‬بالقسوة‭ ‬وهي‭ ‬حالة‭ ‬لرجل‭ ‬بدوي‭ ‬لا‭ ‬يمتلك‭ ‬أي‭ ‬ثقافة‭ ‬إلا‭ ‬ثقافة‭ ‬البادية‭ ‬وقد‭ ‬حدثتْ‭ ‬قبل‭ ‬حوالي‭ ‬30‭ ‬سنة‭ .. ‬كما‭ ‬اتهم‭ ‬العديد‭ ‬ممن‭ ‬تابعوا‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬كاتب‭ ‬النص‭ ‬والمخرج‭ ‬‭ ‬‮«‬بليسي‮»‬‭ ‬والشركات‭ ‬التي‭ ‬أسهمت‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬بتعمدها‭ ‬لتزوير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحقائق‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬في‭ ‬قصة‭ ‬هذا‭ ‬العامل‭ ‬الهندي‭ ‬بل‭ ‬اتهم‭ ‬البعض‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬مشاهد‭ ‬تعمدت‭ ‬الشركة‭ ‬المنفذة‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تشويه‭ ‬دولة‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬بالتحديد‭ .. ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إخفاء‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬الايجابيه‭ ‬للقصه‭ ‬أهمها‭ ‬تنازل‭ ‬أبناء‭ ‬القتيل‭ ‬وهو‭ ‬الوكيل‭ ‬الذي‭ ‬قتل‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬العامل‭ ‬الهندي‭ ‬عن‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬القصاص‭ ‬وفي‭ ‬الدية‭.‬

يذكر‭ ‬أنّ‭ ‬العامل‭ ‬الهندي‭ ‬قد‭ ‬لاذ‭ ‬بالفرار‭ ‬بعد‭ ‬قتله‭ ‬للوكيل‭ ‬إلا‭ ‬إنّ‭ ‬السلطات‭ ‬السعودية‭ ‬قد‭ ‬قامت‭ ‬بالقبض‭ ‬عليه‭ ‬وايداعه‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬مدة‭ ‬5‭ ‬سنوات‭ ‬وحكمت‭ ‬عليه‭ ‬بالاعدام‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬العامل‭ ‬الهندي‭ ‬يدخل‭ ‬للإسلام‭ ‬نظير‭ ‬المعاملة‭ ‬الإنسانية‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬الصلح‭ ‬والعفو‭ ‬وهي‭ ‬أمور‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬ادراجها‭  ‬بالفلم‭.‬

تلك‭ ‬كانت‭ ‬جزئية‭ ‬غائبة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬السينمائي‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬راجت‭ ‬أعماله‭ ‬سنة‭ ‬2008‭ ‬وطبعت‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة‭ ‬حوالي‭ ‬250‭ ‬طبعة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬الاشتغال‭ ‬عليه‭ ‬كعمل‭ ‬سينمائي‭ ‬ضخم‭ ‬تجاوزت‭ ‬إيراداته‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬أسبوع‭ ‬واحد‭ ‬فقط‭. ‬

أيضا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬تأكيده‭ ‬هو‭ ‬أهم‭ ‬الأهداف‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬كاتب‭ ‬النَّص،‭ ‬والمخرج‭ ‬اظهاره‭ ‬بشكل‭ ‬هائل‭ ‬ومتميز‭ ‬هو‭ ‬قضية‭ ‬الكفالة،‭ ‬والكفيل‭ ‬الذي‭ ‬مازال‭ ‬يواجه‭ ‬نقدًا‭ ‬كونه‭ ‬نظام‭ ‬مسموح‭ ‬به‭ ‬ومرخص‭ ‬له‭ ‬بضوابط‭ ‬تحتاج‭ ‬لاعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬حقوق‭ ‬الوافد‭ ‬الأجنبي‭ ‬وهو‭ ‬بيت‭ ‬القصيد‭ ‬لدى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬بهذا‭ ‬الجانب‭ ‬القانوني‭. ‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬الجذير‭ ‬بالذكر‭ ‬هو‭ ‬الأداء‭ ‬المتميز‭ ‬لأبطال‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم‭ ‬الذين‭ ‬جسدوا‭ ‬حالات‭ ‬إنسانية‭ ‬استولت‭ ‬على‭ ‬مشاعر‭ ‬وأحاسيس‭ ‬المتابعين‭ ‬بشكل‭ ‬كبير

المحرر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى