
كنتُ سأفصح لك منذ مدة
سيما وأنكَ تؤمنين بالتناسخ أيضًا
عن حقيقة لطالما اجتهدتُ في إخفائها
وهي أني قطعتُ طريقًا طويلة
لأصل إلى هنا
عشت حيوات عديدة
وحللت في كثيرين
أحببت بقلوب عديدة
وتكلمت بألسنة عديدة
كنتُ رجالاً لقرون طويلة
ونساءً لأخرى
غير أن حلولي
لم يكن حكرًا على الآدميين وحسب
فبمجرد أن تخرج روحي
وألفظ أنفاسي الأخيرة
أجدني أحيانًا
طيرًا في عش
أو سمكة في محيط
شجرة على ضفة
أو ربما دودة في شرنقة
صدقيني
ظللت حجرًا لأكثر من مئتي عام
على شفير في أقاصي الأنديز
قبل أن تدفعني قدم مسافرٍ
أراد أن يكتشف من خلالي
عمق الهوة
وحين رأيتك تطلين من شرفة عمري
ذلك النهار
علمت جيدا أنك أكثر من امرأة تطل من شرفة
وأنني أكثر من رجل يلتفت لامرأة تطل من شرفة
شعرت بعاطفة غريبة تشدني لك
عاطفة غريبة وغامضة
وحين أمعنت النظر
في عينيك الساحرتين
عرفت أنني أعرفك
معرفتي لنفسي
ذلك أني
منذ ثمانمائة عام من الآن
كنت أحل في جسد رجل طيب
كان يقطن قرية نائية
كنت أسكن بيتا لا يطل على شيء
غير دغل من شجر العرعر
وعشرين حوضا من النعناع
كانت الليالي تمر
وأنا أحرس الحيضان
من الحشرات والأعشاب الضارة
وحين يطلع الفجر
أحصد منها قدر لهفتي
لأبيعه للمارة
الذين لا يمرون
حتى تذبل أوراق النعناع
وحين كبرت
شدتني مياه الأطلسي الساحرة
ظللت أقطن البحر أعواما طويلة
كنت مولعا بسحره وأسراره
حتى أنني مت
وأنا أصارع
قبيلة من القناديل
كنت أحاول معرفة مصدر الأضواء
التي تنبعث منها
في الحقيقة
كنت جدك الأول
وأب كل الرجال
الذين تنحدرين منهم.



