رأي

حين يفرّق الزواج بين الإخوة

فائزة صالح

‭ ‬

في‭ ‬زمن‭ ‬مضى،‭ ‬كانت‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الإخوة‭ ‬أشبه‭ ‬بالحبل‭ ‬المتين،‭ ‬لا‭ ‬تهزه‭ ‬الأيام،‭ ‬ولا‭ ‬تقطعه‭ ‬المسافات،‭ ‬كانوا‭ ‬سندًا‭ ‬لبعض،‭ ‬يتقاسمون‭ ‬اللقمة،‭ ‬والغطاء‭ ‬والفرح،‭ ‬وحتى‭ ‬الهم،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬اليوم،‭ ‬تغيّرت‭ ‬المعادلات،‭ ‬وتبدلت‭ ‬الأولويات‭.‬

أصبحنا‭ ‬نسمع‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬أخ‭ ‬لا‭ ‬يسأل‭ ‬عن‭ ‬أخيه،‭ ‬ولا‭ ‬يزوره،‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬مريض،‭ ‬عن‭ ‬بيوت‭ ‬تفصلها‭ ‬جدران،‭ ‬وقلوب‭ ‬فصلتها‭ ‬كلمات،‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬نفسه‭ .. ‬كيف‭ ‬وصلت‭ ‬الأخوّة‭ ‬لهذا‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬الجفاء؟‭!‬

الجواب‭ ‬الذي‭ ‬يتكرَّر‭ ‬على‭ ‬ألسنة‭ ‬الكثيرين‭ ‬هو‭ :‬

‮«‬الزوجة‭ ‬ما‭ ‬تبيهش‭ ‬يحتك‭ ‬بأهله‮»‬‭…‬

أو‭ : ‬‮«‬زوجها‭ ‬ما‭ ‬يرضاش‭ ‬حتى‭ ‬يخش‭ ‬بيت‭ ‬خوه‮»‬‭..‬

وهكذا،‭ ‬يتحوّل‭ ‬شريك‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬ثانٍ‭ ‬إلى‭ ‬حاجز‭ ‬ثالث،‭ ‬يقف‭ ‬بين‭ ‬الإخوة،‭ ‬ويقطع‭ ‬صلات‭ ‬الرحم‭ ‬بحجج‭ ‬الخصوصية،‭ ‬الغيرة،‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬سوء‭ ‬الفهم‭.‬

لكن‭ ‬هل‭ ‬الزواج‭ ‬فعلاً‭ ‬مبرّر‭ ‬لقطع‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الدم،‭ ‬والدم؟

هل‭ ‬عندما‭ ‬نتزوج،‭ ‬ننسى‭ ‬مَنْ‭ ‬كان‭ ‬يحملنا‭ ‬على‭ ‬ظهره‭ ‬ونحن‭ ‬صغارًا؟‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يقتسم‭ ‬معنا‭ ‬قطعة‭ ‬الخبز،‭ ‬ويمسح‭ ‬دموعنا؟‭.‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الحياة‭ ‬الزوجية‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬سببًا‭ ‬لتراجع‭ ‬الروابط‭ ‬العائلية،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬المفترض‭ ‬أن‭ ‬تعزّزها،‭ ‬وتجمعها،‭ ‬وتزيدها‭ ‬دفئًا،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬للأسف‭ ‬هو‭ ‬العكس‭.‬

أخ‭ ‬يمرض،‭ ‬فلا‭ ‬يجد‭ ‬من‭ ‬يسأل‭ ‬عنه‭.‬

أخ‭ ‬يُدفن،‭ ‬ولا‭ ‬يحضر‭ ‬أخوه‭ ‬جنازته‭.. ‬والسبب؟

زوجة‭ ‬منعت‭.. ‬أو‭ ‬زوج‭ ‬تحكّم‭.. ‬أو‭ ‬قلب‭ ‬تكاسل‭.‬

ومع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬يصبح‭ ‬البُعد‭ ‬عادةً،‭ ‬والخصام‭ ‬طبيعيًا،‭ ‬والنسيان‭ ‬سهلًا‭. ‬وتمر‭ ‬السنون‭ ‬حتى‭ ‬نكاد‭ ‬ننسى‭ ‬وجوه‭ ‬بعضنا،‭ ‬ونتذكر‭ ‬فقط‭ ‬وقت‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭.‬

الزوجة‭ ‬الصالحة‭ ‬لا‭ ‬تفرّق،‭ ‬بل‭ ‬تجمع‭.‬

والزوج‭ ‬الحكيم‭ ‬لا‭ ‬يعزل،‭ ‬بل‭ ‬يقرب‭.‬

أما‭ ‬الإخوة،‭ ‬فمهما‭ ‬كبرت‭ ‬المشكلات،‭ ‬وتشعبت‭ ‬الدروب،‭ ‬يبقون‭ ‬أصل‭ ‬الروح،‭ ‬وأجمل‭ ‬ما‭ ‬خلفه‭ ‬لنا‭ ‬آباؤنا‭ ‬وأمهاتنا‭.‬

لا‭ ‬تفرّط‭ ‬في‭ ‬أخيك،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬فرّط‭ ‬فيك‭.‬

ففي‭ ‬نهاية‭ ‬العمر،‭ ‬لا‭ ‬يبقى‭ ‬سوى‭ ‬الذكريات‭.. ‬والندم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى