كلـمات ..
لم يكنْ صَاخباً ولا فَوضويًا كان هادئاً كالنسيم طفولته سلسة حد السكون كان أيقونة للخلق والاحترام والترتيب متفوق في دراسته أنيق في مظهره حتى كلامه كان موزونًا كأنه رجل أربعيني رصين يحمل طاقة لا تستطيع تجاهلها، ولا تلحظ تأثيرها على محيطة وأقرانه مضت سنواته الأولى دون أن يلحظ أحدٌ أنه يكبر ويزداد طولًا وتكبر أفكاره أيضًا وخيالاته وتتهذب جمله وعبارته.
ذات صباح بحثتْ عنه والدته فلم تجده لأنه كان دائم الحضور لمدرسته، وملتزمًا بصفوفه استغربتْ تأخره للنهوض والذهاب بحثتْ عنه في المنزل في الشارع تواصلتْ مع جيرانه وأصدقائه لا أثر له
لا يمكن لإحد أن يعلم ما حجم البركان الذي يستعر داخل صدر الأم، وقلبها، ويلهب ضلوعها وكل جزء من دمها.
اشتطاتْ هاجتْ بكتْ صاحتْ تساءلاتْ كيف يمكن لذاك الملاك أن يتبخر دون أن يترك اثرًا
كيف يمكن أن يصعد إلى السماء فجأة دون أن يمنحها الله اشارة للنداء أو علامة عن اقتراب الرحيل غير انها لم تستكن لصوت اليأس وظلت أسبوعًا كاملًا تبحث عنه ليل نهار.
أحدهم رمى كلمته وذهب:
قالوا جت سيارة فيها ملثمون ومعاهم سلاح ورفعوه
قدماها المشلولتان من الصدمة استحالتا لعكازين يجوبان الدنيا بعنت وصبر ولا يسقطان دقت أبوابًا عاليه وقفت أمام مبان محصنة عليها طوق حماية وحراسة مشددة توسطت للاقتراب من مقار بمسميات مختلفة علها تجده ولكنها لم تفلح
مضت ايامها بلون كئيب مفرغ من الحياة هامة تقودها السبل الى دروب مختلفة ثم تعود اخر النهار شبه ميته تلتف حول نفسها وتتكور في فراشها كشرنقة لا ترغب في الخروج للحياة وتنام
ذات صباح قرع الباب بشدة..فتحته باعين شبه مغمضة مثقلة باليأس كان هو ذات الوجه نفس الطول والملامح واقفًا بشحمه ولحمه امامها ناداها بعبرة اختزلت كل مياه العالم في زفرة:
أمي
حضنته بعد غياب دام لأشهرلا تعلم أين كان، ومع من وما الذي حدث له وباذا سيخبرها لكنها منذ أول لحظة واحتضان شعرتْ بأنه عاد اليها روحًا أخرى ذات الملامح لكنه غريب التكوين مخيف النظرة مضطرب الكلام محترق ومغتاظ حد الجحيم قليل النَّوم شارد كمن ترك روحه في مكان ولم يجدها.