نجح المواطن هانيبال معمر القذافي نزيل سجون لبنان بعد خطفه من دمشق التي حلَّ بها لاجئًا عقب الإطاحة بنظام سبتمبر في العام الحادي عشر بعد الألفين، حيث تعرَّض لصنوف من التعذيب والبقاء دون محاكمة؛ فدخل في إضراب عن الطعام استمر فيه إلى أن حرّكَ ضمائر أشد النَّاس قسوةً عندما علموا أن التهمة التي وُجِّهَتْ إليه يعود تاريخها إلى العام التاسع والسبعين من القرن الماضي عندما اختفى بطرابلس السيد موسى الصدر أثناء زيارة قام بها للعاصمة طرابلس استُقبِلَ أثناءها من مُضيفه العقيد معمر القذافي بخيمته التي كانت طوال ذلك العهد المكان المفضّل لاستقبال كبار الزوار الذين لا يكاد يمر يومٌ إلا ويتوافدون وعلى أكثر من مستوى، إنها الزيارة ومن ثم الغيبة التي حدثت وسجين هذه الأيام لم يتجاوز من العمر ثلاث سنوات، والذي تزامن مع وصول الخميني مطار طهران وسط الأمواج الشعبية العارمة من البشر القادمين من كل حدب وصوب معلنين انتهاء عهد الشاه وفرار الدكتور شهبور بختيار آخر رئيس للوزارة الإيرانية الشاهنشاهية الذي عينه الشاه وفوضه في مقتل الخميني لولا أن مدير السافاك لم ينفذ سوى تمكين بختيار من الرحيل، والخميني من الدخول بسلام، فيبادر نظام سبتمبر ليس فقط بدعم الملالي كي يحكموا إيران، بل ولينتصروا لاحقًا على العراق، وعدم إعادة الجزر العربية التي احتلها الشاه لأن مصلحة الفرس واحدة وتقزيم الوجود العربي هو المطلوب، والمفارقات أكثر من أن تُحصى عندما بدأت بتذبذب الموقف من تونس ثم المغرب بدءًا من مساعدة الذين حاولوا تنفيذ انقلاب الصخيرات ثم الدخول في اتحاد مع المغرب وقبل ذلك مع مصر التي رافقت العهد من موقع الدعم المتبادل في سنته الأولى وعبد الناصر على قيد الحياة، فإذا ما قُدِّرَ له أن يلحق بربه ويخلفه نائبه وأحد رفاقه منذ حكمه لمصر ويضطلع بسياسة ناقضت التوجه الناصري وإن ظلَّ السادات يردّد قوله المعروف «على طريق عبد الناصر»، فعرفت مصر تصفية مراكز القوة فخوض معركة أكتوبر التي بدأت بإجبار اليهود على الانسحاب، وفتح قناة السويس، إلا أنها انتهت بإمضاء معاهدة السلام فحدث في هذا المشوار أن حدثت حرب الحدود، تلك التي ما كان لها أن تتوقف لولا تدخل الرئيس الأمريكي كارتر الذي أمر السادات بالتوقف كما عُرِفَ في حينه، ولم نتردد في الإشارة إليه في معرض تناول الحظر الجوي عندما تتالت تداعياته، ولم يكن ثمة مهربٌ من تقديم مزيد التنازلات والتي بلغت أقصى درجاتها في زمن الربيع العربي بما في ذلك الهروب في أحيانٍ كثيرةٍ إلى الأمام.
وإذا كانت نسبة الوعي في هذا الوطن الأكبر في غير ما يساعد على تبيّن الموقف الأصوب إلى الآن، والمعايير هي الأخرى لم تتحدّد كما يجب، والحكم بوجودها من عدمه هو الآخر لم يتضح بعد، وتظل محاولة الابتزاز لهذا السَجْنِ الوقح سهلة الاكتشاف، نعم أن كشف المستور في هذا الصدّد واجب وأكبر، ليس لأن هانيبال مواطن ليبي والدفاع عنه مسؤولية من مسوليات السيادة والدليل على وجودها، فأكثر من ذلك أن حبسه جزء من مسلسل يصعب وقفه ومعرفة من يشمل، فمثل هذا النّوع من الخطط الرامية لإرباك العهد لها أول وليس لها آخر وإن بدأت بأبعد الأشخاص عن حقيقة الجريمة كما حدث لهانيبال المُفترى عليه.