الإنسانُ هو معادلة اجتماعية، وثقافية، وسلوكية تتطلب مراحل التنشئة الاجتماعية وهذا العبء يقع على عاتق الوالدين والعائلة الكبيرة ومجالس العائلات، والمدرسة، والشارع.
العديد من الأسر نجحتْ في تربية أبنائهم من خلال تضافر الجهود الاجتماعية، ولكن بعضها للأسف اخفق في ذلك، وهذا أدى إلى ممارسة الأسحار وكانت النهاية هي الانتحار.
من هنا اتجهتْ صحيفة )فبراير( إلى دار الإفتاء لتسأل عن هذا الأمر من أجل تثبيت عزيمة من يشعر بمرض نفسي، أو يعتقد أنه مصاب بالسحر وتقدم له العلاج والطريق الصحيح له، حيث كان لنا شرف الجلوس والحوار مع «فضيلة الشيخ حسن سالم الشريف» عضو لجنة الفتوى بـ)الدار الإفتاء(، و محاضر بكلية العلوم الشرعية.
توجهنا ببعض الأسئلة إلى حضرته حول الظواهر المنتشرة في مجتمعنا مثل )السحر، و الشعوذة( وانتشار حالات الانتحار وذلك من أجل بث الأمان والطمأنينة في نفسية الأسرة الليبية والاتجاه إلى المصحات النفسية وقراءة القرآن الكريم.
ما الأسباب التي أدت ببعض الناس ممارسة السحر؟
لا شك أن السحر ظاهرة قديمة قدم الإنسان، وليس حكرًا على هذا الزمن. إنه ليس مرتبطًا بغلاء المعيشة أو أي عامل آخر، بل هو موجود عادة في بعض الأقوام وانتشار بين بعض الأمم، بما في ذلك الفراعنة، وكذلك فعلت أمم أخرى اشتهروا بالسحر. و أصبح السحر غرضًا يطلب، قول النبي «ص» :)كان ملِك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبِر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليّ غلامًا أعلمه السحر، قال: فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهبٌ(.
السحر من الابتلاءات التي ابتلاء الله عزوجل به خلقه فمنهم من نجح ولم يتجه إلى السحر و منهم من فشل في الاختبار واتبع طريق السحر راجياً نفع الدنيا، لكن السحر يكثر في بعض الأوقات ويضعف في أخرى ، مثلا عند ضعف إيمان الإنسان؛ يكثر تعامل النَّاس بالسحر يعتقد أن الساحر يمكن أن يعطيه حاجاته أو يبلغه مقصده وهذا ليس من الشرع في شيء ولا هو مؤثر.، قال الله تعالى: )واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون( سورة البقرة الآية «102».
المقصود أن الساحر وإن عمل عملًا ما فإن الأمر كله بيد الله عز وجل. لقد وعد الله «أهل الإيمان» بالنصر في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى: )إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد «51» يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار«52»( سورة غافر.
كيف يمكن للأسرة والمجتمع التصدي للأسحار؟
على المؤمن أن يتخذ السُبل التي تدفع عنه هذا الساحر وضرّه. ومن السُبل: أن يكون المسلم محافظًا على الصلاة في وقتها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: )إن من صلى الصبح في جماعة لا يزال في حفظ الله، ولا يظلمه أحد بذمته ما يطلبه يدركه ثم يواكبه في نار جهنم(، وأن يحافظ المسلم على أذكار الصباح، والمساء.
جاء في الحديث النبوي الشريف: «من أصبح فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم»، لا يضره ذلك اليوم سم ولا سحر. ومن تصبح بسبع تمرات من العجوة، وأن يحافظ على تعلقه بالله سبحانه وتعالى، والتوكل على الله. والتوكل أن يأخذ العبد بالأسباب، فقد وعد الله عز وجل المتوكلين أن يبلغهم مَقْصُودهم.
قال الله سبحانه وتعالى: )من يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بلغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرًا(.
هل السحر يمكن أن يلحق الأذى بالمسلم؟
وصف القرآن الكريم كيد الشيطان بالضعف، فقال تعالى: )إن كيد الشيطان كان ضعيفا( سورة النساء الآية رقم «76».
على المؤمن أن يعلم أن كيد الشيطان ضعيف، وما على المؤمن إلا الثقة في قدرة الله سبحانه وتعالى وكرمه، وأن ينجو بأذن الله سبحانه وتعالى.
والسبل كثيرة في دفع مثل هذه المسائل. ولكن على الناس الانتباه في هذا الزمن إن السحر قد ضُخِّم أمره وفُخِّم حتى تجاوز به الحد ، لو كان الساحر يفعل ما يريد لوجدنا السحرة رؤساء وأغنياء ومن أصحاب السلطان، بل وجدناهم في الحقيقة عبيدًا لأهوائهم ورغباتهم ومع ذلك هم مكبوتون ومبذولون مثل الخلق، حتى أصبح السحر شمعةً يُعلَّق عليها الأمور. كلمة وثانية يطلق الرجل زوجته، ويقول الرجل إنه كان مسحورًا، يفعل ما لا يفعله الإنسان العاقل ويقول إنه مسحور، وما أدراك أنك مسحور حتى صارت المحاكم تعلم أنك مسحور أم لم تسحر؟ هذا كلها أصبح شمعة، وضُخِّم أمره فوق المعتاد، أصبح شيئًا يخيف الناس، يخافون منه وهو لا يخيف.
نحن ذكرنا: )َمنْ يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بلغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرًا جعل السحر قدره( .
كيف يعرف الإنسان أنه مصاب بالسحر؟، وما الفرق بين المصاب بالسحر والمريض النفسي؟
هذه مسألة لمكان ما سُمي السحر سحرًا إلا أنه شيء مخفي. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «رأسي والسحر»، والسحر هو ما بداخل البدن والرئتين.
فالسحر بمعنى الخفاء وهو أمر مخفي، لا يمكن للإنسان أن يعرف أنه مسحور أو غير مسحور، ولكن الإنسان الذي يعرفه هو المتعلق بالله سبحانه وتعالى، وأن يحافظ على الأسباب الدافعة للسحر.
هل هناك مراكز لعلاج من الأسحار في ليبيا؟
هذا لا اعرفها و هو من الصعوبة بمكان.
بعض الناس يزعمون بأنهم يذهبون إلى فلان ليعالجوا من السحر ماذا تقول في هذا؟
الشرور من هذا كثيرة ، نحن لا ننكر أن هناك من يمكنه أن يدفع عن الناس الضر ويجعله الله عز وجل وسيلة لدفع الضرر، بأن يقرأ عليهم القرآن الكريم والرقية الشرعية التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذا أمر معمول به من قديم عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل الدعوة الإسلامية كانت هناك أنواع من الرقىَ .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: « اعرضوا عليّ رقاكم».
الرقية جائزة في أصلها ولكن وجدنا هناك إساءة استخدام لها فأصبح الإنسان يضع على الرقية الشرعية مضامين مشكوك فيها وغير مؤكدة، ويأخذ أموالًا طائلة من ورائها.
ودخل العلاج فوجدنا من لا يخاف الله سبحانه وتعالى في مؤمن ولا ذمة، فكثرت الأخطاء والأغلاط.
ونحن نحذر الناس بأن لا يتركوا صبيًا أو صبية أو بناتهم لوحدهم مع المعالجين، وأن يكونوا على دراية وفطنة وانتباه، فالشيطان يجري بين بني آدم مجرى الدم.
هل هناك قانون ضد السحرة والمشعوذين؟
القانون، من القديم، موجود في اللوائح المعمول بها.
من اشتهر أو عرف عنه ممارسة أذية إنسان أو التكلم في إنسان، لا شك هناك قانون.
لا يستطيع الإنسان أن يظهر بهذا الصنع وعمله كله في الخفاء، وإن كان مسموحًا بالسحر علنًا، وإنما السحر هو في الخفاء، إذن عرف الساحر أن هناك من يمنعه. صدر في المدة الأخيرة قانون من البرلمان اعتراضًا على ما يجري من هذه الأمور وهو قانون ضد السحرة والمشعوذين، وهو قانون يصرف الكثير من الناس عن الذهاب إلى السحرة ويخيف السحرة والمشعوذين من ممارسة السحر.
كلمة في الختام:
الحقيقة، الإنسان عندما يكون منعزلاً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشيطان ما أضر على المؤمن»، الإنسان المنعزل يكون الشيطان أقرب إليه من غيره، فالإنسان اجتماعي بطبعه.
وإذا علم الإنسان من نفسه حُب الوحدة عليه أن يسعى للخروج من هذه الوحدة بالتجربة، ويذهب إلى العلاج. هموم النفس كثيرة جدًّا، وهناك أطباء نفسيون متخصصون في علاج مثل هذه المسائل في المراكز المتخصصة. وإن عجز عن دفع الوساوس وحب العزلة والانطواء، فإن الانطواء هو عيب وليس أمرًا صحيًا.