للمرة الثالثة يختار الدكتور فاتح بن قدارة، القبيلة ودورها في بناء الدولة موضوعًا لمحاضرته التي شارك بها في اللقاء الأسبوعي الذي يلتزم به حزب السلام والازدهار ضُحى كل يوم سبت، مُرَحِّبًا بكل من يبدِ استعداده من المهتمين ولا سيما أصحاب الاختصاص للمساهمة بمن في ذلك غير المقيمين بطرابلس، وقد أسعدني أن كنت في الثاني عشر من نوفمبر بين الذين أنصتوا لهذا الصوت الجامع بين التكوين الأكاديمي والانفتاح على الجهود المنشغلة بالكيان الوطني ودور القبيلة في بنائه أو العكس، وبالذات ما نُشِرَ بالصحف والمجلات والكتب مع ازدهار النشر في ستينيات القرن الماضي وآخر خمسينياته، أي منذ انبعاث المد القومي وتياراته التي كثيرًا ما قللت من جدوى أولوية الهوية الوطنية ولا سيما الليبية ولم نتردد أحيانًا في شيطنة النزعة الأممية بشقيها اليميني واليساري ولا سيما النقد الذي جاهر به بعض الذين رأوا في المشروع الوحدوي غير المدروس والمرتكز فقط على الزعيم المتفرد والذي كثيرًا ما ينتج وجوده والسير بركبه للكثير من ذوي المصالح الخاصة ما يمرروا به مشاريعهم ويخفوا به سيئ نواياهم ريثما يحين الوقت للانقضاض على المُنجز، بعد أن أفلحوا في التمهيد لجريمتهم بالعمل في الخفاء كما حدث مع الوحدة المصرية السورية في آخر الخمسينات والتي لم تقف الخسارة بانفكاكها في العام الحادي والستين وحسب، بل تضاعفت الخسارة بحرب الأيام الستة وما تلاها من الإخفاقات التي تراكمت حتى حلَّ الربيع العربي وزوابعه، تلك التي باتت تهدد بعض الكيانات العربية في وجودها وهي لم تتنبّه إلى ما يتدفق عليها من حدودها، أي البشر الذين يغرون بانخفاض أجورهم مرة، والمتاجرة بتهريبهم مرات، وقد صرت كبير الاطمئنان بما أضهره المحاضر من الوعي لما دأبَ على ترديده أكثر من زعيم عربي أو وزير يعمل بحكومته حول ما يمكن أن يُثار حول حدودنا والتي لا تستهدف غير المعادن، إذ مع المصالح لا أهمية للجيرة ولا أُخوَّة الدم، وفي سوابق التاريخ التي بدأت مع هتلر وتنتهي اليوم ببوتِن، لا يُستبعَد أن يأتي مع السوء ما يأتي، فإن قال قائلُ بأن الاتفاقيات الدولية والتصديقات الضامنة تشكل مانعًا، فلا شك أنه يتخذ مما يتمناه واقعًا، ومن الواقع الملموس في حكم الاموات، ولا شك أن ما شهده تاريخنا المعاصر والذي رافق تحديدًا قيام الدولة وبالأحرى التوجه نحوها عقب انسحاب تركيا من المعترك الدولي بالتخلِّي عن بلادنا لإيطاليا، يذكر ضمن ما يذكر موقف الخديوي المصري عباس من الغزو الإيطالي كما حملت مذكرات السياسي الإيطالي جيوليتِّي أثناء الغزو الإيطالي، تلك المذكرات التي ترجمها وقدَّم لها الأديب الراحل خليفة التليسي في سبعينيات القرن الماضي وحرص على أن يمرر فيها تحذيره من مخاطر المقايضة السياسية والتي يخشى عادة من عدم الانتباه إليها كلما قُدِّرَ للحس القومي أن يعلو على ما سواه مما كان يمكن التذكير به في التعقيب الذي أمكن الإسهام به عقب فراغ المُحاضر من عرضه بين جملة التعقيبات لولا ضيق الوقت، فكان من الضروري أن نختتم به ما تيسر أملًا في عودة قادمة من شأنها التوسع وتحفيز كل ذي رأي أن يدلي بما لديه حول القبيلة والوطن، وخطر التجاهل وطريق جهنم المفروش دوما بالنوايا الطيبة.