
في كاباو كان عمي البراح يعلن عن وقت الأفطـــــــــــــــــار .. وفي المدينة القديمة مدفع الأفطار
كان العطر بخور وتوابل والمسحراتي يجوب الأزقة حتى يتسحر الناس
كانت الموائد بسيطة لكنها عامرة بالخير والبركات
تتميز كل منطقة من مناطقنا الحبيبة بعاداتها في شهر رمضان بكل التفاصيل التي تختص هذا الشهر الكريم ..
بين عبق الماضي وتنوع الحاضر تجولنا بين عدة مناطق حيث سردتْ لنا بعض الشخصيات كيف كان رمضان والتجهيزات التي تصاحب استقباله، عادات مازالت وعادات غابت، ومع ذلك يظل استقبال شهر الخير عادة لا يستغني عنها المجتمع الليبي فهيا بنا نبحر عبر حكايات تلك المناطق ..
نوري عمرو الرويمض
مهتم بالإرث الثقافي- كاباو
شهرُ رمضان الكريم في مدينة «كاباو» له طقوسٌ تحكمها طبيعة المنطقة وتنظمها العلاقات الاجتماعية المترابطة في المدينة ويجمعها مسجدها العتيق عند كل صلاة.
حين يرتفع أذان صلاة المغرب ونظرًا لاتساع القرية وعدم وجود مكبرات الصوت في ذلك الوقت يرتفع قرب القصر صوتٌ مجلجل لرجل يسمى «البراح» يعلن عن الافطار بكلمة «إيحل إيحل» أي حل الإفطار، ثم يعيد تكرارها الأطفال من كل مكان وفوق كل تبة عالية لينتشر صداء تلك الأصوات حول تلك التلال، ويسمعها الجميع فيبادر الصائم بالافطار وهو عبارة عن «تمر أو تين وحليب وبسيسة» وبعد الصلاة يتناولون وجبة الافطار التي عادة ما تكون بازين، أو خبز التنور بمختلف أنواعه «شيرشي»، أو «امخمر»، أو «خبز شعير».
ما يميز هذا الشهر هو تبادل ارسال ما تيسير من الافطار بين الجيران وما ينتج عن ذلك من احترام الجيرة وتوثيق علاقات التواصل بين سكان المنطقة.
في المسجد تكتظ حركة المصلين وتقدم الصدقات للمحتاجين وموائد الافطار لعابري السبيل وتتوالى الدروس وحلقات القرآن في أجواء مفعمة بالإيمان.
في السحور عادة ما تكون الوجبة بازين باللبن ويسمى بالأمازيغي «ارواي ناغي» ومعه حليب أو لبن وتمر وتين مع بسيسة.
هكذا كانت تمر الأيام سريعًا حتى تقترب ليلة القدر حيث يزداد تكاتف الناس في المسجد العتيق والاهتمام بزكاة الفطر وتوزيعها على المحتاجين وتزداد في ليلة القدر الموشحات الدينية والصلاة حتى الفجر.
أما في صلاة عيد الفطر يرتدي جل السكان الملابس التقليدية وهي صناعات تقليدية تحاك داخل المدينة بألونها الزاهية وهي «الحولي الأبيض» و«الوزرة الحمراء» للرجال، و«الوزرة البيضاء»، و«الحمراء» و«الشخماء» للنساء.
يلتقي الرجال في المسجد العتيق لصلاة العيد بعدها يفترقون للمعايدة وزيارة الاقارب والاحباب.
تلك هي طقوس شهر رمضان الكريم في مدينة كاباو..
ابتسام الميلادي – سكان المدينة القديمة طرابلس
نحن سكان المدينة القديمة لنا عادات وتقاليد متبعة لاستقبال الشهر الكريم وعلى مر العصور توارثنا عادات وتقاليد تشمل «التراث ـ التسامح ـ العلاقات الاجتماعية ـ والشعائر الدينية التي منها شعائر شهر رمضان» ثم توارثها أبناؤنا.. فنحن دائمًا نعتمد في صومه على رؤية الهلال من عدمه؛ ففي القديم كان الناس يترقبون الهلال، وذلك بأن يصعد أحدهم إلى أعلى جبل ليتمكن من الرؤية ويكون هذا الشخص معروفًا في قومه بالصدق وعندما تتأكد رؤية الهلال يتم الإعلان عن قدوم أول أيام الشهر المبارك وكانت هذه المهمة غالباً ما توكل للمشايخ في المساجد وبعدها تولت أمرها دائرة الأوقاف وأصبح الهلال الآن يقاس بعمليات حسابية فلكية تبين ولادته من عدمها .
طريقة إعداد الطعام مختلفة عن سائر الأيام حيث يشتهي الصائم أصنافًا عديدة وعند دخول وقت المغرب يبدأ الجميع ينتظرون انطلاق مدفع الإفطار الذي يبين انتهاء يوم من أيام رمضان ويشرع لنا بداية الفطر في ذلك اليوم..
ومدفع الإفطار كان مميزًا؛ حيث كان الناس في طرابلس يسمعونه من وراء جدران السراي الحمراء عندما ينطلق المدفع منبهاً أهالي المدينة بوجوب الفطر لدخول وقت المغرب.
مائدة رمضان تختلف عن موائد الأيام العادية المائدة الأولى تكون خاصة بالحلويات وفيها يكون «التمر واللبن والحليب» بالإضافة إلى «العسلة والزلابية والشامية»، وهذا يكون كتحلية قبل الصلاة، والمائدة الثانية هي مائدة الإفطار الرئيسة وتكون منَّوعة وتشمل أصنافًا عدة من الطعام ويكون الطبق الرئيس فيها «الشوربة بلحم الخروف».. بالإضافة إلى أصناف أخرى مثل «البوريك والمبطن، والكفت،ة والضولمة»؛ حيث تلتم العائلة على مائدة واحدة ويعيشون أجواءً رمضانية مرحة ولا ننسى في الليل أطباق المهلبية والخشاف.وأمام جامع محمود تقام موائد الرحمن موائد نقدمها للغريب، وعابر السبيل وهذه ميزة يتميز بها كل أهالي المدينة القديمة، وكذلك يقوم الأهالي بتقديم الفطور لدوريات الشرطة، والمرور الذين لم يغادروا أماكن عملهم، كذلك هناك موائد إفطار تكون في المساجد حيث يقدم «الحليب واللبن والشامية والحلويات»، والأكل الطرابلسي الشهي ولا ننسى عادة المسحراتي ذاك الرجل الذي يقوم بتنبيه الناس لموعد السحور في مدينة القديمة؛ حيث كان الناس ينتظرون قدومه وقرعه لأبواب بيوتهم معلناً لهم بداية السحور قبل أن يبدأ الفجر وكان المسحراتي يجوب طرقات المدينة حاملاً بين يديه طبلًا يدق عليه وينشد بصوت مرتفع :
)أصحى يا نايم .. وحد الدايم(، وكان يقول أيضاً
)سهر الليل يا سهر الليل( .
مساجد مدينة طرابلس كثيرة ومتعدَّدة منها مسجد جامع محمود، ومسجد الناقة، ومساجد عديدة، وعريقة والعتيقة التي تفتخر بها مدينة طرابلس .. وتقوم هذه المساجد في رمضان بتهيئة المكان وتوسعته لاستقبال أعداد كبيرة من المصلين لأداء صلاة التراويح، والقيام بالإضافة إلى أنها تقوم بالإعداد للمسابقات الدينية في التلاوة الذكر الحكيم.
الشارع الطرابلسي في رمضان نستطيع وصفه بالهادئ جداً أثناء الفترة الصباحية وأغلب المحال التجارية مغلقة ولا تفتح أبوابها عادة إلا بعد صلاة الظهر مع التنويه إلى أن هذا الهدوء سرعان ما يتحول إلى زحمة وربكة مرورية في النصف الأخير من رمضان.
أما الشارع في الليل فإنه شارع حركي ممتلئ بالصخب والضجيج وفيه الناس الذين يسيرون على أرجلهم لدرجة الربكة في السير وممكن وصفه بأنه شارع لا ينام خاصة في «باب الحرية» بعد المنتصف من شهر الصيام حيث يبدأ الناس في التجهيز للعيد وشراء ملابس العيد لابنائهم وقبل العيد نتبادلون التهاني والتبريكات لحلول عيد الفطر المبارك.
نعيمة سلامة – الزاوية
الاحتفال بالسحور والإفطار كان الناس يقومون بتجهيز السحور والإفطار معًا في المساجد والمنازل.
وكانت التراويح تُقام في المساجد وتُؤدى بعد صلاة العشاء.
الزكاة والصدقة كان الناس يوزعون الزكاة والصدقة على الفقراء والمحتاجين.
كانت هناك القصص والأساطير التى تُروى في الليل بعد صلاة التراويح.
التغييرات في الحاضر
أصبحت التكنولوجيا تلعب دورًا مهمًا في الاحتفال برمضان، حيث يمكن الناس الآن تتبع أوقات الصلاة والصوم عبر الهواتف الذكية.
وأصبحت البرامج التلفزيونية تشكل جزءًا مهمًا من الاحتفال برمضان، حيث تقدم برامج متنوعة مثل :
المسلسلات والبرامج الدينية.
وأصبح التواصل الاجتماعي وسيلة مهمة للتواصل مع الأهل والأصدقاء خلال رمضان.
التغييرات في التقاليد الغذائية أصبحت الأطعمة الحديثة والمعاصرة تشكل جزءًا من مائدة الإفطار والسحور.
التأثيرات الإيجابية على المجتمع يمكن أن يؤدي رمضان إلى تعزيز الروح المجتمعية والتواصل بين الأفراد.
في الختام، يمكن أن نرى أن الموروث الشعبي في رمضان بين الماضي والحاضر يظهر التغييرات التي حدثت في التقاليد والاحتفالات خلال شهر رمضان المبارك.
يجب علينا أن نحرص على الحفاظ على التقاليد القديمة والاحتفاظ بها في الوقت نفسه مع التكيف مع التغييرات الحديثة..
عائشة معتوق – رئيس جمعية )البيت الأصيل( :
مناطق الجنوب عاداتها وتقاليدها لا تختلف كثيراً عن مناطق الشمال، دائماً ما نقوم بالاستعداد والتجهيز منها :
«الروينة والسويقة والفتات الجاف» الذي يرطب بالطبيخة، وكذلك تجهيز البهارات قبل دخول الشهر، ليلة دخول رمضان اسمها ليلة «القرش» مازال بعض العائلات يتعشوا مع بعضهم في هذه الليلة،وهي عادة قديمة قلت شوية ودخلت المدنية للمنطقة.
الافطار عبارة عن «تمر وحليب وسحلب» الحلويات دخلت حديثاً.
بعدها تأتي المائدة عليها أكلات منها: البراك والمبطن، وكانت الكفتة قديماً ولكنها تحتاج لكثير من اللحم وطبعاً سعره غالٍ لهذا استبدل بالمبطن شوية لحم «يمشي الحال»
السحور كل امرأة واجتهاداتها منهن من يجهزن المكرونة، والعصيدة ..
بعد صلاة التروايح يسهر الناس في اللمات العائلية ويقام كذلك إفطار جماعي وصولاً إلى ليلة القدر الكل يحتفل بها وتتجمع العائلات مع بعضهم..
وصولاً لليلة العيد وهي ليلة لا ينام فيها الناس ويتم فيها تجهيز ملابس العيد وتجهيز الحلويات والعصائر وتقام التكبيرات وصلاة العيد ويتم استقبال الضيوف ليعيدوا على بعض وهذه بعض العادات لأهل الجنوب .
إيمان نصر خير :
رمضان زمان، كانت البيوت تتزين بالفوانيس الورقية الملونة، وتنبعث منها رائحة البخور والياسمين.
كانت الأسواق تعج بالحركة والنشاط، وتفوح منها رائحة التوابل والحلويات الرمضانية التقليدية.
والموائد الرمضانية بسيطة ومتواضعة لكنها عامرة بالحب والبركة كان الناس يتشاركون الطعام مع الجيران والأصدقاء، ويتبادلون الأطباق التقليدية، والمساجد تكتظ بالمصلين في صلاة التراويح، وتصدح حناجر المقرئين بتلاوة آيات الذكر الحكيم.
كان الأطفال يرتدون ملابسهم الجديدة، ويحملون فوانيسهم، ويجوبون الشوارع فرحين بقدوم الشهر الفضيل.
كان المسحراتي يجوب الأزقة والحواري، وينادي بأعلى صوته لإيقاظ الناس لتناول وجبة السحور، الأسر تجتمع حول مائدة السحور، وتتبادل الأحاديث والضحكات، وتستعد ليوم جديد من الصيام والعبادة.
رمضان زمان، شهر الخير والبركة، شهر يذكرنا بقيمنا الأصيلة، ويجدد فينا روح الإيمان والتقوى.
رمضان زمان، ذكريات لا تُنسى، وعادات وتقاليد ترسخت في وجدان الأجيال..
عاشور سعد – مهتم بالتراث من مدينة درج :
أهل درج يستعدون لشهر رمضان الكريم منذ بداية شهري رجب وشعبان لانهما مكملين لشهر رمضان.
الاستعداد يكون كاملًا من الناحية الدينية، والنفسية بالذات للأطفال الصغار الذين يصومون أول مرة وهذه تعد نقطة أساسية لاهل درج.
كذلك منهم من يصوم أيامًا من شهري رجب وشعبان ..
عن تحري رؤية هلال رمضان
زمان لا يوجد إذاعات مرئية كان هناك خمسة أشخاص عندهم «راديو» فقط واذا سمعوا عن دخول شهر رمضان يبلغون الناس والبعض يقوم بتحري الهلال من قبل مغرب آخر في شعبان ..
قديماً كان أهل درج تلمهم المدينة القديمة بدرج حيث كانت الطرق قريبة لبعضها وتجمعهم صلة القرابة والرحمة والحنان، كل شي يأتي من «السانية» من المزروعات الشتوية، والصيفية.
في شهر رمضان كانت الحياة بسيطة فيها لمة العائلة الكبيرة، من أهم المؤكلات هي توفير الحليب والتمر والبسيسة والقصب ويعمل منه حساء خاصة في موسم الشتاء ومن الوجبات الرئيسة البازين وطبيخة اللوبيا والباميا والملوخية وهي من المحاصيل الزراعية بدرج وتوجد كذلك محاصيل أخرى من السانية مثل :
الطماطم والفلفل وبعض المحاصيل تجفف للمواسم الأخرى.
تعد نساء العائلات الوجبات حيث إنهم يلمهم بيت واحد وبهذا تجهز مائدة للرجال وأخرى للنساء بعد أن يصلي الرجال في الجامع حاملين معهم بعض حبات من التمر بعدها الوجبة الرئيسة حساء القصب، الأطفال الصائمون لاول عام لهم وضع خاص بالاهتمام ..
بعدها يخرج الرجال لصلاة التروايح ومنهم يصلون في البيت مع عائلاتهم بعد الرجوع من الجامع تجمعهم مع العائلة الأب والاخوة سفرة فيها مؤكلات أخرى.
السحور كذلك يجتمعون عندما يسمعون المسحراتي وهي عائلة معروفة في درج حيث مازال يقوم المسحراتي بهذا العمل إلى يومنا هذا يجوب الشوارع حتى يتسحر الناس، طبعاً في يوم 27 رمضان له طباع خاص عند أهل درج يقومون ليلة القدر بالعبادة والصلاة والدعاء ..
اليوم أصبح رمضان لا يختلف عن باقي المدن الليبية خاصة المائدة الرمضانية مع دخول المعلبات وغيرها من المستلزمات الموجودة في الأسواق ..