سوء الفهم هو المعضلة الكبرى و الداء الفكري المزمن الذي تصاب به أنصاف عقول بعض البشر . فقد كانوا ضحية تعليم متردٍ و تجربة في الحياة ضحلة أو أنهم لم يحيوا تجربة حياة على حقيقتها . مما اوقعهم سوء الفهم هذا في خصومات لا طائل منها . و عداوات لأسباب تافهة . فصار الصديق عدوا و القريب بعيدا غريبًا ؛ فتفسّخ نسيج المجتمع بل أخرج بعضهم من دائرة الدين فوقعوا فريسة الإلحاد بين مخالب الكفر . فتفرّق الناس أيدي سبأ وظهرت الملل و انتشرت البدع وكثرت السبل . كل ذلك من سوء فهم المتلقي للنص بصورته و أنواعه المختلفة
فالنصّ الديني له أهله ، و علماؤه ، والنصّ القانوني له أهله و فقهاؤه ، و النصّ الأدبي له أهله و نقّاده . و الناس في ذلك متفاوتون في قوة الأذهان كما هم متفاوتون في قوة الأبدان . ومن إحدى الكُبر أن يتكلم رويبضة في غير فنه . فنجد من لا يجيد القراءة والكتابة ولا يعلم من قواعد العربية حبة خردل يتكلم في الشعر والنقد . و آخر لا يحفظ من كتاب الله تعالى آية و لا حديثاً عن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ و لا نصف حديث يتكلم عن السنن و البدع والحلال والحرام .
أعتذر لأصحاب الرؤوس الصغيرة والخفافيش التي لا يمنحها ضوء الشمس فرصة للرؤية البصرية فضلا عن الرؤيا البصيرية . و أكرر اعتذاري لهم لأنني لم أكن أعلم قدر هذا الحجم و الخرق المتسع على راقعه من سوء فهمهم للنصوص التي أكتبها من شعر و غيره .و. كثيرا ما كان يعزّيني قول أبي الطيب المتنبي :
وإذا خفيت عن اللئام فعاذر
ألّا تراني مقلة عمياءُ
وقول البحتري :
أهز بالشعر أقواما ذوي وسن
لو أنهم ضربوا بالسيف ما شعروا
علي نحت القوافي من مقاطعها
وما عليَّ ألّا تفهم البقر .