رأي

من النيهوم والكوني إلى الكندر وبنات السلطانة

محمد الرحومي

ليبيا‭ ‬ليست‭ ‬بمنأى‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تأثيرات‭ ‬اجتماعية‭ ‬أو‭ ‬ثقافية‭ .. ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬وبطبيعة‭ ‬الحال‭ ‬خاضعة‭ ‬للتغيرات‭ ‬وانعكاسات‭ ‬انفلات‭ ‬النمط‭ ‬السلوكي‭ ‬المجتمعي‭.‬

‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬من‭ ‬ظواهر‭ ‬وصفت‭ ‬بأنها‭ ‬غريبة‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬المألوف‭ ‬هي‭ ‬ظواهر‭ ‬موجودة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأخرى‭.‬

نحن‭ ‬كمجتمع‭ ‬مهما‭ ‬كنا‭ ‬محافظين‭ ‬نظل‭ ‬عرضة‭ ‬للتأثيرات‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬المجالات‭ ‬لأننا‭ ‬جزءٌ‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬تتفاعل‭ ‬وتتغير‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬تطور‭ ‬تقني‭ ‬والذي‭ ‬ينتج‭ ‬عنه‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬الثقافات‭ ‬والسلوك‭.‬

المجتمع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬التأثيرات‭  ‬أصبح‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬التقنية‭ ‬والوسيلة‭ ‬الاعلامية‭ ‬المتطورة‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬جليس‭ ‬الكتاب‭ ‬ورفيق‭ ‬المكتبات‭.. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ذلك‭ ‬القاريء‭ ‬المجتهد‭ ‬الذي‭ ‬له‭ ‬قراءات‭ ‬متفردة‭ ‬في‭ ‬القصيدة‭  ‬التقليدية‭ ‬أو‭ ‬النص‭ ‬الروائي‭ ‬لأدباء‭ ‬الامريكيتين‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬النخب‭ ‬التي‭ ‬حبست‭ ‬أنفاس‭ ‬القراء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬نصوصها‭ ‬وإبداعها‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬ذكرى‭ ‬واطلال‭ ‬يتضاءل‭ ‬ظلالها‭ ‬وسط‭ ‬الساحات‭ ‬الحالية‭..‬

لن‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬مثلا‭ ‬عشر‭ ‬شباب‭ ‬مصنفين‭ ‬بأنهم‭ ‬متابعين‭ ‬جيدين‭ ‬لإصدارات‭ ‬ماركيز‭ ‬أو‭ ‬آرنست‭ ‬همنغواي‭ ‬أو‭ ‬حنا‭ ‬مينا‭ ‬مثلا‭.‬

في‭ ‬حين‭ ‬هناك‭  ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثلاثة‭ ‬ملايين‭ ‬متابع‭ ‬للكندر‭ ‬و‭ ‬بنات‭ ‬السلطانة‭ ‬أو‭ ‬عبدالرزاق‭ ‬البكوش‭ .. ‬وهو‭ ‬عدد‭ ‬يتقارب‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬ليبيا‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الصفحات‭ ‬ليس‭ ‬بها‭ ‬أي‭ ‬محتوى‭ ‬يضيف‭ ‬لمتابعيها‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬فائدة‭ .‬

أيضا‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬عشر‭ ‬شباب‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬من‭ ‬يكون‭ ‬علي‭ ‬صدقي‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭ ‬أو‭ ‬الكوني‭ ‬أو‭ ‬النيهوم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاسم‭ ‬فقط‭ ‬وبنسبة‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬الشباب‭.. ‬ثق‭ ‬تماماً‭ ‬أنك‭ ‬لن‭ ‬تجد‭ ‬ثلاثة‭ ‬تفاعلات‭ ‬في‭ ‬صفحتك‭ ‬الشخصية‭ ‬عبر‭ ‬الفيسبوك‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬شاشة‭ ‬التيك‭ ‬توك‭ ‬لو‭ ‬حاولت‭ ‬تحريك‭ ‬مشاعر‭ ‬الشباب‭ ‬الليبي‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬قضية‭ ‬أدبية‭ ‬أو‭ ‬ثقافية‭ ‬وحتى‭ ‬صحفية‭ .. ‬في‭ ‬حين‭ ‬باستطاعة‭ ‬بنات‭ ‬السلطانة‭ ‬مثلا‭ ‬أن‭ ‬تجمع‭ ‬ما‭ ‬يتجاوز‭ ‬آلاف‭ ‬التفاعلات‭ ‬لحوار‭ ‬سجلته‭ ‬بالصدفة‭..‬

هذه‭ ‬التغيرات‭ ‬في‭ ‬الذائقة‭ ‬وفي‭ ‬الاهتمام‭ ‬وفي‭ ‬المستويات‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬تخضع‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬ليس‭ ‬لكونها‭ ‬مجرد‭ ‬ظاهرة‭ ‬عارضة‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ضريبة‭ ‬ترتيبات‭ ‬تقنية‭ ‬للتغيير‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬ثقافات‭ ‬وسلوكيات‭ ‬المجتمعات‭ ‬وليبيا‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬دون‭ ‬شك‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى