
شهدت ليبيا الجمعة 12/12 افتتاح المتحف الوطني الليبي في خطوة ذات دلالات ثقافية ووطنية عميقة، تتجاوز بعدها الاحتفالي إلى كونها فعلاً رمزياً لاستعادة الذاكرة التاريخية وتعزيز الوعي بالهوية الوطنية في مرحلة دقيقة من تاريخ البلاد. فالمتحف، بوصفه مؤسسة معرفية وثقافية، لا يقتصر دوره على عرض الآثار، بل يُعد فضاءاً جامعاً لتاريخ ليبيا الممتد عبر مئات السنين من التراكم الحضاري والإنساني.
يهدف المتحف الوطني إلى إبراز التطور التاريخي والحضاري الذي عاشته ليبيا، منذ العصور القديمة مروراً بالحضارات المتعاقبة التي تركت بصماتها في الجغرافيا والثقافة وأنماط الحياة، وصولاً إلى تشكّل الدولة الليبية الحديثة. ومن خلال عرض المقتنيات الأثرية والتاريخية الثمينة، يقدّم المتحف سردية متكاملة عن عبق التاريخ الليبي، تعكس تنوعه الثقافي ووحدة مجاله الحضاري، وتُجسّد العلاقة الوثيقة بين الإنسان والمكان عبر الأزمنة.
كما يضطلع المتحف بدور تربوي وتوعوي محوري، يتمثل في تذكير الأجيال الحالية والمستقبلية بإرثهم الثقافي والوطني، وتعزيز الوعي الجماعي بأهمية الوطن وقيمته الرمزية والتاريخية. فاستحضار الماضي ليس حنيناً إليه بقدر ما هو توظيف واعٍ له في بناء الحاضر واستشراف المستقبل.
وفي ظل حالة الوضع الراهنة التي تعيشها البلاد، يمكن لهذا الصرح الثقافي أن يُسهم في تحقيق قدر من التلاحم الوطني، عبر ترسيخ فكرة أن الليبيين يشتركون في تاريخ واحد ومصير واحد، وأن اختلافاتهم السياسية والفكرية لا تلغي وحدة الجذور.
إن افتتاح المتحف الوطني يجب أن يكرّس مفهوم أن ليبيا ليست كياناً طارئاً أو حديث العهد، بل هي نتاج تراكمات تاريخية طويلة، أسست لبلدنا المعاصر منذ الاستقلال وحتى حاضره الراهن، رغم ما يواجهه من تحديات ومعوقات تهدد كيانه ووحدته. ومن هنا، يغدو المتحف رسالة وطنية بليغة مفادها أن حماية التاريخ هي خطوة أساسية لحماية الوطن.
