شعرة العقل
أمين مازن
لم أتوقف كثيراً أمام عبارات الإطراء التي غمرني بها مُحاوري و نحن نخوض في أداء أحد مجايلينا بنظرة لا ترى فيه الشر كله بل و ترى فيه جانباً خيراً لم يجد معها صاحبي سوى مقابلتها بكل ما امتلك من الرفض و الإدانة لذلك «الفاشي» كما وصفه و الإستهجان لما لاحظه من بقايا التعاطف إذ ختم التقاطع في الرأي إلى المضي في استنفاذ الوقت المقرر للقاء، فكان من كرم مُحدثي أن أكبر ما وصفه برحابة الصدر، و لم يأتِ عدم توقفي هذا بسبب عدم انتشائي بذلك الإطراء لكوني من غير الساعين إليه، و إنما لأنني كنت مشغولاً بما هو أكبر و أَعَم من الأسماء و المرحلة و المستهدف من اللقاء و ما إذا كان يمكن لمثل هذا الموقف الرافض و المُصرّ على التوقف عند ممارسة مضى عليها في حساب الزمن ما تجاوز الأربعة عقود، تَنَقّلَ فيها المعني في عديد المواقع التي كان أكثر توفيقاً و أجود مساهمة من عديد الذين نافسوه أو نافسهم و إن يكن كان فيهم أكثر سلبية لولا أنه لم يُحرَم فضيلة المراجعة و التراجع، حتى أنه بقى حيث هو طوال الأحداث، فلم يسع لإقحام غيره و لم يدّعِ الإنشقاق المثير، و إنما ظل حيث هو على كثرة التنقلات التي تعرض لها، فلم يُعرَف له تخطيط و لم يُعرَف عنه كيف انتهى لتعدد الروايات و تنازع أطراف الصراع الذي كان من نتيجته كما ردد أكثر من متحدث أن المختلفين على أسره قرروا الإجهاز عليه على أن يفوز به طرف واحد !، هي لحظة على الرغم من دراميتها إلا أنها لم تكن مثار ما بدا عليَّ من ضيق لما خاض فيه محدثي في ذلك الضحى من الإدانة التي قلل من تأثيرها الإنفعال، كل ذلك بعد أن أعاد اللغات إلى الدراسة و أعطى الأولوية لمن يحمل الطباشير و جاء بمنهج سنغافورة الذي لم يُقرّه عليه دُعاة الجمود وأعداء التقدم من داخل الدائرة، لقد كان هذا في ذاكرتي وأكثر منه وأنا أضيق ذرعاً لتناول محدثي غير الموضوعي، أما الذي كان أكثر من ذلك كله دعوة لعدم التوقف، هو أن الحوار كان في جلسات جمعيتنا الباحثة عن مقر..! و مع ذلك ما يزال محدثي «والمصطلح بالمعنى الأكبر في المكان» يتبنّى رفض كل الذين أخطأوا في ذلك الزمان و الذين هم الآن أقرب إلى مُحدثي و من يماثله في التوجه و الممارسة، و ليس له إلا أن يقبل بهم ففيهم من يقول تقدم صفوفنا و ليس الذي يقول «صلِّ معنا ولا تصلِّ بنا» فكيف إذا كان مجلسك يمت إلى جمع الشمل بصلة أو كان خطابك يرمي إلى كسب ود الآخر، فسعة الصدر إذاً ليست مِنَّة أو مفخرة. ألم يَقُلّ مؤسس الدولة العربية الأول و صاحب أخطر نظرية في السياسة لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت و بالأحرى كما شرح لموازنته بين السحب والترك، لتصبح شعرة العقل.