شكشك ومابعد الحقيقة..
إحاطة رئيس ديوان المحاسبة “خالد شكشك” الأخيرة حول ملف الكهرباء أمام البرلمان أشبه بجرد تاريخي بدأه بالعام 215/2016 مستعرضاً بعض الحقائق الموثقة لدى الديون، ربما تحمل تلك الأرقام والوقائع رسائل ضمنية للتنصل من المسؤولية وإلقائها على أكثر من جهة!،
ماجرى ربما أشبه مايكون بحالة حقبة مابعد الحقيقة التي يتراجع فيها دور الحقائق والبيانات والمعلومات لصالح المعتقدات والرؤى الأيديولوجية والرغبات، ليظل ماهو محل خلاف بين البشر أمر لايمكن حسمه بالمعلومات فقط.!
وماوصفه شكشك بالاحتكاك الذي حصل بين الحكومة وديوان المحاسبة حول ملف الكهرباء ، ليبدو أشبه بالناصح الأمين الذي لايمتلك صلاحيات”المحاسبة” قانونياً غير أنه تنبأ بالكارثة قبل أن تقع مؤكداً ذلك من خلال دعواته مسؤولي الكهرباء بالتركيز على عقود والصيانة، بدل إبرام عقود جديدة، قائلا:-لدينا قدرات إنتاجية عالية لكننا غير قادرين استكمال المشروعات لظروف أمنية ومالية!، ليختلط ملف الكهرباء بملف الوضع الأمني وهذه حقيقة.
غير أن صوت الناصح لم يلقَ أذاناً صاغية، وأصر ولاة أمر الشركة العامة للكهرباء على إبرام عقود جديدة، رغم عدم رضا رئيس الديوان شخصياً واختلافه مع الحكومة بالخصوص لتنعكس الخلافات على الشعب واستمرار طرح الأحمال والإظلام التام لساعات طوال، مع ذلك التزم شكشك بالتعبير عن شعوره بالحرج وحالة الاستياء ليتحول من ديوان محاسبة إلى ديوان نصائح، الغريب أن الخطابات الوجدانية غالبا تزيد الأمور تعقيداً!،وكانت أبرز عواقب عدم الالتزام بتعليمات ديوان النصيحة أن عقد طبرق الذي تجاوز عامين ولم ينجز منه 1% بسبب عدم الاستماع للناصح الأمين، رغم تعهد رئيس مجلس الإدارة شفوياً وكتابياً في حضرة رئيس الديوان بانجاز المحطة خلال تسعة أشهر، وحجر مبلغ 900 مليون دينار وأصبحت الدولة الليبية ملزمة به، ومن باب العدل ومراعاة شعور اللحمة الوطنية عرج شكشك على غرب ليبيا ذاكراً أنه طالب بضرورة إلزام الشركات التي ستنفذ مشاريع المحطات المستقبلية بوضع شرط جزائي، والخلاصة أصبح الوضع كارثي ، مبدياً حسرته على مبلغ 3 مليار ولو استغل في الصيانة لكانت النتائج مختلفة تماماً وسيتحصل الشعب على 5000 إلى 7000 ميغا ونستنغي نهائياً عن الانقطاعات!، لم ينسى شكشك أن يدافع عن نفسه ويستعرض سجل اتهام ديوانه بتأخير الإجراءات ، ليصبح ملف الكهرباء خارج نطاق المحاسبة ولكن حسابات من نوع آخر!، مؤكداً أن المبالغ المذكورة لو استغلت في صيانة خطوط النقل لأصبح وضع الشبكة أفضل عشرات المرات والحجة القديمة كانت الديوان مأخرنا!
لم ينسى شكشك التذكير بحرص ديوانه على متابعة ملف الكهرباء بعد منحه موافقات وتخصيص مبلغ للصيانة قيمته 370 مليون دينار كلف لجنة باعداد تقرير على كل محطة، ليخلص إلى نتيجة مفادها توزع المسؤولية بين الشركة العامة للكهرباء ومصرف ليبيا المركزي، مع الإشارة إلى وجود من وصفهم بالمشتغلين تحت الطاولة وليس لديهم عقود ليصبحوا تحت المحاسبة منهم المستشارين فهم غير ملزمين بإيقاف المعاملات!،لتتوزع المسؤولية وتشكل شبكة أخرى بين جهات وأشخاص بينما لاتزال المشاكل قائمة ليكتشف شكشك أن لدينا 200ميغا ضايعات، بسبب انخفاض القدرات الإنتاجية للمحطات جراء عدم الصيانة وسوء الإدارة، لتضيع الأموال والآمال وسط العواطف وسنوات الظلام.