فتحت الدوائر الحكومية أبوابها عقب عطلة دامت تسعة أيام كاملة بدأت بيومي الجمعة والسبت أي نهاية الأسبوع لتدخل عطلة عيد الأضحى التي تبدأ بالتاسع من شهر ذي الحجة حيث يقف الحجاج على جبل عرفة بالنسبة لمن يتسنى له وصول تلك الربوع فيما يكمل أبناء البلاد ما هم في حاجة إليه من لوازم الأضحية وربما شراءها في ذات اليوم، ولأن يومي الأربعاء والخميس ستتلوهما عطلة الجمعة والسبت فقد رأت الحكومة على لسان رئيسها ضم اليومين إلى عطلة العيد على أن يُخصما من إجازات الموظفين السنوية، هو تقليد عالمي رأى بعض رؤساء الوزارات السابقين العمل به، وحَرِصَ رئيس حكومة الوحدة الوطنية أن يعلنه في صفحته، لشعوره ربما أن ترك الإعلان للإدارة المختصة كما هو الحال منذ قيام دولة الاستقلال سينقص من أهمية أي إعلان أو فرحة العاملين في الدولة به، ناسياً أو متناسياً أن الفرحة الحقيقية التي يستشعرها العاملون، تلك المتصلة برواتبهم والتي تشهد انخفاضاً لقوتها الشرائية كما شهدته من التضخم الذي شوهِدَ عقب فبراير عامة وفي زمن هذه الحكومة خاصة، عندما زيدت حقائب الوزارات من ترفيع الذين كانوا مرشحين كوكلاء فصاروا وزراء ليتلوهم الوكلاء ومساعدوهم ودواوين الإثنين وما يتطلبه كله من الرواتب والميزات التي لا تعرف التوقف، وما أدّى إليه في المجمل من إهدار المليارات التي لو اقتُطِعَ جزءٌ منها لتسديد مستحقات الضمان الاجتماعي المتراكمة لأغنت الآلاف عن صندوق الإحسان التي تُصر بعض الفضائيات على عرضها على نحوٍ فيه الكثير من الإذلال وقبل ذلك المغالطة، كيف لا ونحن نرى البلد الذي لا يصل سكانها العشرة ملايين فيما يزيد دخلها عن المليارات ومع ذلك نراهم يقضون عيداً اختلف عن جميع أعياد الأضحى السابقة من الكآبة التي ظهرت علامتها بوضوح على وجوه الأعداد الكبيرة من الناس الذين لم نجد سوى القليل منهم في الأماكن التي طالما ألفناهم يملأون شوارع المدينة الكبيرة سواء وهم يشترون أضحياتهم من شوارع المدينة المزدحمة بسيارات النقل الصغيرة والكبيرة أو الخراف المعروضة هنا وهناك، فبدت الشوارع خالية بالكامل وعندما حرصت ضمن من حرص على تشويط رأس الأضحية بمنطقة غوط الشعال وأسواق اللحوم في الحي الموسوم بإثنين مارس، وقد اعتدت أن أجده مزدحماً وأقضي مع من يرافقني من الأحفاد الكثير من الوقت في انتظار مجيئ دوري كما يقولون هالني أن وجدت محترفي هذا النوع من الخدمات يضربون أخماساً في أسداسٍ وبينما كان الازدحام يسمح للعامل أن يطلب على الرأس الواحدة خمسة وعشرين جنيها، إذا به يخفض إلى نصف القيمة ولا أحد يأتي كالعادة..! فيتضح جلياً انخفاض عدد الذين أمكنهم إحياء هذه العادة أو الشعيرة المرتبطة بالمقدرة الشرائية لدى الكثير من أبناء الشعب، أولئك الذين يعجزون عن تأمين ثمن الأضحية من حرِّ مالهم وتأبى كرامتهم أن تدفعهم إلى الاستدانة أو قبول الحسنة فلم يكن أمامهم غير التخلّي عن نحر الأضحية ليبقى الشارع الطويل خالياً من المارة ومحال الجزارة مقفلة خلافاً لما كانت عليه منذ سنين، فيما كانت الفضائيات الممولة تواصل مقابلاتها مع الحجاج الذين يلهجون بشكر مستوى الخدمات والإشادة بالمجانية التي توفرت لأكثر من مبرر ويتمكن مرافقي من إنجاز ما جاء من أجله، وبين تذكّر من فقدت في رحلة العمر وأبيات الشعر المخلدة لعيد المتنبي مع كافور الأخشيدي الذي لم تنس أمواله صورة سيف الدولة، أخرجني تحريف البيت الذي وصف به مصر ذات مرة لأقول: وكم ذا «بليبيا» من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء.