جدارية■
صالح قدر بوهفي الملمات الكبيرة والخطوب الجسام تنبلج من بين الحالك من الغيم أو الحزن أو الركان بارقة من الوعد بالأفضل؛ تنبض من يد إنسان آخر يرفعه من الهاوية إلى اليابسة الثابتة وتتلألأ في عين إنسان وهو ينظر بحنان إلى الأطفال أو الضعفاء ليمر نحوهم شعور التراحم والمحبة والتواصل من أجل ممر للخلاص أو على الأقل الأمل فيه. نحن البشر لا يمكن أن يستمر وجودنا لا حياتنا فقط دون ركيزتين: الصبر والأمل؛ ويتحقق ذلك أيضا بمؤازرة المجموعة البشرية وإسهامها الصادق لا في الحد من الفاجعة بل للبناء فوق ركامها، بناء مشروع حياة قدر الله أن تستمر بالعيش تجاورا وبقاء الناس يعتمد على هذه السمات البشرية، التي لا تعني النسيان او عدم الرفض للجرم ولكن تتجلى في الحاضنة الشعورية من المجموعة البشرية تجاه فرد منها أو تجاه جماعة متضررة.
لقد وضح جليا أن الشعب الليبي بإمكانه أن يكون هذه الحاضنة بعد أعوام طويلة ظن الكثيرون أن التصدع والنبذ والنفور والشر هو الواقع الدائم في علاقة الليبيين بعضهم ببعض، غير أن ما حصل أن الجميع هبوا للنجدة والإغاثة ومن ثم البناء وكأنهم إنما سعوا نحو ضميرهم الذي غلفته قسوة الحال وأكاذيب الإعلام والسياسة الفاشلة التي تتغذى بالعنف والحروب. أحس كل ليبي أن هذه مأساته الشخصية وأن ما وقع إنما طال كيانه ووجدانه ومعنى حياته؛ فأراد هذه المرة أن يبرهن لنفسه أولا ولأبناء بلده أنه مازال ذا نقاء يحس ويجير ويحمي ويرحم، وإنما هو بذلك يتلمس قدرته على الإحساس والرحمة ويكشف عما أخفاه طويلا وراء الغلظة التي هي قشرة تخفي قلوبا وأرواحا يمكن لها أن تصرخ وتئن وتدمع ثم يمكن لها أن ترفع وتدعم وتعمر. إننا نشهد ولادة عودتنا لضمائرنا التي سيحرص الكارهون أن يفسدوها بكل طرقهم لكن لا أظنهم سيفلحون