في ليبيا صار الشاب الليبي مثل الضيف غير المرغوب فيه في بيته.
الأجنبي يفتح محل ويبيع ويشتري، يستأجر شقة، يتزوج، يمد رجليه ويقول بثقة:
هذي أرضي مثلما هي أرضكم..!!
أما ابن البلد، يلف على المقاهي ينتظر وظيفة مثل انتظار المطر في أغسطس.
التوطين مش مجرد «إقامة قانونية»، ولا «تصريح عمل».
التوطين في ليبيا صار سياسة صامتة تُسلب فيها حقوق الليبيين تحت لافتة «الضيافة».
والكارثة أنَّ القانون، بدل ما يحمي المواطن، صار يفتح أبواب البلد على مصراعيها للغريب.
بينما الليبي يلهث وراء أبسط حقوقه: بيت، وظيفة، وأمان.
السخرية أن الليبي يُحاسب على غرفة يبنيها من غير ترخيص.
بينما أجنبي يبيع ويشتري في سوق كامل بلا أوراق رسمية.
وإذا اعترضتَ يجاوبوك بابتسامة صفراء: «خلي روحك من العنصرية.. العالم قرية صغيرة».
لكن الحقيقة أنَّ القرية الصغيرة لا مكان لليبي فيها إلا كمتفرج.
الوظائف تتناقص، الرواتب تذوب مثل الملح، والفرص تُوزع على غير أهل البلد.
حتى صار الليبي يضحك ساخرًا:
«باش نلقى حقي في ليبيا… لازم نجيب جواز أجنبي!»
التوطين مش ضد الغريب، بل ضد العدل.
الغريب مرحبٌ به كـ«ضيف»، لكن ما يصيرش صاحب البيت.
البيت له أهل، وأهله شباب يذوب عمرهم في الانتظار، بينما الغريب يصعد الدرج على أكتافهم.
البلاد اللي ما تحميش ولادها، تتحوَّل لدار عرس بلا أصحاب.
والضيف في النهاية يمد يده للصينية … قبل حتى صاحب البيت.
كل الحلول بسيطة في الكلام، صعبة في التطبيق:
الوطن لليبي أولاً، والقانون لليبي أولاً، والفرص لليبي أولاً.
أما الضيف، فيُكرم بحدود الضيافة .. لا أن يتحوَّل إلى سيد الدار.
لكنَّنا في ليبيا، كالعادة، نعشق أن نكون الاستثناء…
حتى صار الضيف يأخذ الدار، وصاحب الدار يبات في الشارع.