مقالات

ضيافة تحولت إلى غزو

عبير أبو عافية

في‭ ‬ليبيا‭ ‬صار‭ ‬الشاب‭ ‬الليبي‭ ‬مثل‭ ‬الضيف‭ ‬غير‭ ‬المرغوب‭ ‬فيه‭ ‬في‭ ‬بيته‭.‬

الأجنبي‭ ‬يفتح‭ ‬محل‭ ‬ويبيع‭ ‬ويشتري،‭ ‬يستأجر‭ ‬شقة،‭ ‬يتزوج،‭ ‬يمد‭ ‬رجليه‭ ‬ويقول‭ ‬بثقة‭:‬

هذي‭ ‬أرضي‭ ‬مثلما‭ ‬هي‭ ‬أرضكم‭..!!‬

أما‭ ‬ابن‭ ‬البلد،‭  ‬يلف‭ ‬على‭ ‬المقاهي‭ ‬ينتظر‭ ‬وظيفة‭ ‬مثل‭ ‬انتظار‭ ‬المطر‭ ‬في‭ ‬أغسطس‭.‬

التوطين‭ ‬مش‭ ‬مجرد‭ ‬‮«‬إقامة‭ ‬قانونية‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬‮«‬تصريح‭ ‬عمل‮»‬‭.‬

التوطين‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬صار‭ ‬سياسة‭ ‬صامتة‭ ‬تُسلب‭ ‬فيها‭ ‬حقوق‭ ‬الليبيين‭ ‬تحت‭ ‬لافتة‭ ‬‮«‬الضيافة‮»‬‭.‬

والكارثة‭ ‬أنَّ‭ ‬القانون،‭ ‬بدل‭ ‬ما‭ ‬يحمي‭ ‬المواطن،‭ ‬صار‭ ‬يفتح‭ ‬أبواب‭ ‬البلد‭ ‬على‭ ‬مصراعيها‭ ‬للغريب‭.‬

بينما‭ ‬الليبي‭ ‬يلهث‭ ‬وراء‭ ‬أبسط‭ ‬حقوقه‭: ‬بيت،‭ ‬وظيفة،‭ ‬وأمان‭.‬

السخرية‭ ‬أن‭ ‬الليبي‭ ‬يُحاسب‭ ‬على‭ ‬غرفة‭ ‬يبنيها‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬ترخيص‭.‬

بينما‭ ‬أجنبي‭ ‬يبيع‭ ‬ويشتري‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬كامل‭ ‬بلا‭ ‬أوراق‭ ‬رسمية‭.‬

وإذا‭ ‬اعترضتَ‭ ‬يجاوبوك‭ ‬بابتسامة‭ ‬صفراء‭: ‬‮«‬خلي‭ ‬روحك‭ ‬من‭ ‬العنصرية‭.. ‬العالم‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة‮»‬‭.‬

لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬أنَّ‭ ‬القرية‭ ‬الصغيرة‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لليبي‭ ‬فيها‭ ‬إلا‭ ‬كمتفرج‭.‬

الوظائف‭ ‬تتناقص،‭ ‬الرواتب‭ ‬تذوب‭ ‬مثل‭ ‬الملح،‭ ‬والفرص‭ ‬تُوزع‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬أهل‭ ‬البلد‭.‬

حتى‭ ‬صار‭ ‬الليبي‭ ‬يضحك‭ ‬ساخرًا‭:‬

‮«‬باش‭ ‬نلقى‭ ‬حقي‭ ‬في‭ ‬ليبيا‮…‬‭ ‬لازم‭ ‬نجيب‭ ‬جواز‭ ‬أجنبي‭!‬‮»‬

التوطين‭ ‬مش‭ ‬ضد‭ ‬الغريب،‭ ‬بل‭ ‬ضد‭ ‬العدل‭.‬

الغريب‭ ‬مرحبٌ‭ ‬به‭ ‬كـ«ضيف‮»‬،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يصيرش‭ ‬صاحب‭ ‬البيت‭.‬

البيت‭ ‬له‭ ‬أهل،‭ ‬وأهله‭ ‬شباب‭ ‬يذوب‭ ‬عمرهم‭ ‬في‭ ‬الانتظار،‭ ‬بينما‭ ‬الغريب‭ ‬يصعد‭ ‬الدرج‭ ‬على‭ ‬أكتافهم‭.‬

البلاد‭ ‬اللي‭ ‬ما‭ ‬تحميش‭ ‬ولادها،‭ ‬تتحوَّل‭ ‬لدار‭ ‬عرس‭ ‬بلا‭ ‬أصحاب‭.‬

والضيف‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬يمد‭ ‬يده‭ ‬للصينية‭ ‬‮…‬‭ ‬قبل‭ ‬حتى‭ ‬صاحب‭ ‬البيت‭.‬

كل‭ ‬الحلول‭ ‬بسيطة‭ ‬في‭ ‬الكلام،‭ ‬صعبة‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭:‬

الوطن‭ ‬لليبي‭ ‬أولاً،‭ ‬والقانون‭ ‬لليبي‭ ‬أولاً،‭ ‬والفرص‭ ‬لليبي‭ ‬أولاً‭.‬

أما‭ ‬الضيف،‭ ‬فيُكرم‭ ‬بحدود‭ ‬الضيافة‭ .. ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يتحوَّل‭ ‬إلى‭ ‬سيد‭ ‬الدار‭.‬

لكنَّنا‭ ‬في‭ ‬ليبيا،‭ ‬كالعادة،‭ ‬نعشق‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬الاستثناء‮…‬

حتى‭ ‬صار‭ ‬الضيف‭ ‬يأخذ‭ ‬الدار،‭ ‬وصاحب‭ ‬الدار‭ ‬يبات‭ ‬في‭ ‬الشارع‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى