رتوش

طاسة‭ ‬شاهي‭ !‬

زكريا محمد

كانت‭ ‬الشمسُ‭ ‬تميلُ‭ ‬نحو‭ ‬الغروب‭ ‬حين‭ ‬وصلتُ‭ ‬إلى‭ ‬بحيرة‭ ‬أوبارى،‭ ‬تحيط‭ ‬بها‭ ‬كثبان‭ ‬الرمال‭ ‬كأمٍّ‭ ‬تحتضن‭ ‬أبناءها‭.‬

جلستُ‭ ‬قرب‭ ‬الماء،‭ ‬أراقبُ‭ ‬صفاءه‭ ‬يعكس‭ ‬زرقة‭ ‬السماء‭ ‬ويخزن‭ ‬في‭ ‬أعماقه‭ ‬أسرار‭ ‬العابرين‭.‬

أخرجتُ‭ ‬إبريق‭ ‬الشاي،‭ ‬وأشعلتُ‭ ‬نارًا‭ ‬صغيرة‭ ‬بين‭ ‬الحجارة‭. ‬رائحة‭ ‬الشاهي‭ ‬امتزجتْ‭ ‬بنسيم‭ ‬المساء،‭ ‬فملأتْ‭ ‬المكانَ‭ ‬دفئًا‭ ‬وسكينة‭. ‬كانت‭ ‬لحظة‭ ‬قصيرة،‭ ‬لكنها‭ ‬بدت‭ ‬أطول‭ ‬من‭ ‬ساعة‭. ‬لحظة‭ ‬تُحفر‭ ‬في‭ ‬الذاكرة‭ ‬كما‭ ‬تُحفر‭ ‬الخطوات‭ ‬على‭ ‬الرمل‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يمحوها‭ ‬الريح‭.. ‬بين‭ ‬رشفةٍ‭ ‬وأخرى،‭ ‬تسللت‭ ‬تأملات‭ ‬كثيرة‭: ‬عن‭ ‬العمر،‭ ‬عن‭ ‬العطش‭ ‬والماء،‭ ‬عن‭ ‬الذكريات‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تذوب‭ ‬مثل‭ ‬الرمال‭ ‬وإن‭ ‬غطاها‭ ‬النسيان‭. ‬كان‭ ‬الشاي‭ ‬رفيقًا‭ ‬صامتًا،‭ ‬يشارك‭ ‬الحكاية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ينطق‭.‬

وعند‭ ‬العشيّة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبتلع‭ ‬الأفق‭ ‬آخر‭ ‬شعاع،‭ ‬أدركتُ‭ ‬أن‭ ‬البحيرة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ماء‭ ‬في‭ ‬الصحراء،‭ ‬بل‭ ‬مرآة‭ ‬لأرواحنا‭ ‬حين‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬السكينة‭ ‬بين‭ ‬قسوة‭ ‬الرمل،‭ ‬وكرم‭ ‬الطبيعة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى