رتوش

طرابلس البيــضاء

إبراهيم الإمام

‭)‬هي‭ ‬أعظم‭ ‬كثيرًا‭ ‬مما‭ ‬كنتُ‭ ‬أتصور،‭ ‬وإن‭ ‬الذين‭ ‬وصفوها‭ ‬لنا‭ ‬سابقًا‭ ‬وتغنوا‭ ‬لنا‭ ‬بجمالها،‭ ‬وعظمتها‭ ‬لم‭ ‬يقولوا‭ ‬إلا‭ ‬الحقيقة،‭ ‬بل‭ ‬لم‭ ‬يقولوا‭ ‬إلا‭ ‬نصف‭ ‬الحقيقة،‭ ‬ولم‭ ‬أرَ‭ ‬مثلها‭ ‬في‭ ‬حصونها،‭ ‬ونظافتها‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬المدن‭ ‬التي‭ ‬رأيتها‭( .‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬‮«‬بيدرو‭ ‬نافارو‮»‬‭ ‬قائد‭ ‬الحملة‭ ‬الإسبانية‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬طرابلس‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬عام‭ ‬1510م‭ ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬المدينة‭ ‬البيضاء‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يصفها‭ ‬البعض‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما،‭ ‬وذلك‭ ‬لبياض‭ ‬جدران‭ ‬مبانيها‭ ‬ولشدة‭ ‬نظافتها‭ .‬

هكذا‭ ‬كانت‭ ‬طرابلس‭ ‬قبل‭ ‬قرابة‭ ‬الستة‭ ‬قرون‭ .. ‬ربما‭ ‬لو‭ ‬عاد‭ ‬القائد‭ ‬‮«‬نافارو‮»‬‭ ‬مجددًا‭ ‬سيصاب‭ ‬بالذهول‭ ‬لما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬جمالها،‭ ‬وسحرها،‭ ‬وبياضها‭ .‬

حدثني‭ ‬صديق‭ ‬أنه‭ ‬التقى‭ ‬بأحد‭ ‬الجزائريين‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬صيفي‭ ‬ليس‭ ‬بالبعيد‭ ‬في‭ ‬طرابلس؛‭ ‬فتبادل‭ ‬معه‭ ‬أطراف‭ ‬الحديث،‭ ‬فقال‭ ‬الجزائري‭ ‬متأسفًا‭ :‬

‭- ‬ليستْ‭ ‬هذه‭ ‬طرابلس‭ ‬التي‭ ‬حلمتُ‭ ‬بزيارتها‭ ‬كثيرًا‭ .‬

عندما‭ ‬سأله‭ ‬صديقي‭ ‬عن‭ ‬طرابلس‭ ‬التي‭ ‬يعنيها‭.‬

قال‭ : ‬جئتُ‭ ‬زائرًا‭ ‬لعروس‭ ‬البحر‭ ‬فوجدتها‭ ‬قد‭ ‬شاختْ،‭ ‬وفقدتْ‭ ‬شبابها‭ ‬ونضارتها‭ .‬

أخرج‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬أسفٍ‭ ‬من‭ ‬جعبته‭ ‬صورًا‭ ‬قديمة‭ ‬للمدينة‭ ‬في‭ ‬أواسط‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

قال‭ – ‬والكلام‭ ‬لصديقي‭ – ‬إنّ‭ ‬الصورَ‭ ‬التي‭ ‬حملها‭ ‬معها‭ ‬كانت‭ ‬فعلاً‭ ‬جميلة‭ ‬لطرابلس‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬جميلة‭ ‬واستحقتْ‭ ‬بجدارة‭ ‬لقب‭ ‬‮«‬عروس‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‮»‬‭ .‬

قال‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الكلام‭ ‬لصديقي‭ ‬لم‭ ‬أجد‭ ‬مبررًا‭ ‬أُبرر‭ ‬به‭ ‬ما‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬طرابلس‭ ‬التي‭ ‬فقدتْ‭ ‬جمالها،‭ ‬ونظافتها،‭ ‬ورونقها،‭ ‬ونظامها‭ ‬ورقيها‭.‬

وما‭ ‬نراها‭ ‬ونشهده‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬من‭ ‬إصلاح‭ ‬لطرقات‭ ‬المدينة‭ ‬القديمة‭ ‬وترصيفها،‭ ‬وتطويرٍ‭ ‬لبنيتها‭ ‬التحتية،‭ ‬وإصلاحٍ‭ ‬لجدرانها‭ ‬يعد‭ ‬نقلةً‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬المدينة،‭ ‬ويعد‭ ‬خطوةً‭ ‬ضرورية‭ ‬للعودة‭ ‬بطرابلس‭ ‬لسابق‭ ‬عهدها‭ ‬الجميل،‭ ‬والزاهي‭ .‬

كما‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تشهد‭ ‬الآن‭ ‬طرابلس،‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬تعبيد‭ ‬للطرق،‭ ‬وتوسعة‭ ‬لأخرى‭ ‬لفك‭ ‬الاختناقات‭ ‬المرورية‭ ‬لتسهيل‭ ‬حركة‭ ‬السير،‭ ‬وما‭ ‬نراه‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬حدائق‭ ‬غناء،‭ ‬ومساحات‭ ‬خضراء‭ ‬وتشجير‭ ‬ٍللطرقات‭ ‬يضفي‭ ‬جمالاً‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬المدينة‭ .‬

نطمح‭ ‬للمزيد‭ ‬من‭ ‬الاهتمام‭ ‬بجمال‭ ‬مدننا؛‭ ‬فهي‭ ‬رسائل‭ ‬بسيطة‭ ‬للعالم‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬تحضرنا‭ ‬وتقدمنا‭ .‬

نتمنى‭ ‬أن‭ ‬تستعيد‭ ‬‮«‬عروس‭ ‬البحر‮»‬‭ ‬جمالها‭ ‬وبهجتها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬نخجل‭ ‬أمام‭ ‬زائريها،‭ ‬ولنستمتع‭ ‬نحن‭ ‬أبناؤها‭ ‬كذلك‭ ‬بجمالها‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى