طرابلس في فلك التاريخ..
تُجمع أغلب المصادر التاريخية أن وجود مدينة طرابلس “أويا” ارتبط بظهور الفنيقيين في المناطق الوسطى والغربية من البحر الأبيض المتوسط وقيامهم بإنشاء العديد من المراكز والمحطات التجارية، شكلت على مر التاريخ مركزاً هاماً من المراكز التي اتخذوه محطة من محطاتهم التجارية لموقعها جغرافي، وبذلك دخلت المدينة في فلك الحضارة الفينيقية الذي ظل أثرها سائدا بعقائده وتقاليده ولغته حتى عصور متأخرة من العهد الروماني .
كما جعل الجغرافيون والرحالة منها حداً فاصلا تبدأ به أفريقيا نحو الغرب واصطلحوا تسمية المغرب الأدنى الذي يتكون من “طرابلس وتونس” بأفريقيا وسموا الجزائر “بالمغرب الأوسط” والمغرب “الأقصى” ، وهكذا كانت نقطة بداية نحو الغرب وهي بالطبع نقطة بداية نحو الشرق .
وثق الرائد البريطاني “ألكسندر جوردون لينج” في كتاب (رحلتان عبر ليبيا) أن طرابلس كانت نقطة انطلاقة للوصول إلى تمبكتو والوقوف على مصب نهر النيجر، فسلك طرق القوافل باعتبار أن المدينة أهم المنافذ إلى دواخل أفريقيا.
وفي كتاب (حكاية مدينة طرابلس لدى الرحالة العرب والأجانب) ورد أنه عندما بدأت تتجه أطماع ايطاليا نحو ليبيا كانت نقطة الانطلاق والتمركز أيضا عبر طرابلس ، فاستغلت ايطاليا الدعاية الإعلامية لتهيئة الرأي العام الأوروبي والايطالي كتمهيد لغزو ليبيا عام 1911، ففي عهد “رجب باشا” قام السياسي والصحفي الايطالي “تومياتي” برحلة إلى ليبيا زار خلالها طرابلس وضواحيها، كما زار بنغازي ، وسجل انطباعاته في كتاب عنوانه (طرابلس الغرب)، تدخل رحلة “تومياتي” في إطار الرحلات السياسية التي حرص الساسة والصحفيين على القيام بها خلال الفترة التي سبقت الاحتلال الايطالي، لأجل دراسة الأوضاع العامة والتعرف عليها عن كثب .
كان أول عمل بادر إليه بعد صوله إلى طرابلس هو زيارة الوالي القائم حينذاك “رجب باشا” ، الهدف الأول لتلك الزيارة كان الحصول على إذن لزيارة الدواخل كتمهيد للتوغل والاحتلال.
أما في كتاب (الحملات الأمريكية على شمال أفريقيا) ورد أنه في عام 1805 قامت أمريكا بمغامراتها الأولى على أراضي شمال أفريقيا بقيادة “ويليام ايتون” الذي يطمح إلى إزالة خطر قراصنة شمال أفريقيا عن طريق إقامة حكومة صورية في طرابلس تكون موالية للولايات المتحدة.
كان الأسطول الأمريكي يشن هجمات متقطعة على القراصنة الطرابلسين ساعيا إلى إبادتهم منذ عام 1801 ومنذ عام 1803، كان إيتون يصر على الرئيس “جفرسون” بضرورة إرسال حملة برية بقيادته، حيث كان يسعى إلى إعادة عرش طرابلس إلى “أحمد القره مانللي” بعد أن اغتصب منه، لذلك جهز إيتون جيشاً من مصر عبر الطريق الصحراوي، ليمثل سقوط درنة نقطة التحول في علاقات الولايات المتحدة من جهة مع كل من المغرب وتونس والجزائر وطرابلس من جهة أخرى.