شهدتْ العلاقاتُ الاجتماعية وروابط التواصل داخل مجتمعنا، خلال العقدين الأخيرين تغيّرًا كبيرًا، أثّر على سلوكيات أفراده وترابطهم، ويحدث أحيانًا أن يحدثكَ أحدهم بأنه لا يعرف أبناء عمه، أو أبناء خاله، أو حتى بعض أبناء إخوته..
لقد كانت مناسباتنا الاجتماعية من أفراح، وأتراح، تشهد حضور أفراد الأسرة جميعهم، وفيها يحدث التعارف والتقارب والترابط مع الآخرين، الذين ستكون علاقاتهم الاجتماعية قوية ومتينة بعد ذلك..
قد ينحي البعض باللائمة في ذلك على تسارع وتيرة الحياة، وصعوبة تكاليفها، والانشغال الدائم وانعدام أوقات الفراغ، وكذلك التطور التقني الذي غزا العقول واستوطن البيوت..
ولكن كل ذلك ليس عذرًا لمَنْ قطع رحمه، وغاب عن صديقه وقت حاجته، ولم يربط أبناءه بوشائج المودة والإيثار مع أهله وأقاربه..
وما نشاهده هذه السنوات من خلافات عائلية بين أفراد الأسرة الواحدة، وإن تعدَّدت أسبابها التي منها )الميراث، والحسد، وعدم الاختيار المناسب للزوجين(، فإن للتفكك الأسري، وانفصام عُرى الترابط المجتمعي الأثر الكبير في ذلك، حتى بات الابن يعتدي على جده أو عمه أو خاله، دون أدنى إحساس بالخجل، أو الأسف..
وزد على كل ما تقدّم، فإن طغيان المظاهر، والحياة المادية، صار يقتل فينا روح وأصالة المجتمع الليبي، المعروفة بالبساطة والتواضع والكرم والنُبل والشهامة والإيثار، فصار التمييز بين أبناء المجتمع، ليس بجوهرهم في الخُلق ولا العلم ولا الشهامة ولا ولا، بل بمظاهرهم وبما يحوزونه من أموال حتى وإن كانت مصادرها فاسدة وحرام..
نحن بحاجة إلى تأسيس قواعد تواصل بين الأجيال، تغرس قيم المجتمع الأصيلة السمحاء، في الجيل الناشيء، وذلك أمرٌ يأتي بتكاتف الجهود من مجتمع، ومؤسسات، وتهذيب مجتمعنا من كل الشوائب الدخيلة التي رمانا بها الزمن من كل حدب وصوب، ولا تمت لهويتنا ولا ثقافتنا بصلة..