الفنان الليبي «معتوق بوراوي» من أهم الأسماء في الفن التشكيلي نحتَ اسمه مبكرًا على خارطة الفن في ليبيا، وفنه تعدى الحدود، والجغرافيا الليبية لينطلق في رحلة فنية طويلة بعيدًا عن الوصاية الوطنية الرثة، رحلة فيها ما فيها من المكابدة والشغف، والاصرار،ليكون اسمًا معروفًا، بفنه الانساني الذي تناول هموم الوطن والناس، واهتم بموضوع الهجرة بقوارب الموت عبر البحر، واقام العديد من المعارض في مختلف أنحاء العالم ليؤكد على قيمة الفن الليبي وقدرته على ان يكون مساويا لمسار الفن في العالم.
كتب عنه وعن تجربته العديد من الكتاب ونقاد الفن، في غرناطة كتب عنه الأديب الإسباني مانويل مونطالبو :
”إن معتوق يدركُ أنَّ سرَّ الإبداعِ ليسَ في طيرانِ )الفراشةِ( بلْ في ظلِّها، وأنَّ القيمةَ ليسَتْ في العملِ الفنِّي ذاتهِ، ولا في الأشكالِ والألوانِ، بلْ في النزعةِ التي زُفَّتْ إليهِ، في: الصراعِ الداخليِّ، في الجهدِ، في الخطوةِ المترددةِ، في الشغفِ، والعواطفِ المتدفقةِ”
كما صرحت الناقدة ” كنتشا باريوس ” عقب زيارتها للمعرض :
”إن معرض معتوق أبوراوي في مركز غران كابيتان رحلة ساحرة في عالم من الأحاسيس والألوان العميقة. بأعماله الفنية التي تتخطى حدود الواقع، ينجح الفنان الفيلسوف في إيقاظ المشاعر الكامنة فينا. عمل متحفي بجدارة”..وكتحية مني ومن صحيفة فبراير كان لنا معه هذا الحوار الهام ..
الفنان معتوق بوراوي حدثنا عن بداية هذا المسار الفني بكل شغفه وربكته وتميزه ولماذا الرسم تحديدا؟
- الحقيقة لم يكن الموضوع مترتب منذ الطفولة، العائلة والمحيط لم يوجها في نحو الفن، لكن هو شغف منذ الطفولة من مرحلة الوسائل التعليمية والنساط المدرسي، وقد تصادف اختيار احدى المجلات الحائطية فى الصف السادس للمشاركة فى معرض مدرسي، وكانت هناك ورش الالوان وكنت من الطلائع. والموهوبين إلى أن تم اختيار لوحتين لى في مرحلة الدراسة الاعدادية وتم تأطيرها وعلقت فى مكتب المدير و هذا كان دافعاً قوياً لطفل في بداياته فى عالم الرسم ، وفي الثانوية زاد الشغف وكبرت وكبرت اللوحات واصبحت جداريات، واخترت الدراسة في كلية الفنون بعد المرحله الثانوية، وهناك اتضحت الموهبة أكثر، وكان الاساتذه معجبين بلوحاتي ، والموضوع كما أشرت يمكن ان يكون به ربكة في البداية وسؤال ببالي دائم هل يمكن ان يكون الفن الرسم المستقبل الملائم لى . وكان كذلك بالفعل.
بعد اكثر من عشرين سنة أين يقف الفنان بوراوي وما الذي مازال في جعبته المشرقة بالألوان؟
انا فى الحقيقة مطلع جيد على الحركة التشكيلية في العالم ، بحكم تواجدى فى اسبانيا وفي عدة دول قبلها، وأقف كفنان. لدى ادواتی و همومی و افکاري وبثقافات متعددة دوليا ما بين بلادى والبلدان الأخرى مثل اسبانيا، ويستمر فى العمل لأن العمل الفنى جزء يومي من حياتي وأحمل معى اوراقى وألوانى فى كل مكان معي سواء في المقاهي أو الشاطئ أو غيرها ، فهناك افكار وتغيير في المتاخ الثقافي والسياسى كلها دوافع للمزيد من الانتاج.
نعم مازال فى جعبتى الكثير، ومشاريع مختلفة فالفن لايتوقف عند عمر اوحد معين.
كيف تختار مواضيعك ؟ وهل للبيئة في ليبيا او اسبانيا دور في هذا الاختيار ؟
- الحقيقة إن المواضيع هى التى تختارني ، فالبيئة والمناخ والدافع الشخصي والاجتماعي والنفسي والسياسي ،يؤثرون كثيرا على الفنان، فمثلا فكرة الربيع عملت عنها کتاب فالوضع كان ملهما حتى وهو بكل هذا التوتر والغموض، ، فالمواضيع تفرض نفسها بقوة، والبيئة لها دور ليس من حيث الانتاج ولكن اعتقد من اقامة المعارض وجلب النجاحات ، الوضع في ليبيا يتراوح بين أهمية الفنون البصرية هل هي مهمة ام لا ؟ لكن في اوربا والعالم الموضوع واضح وكل فنان له ايقاعه الخاص واهتماماته وهناك نقاد و صحف تتابع الحركة الفنية
الفن التشكيلي الليبي الى اي مدى نجح في ترسيخ نفسه؟
- سؤال معقد لان الفن التشكيلي في ليبيا لم يأخذ صفة الحركة فهو يتراوح بين الحركة والتيارات ، والفنان. هو الذي يأخذ على عاتقه محل المؤسسة الثقافية، لازالت المؤسسة ضعيفة جدا ، وما زال المناخ الثقافي للفنون البصرية ضعيفاً ، ليس لدينا غاليريات متخصصة لدينا قاعات عرض بسيطة جداً، لا تعطى الفرصه للفنانين الجدد، لهذا الموضوع ككل لا زال يحتاج إلى الاهتمام الكبير .
حدثنا عن تجربتك في التدريس وهل هناك أجيال فنية جديدة قادمة خصوصا مع ظلامية الرؤية الموجودة.
- أما عن تجربتى فى التدريس فأنا في التدريس من سنة 1994. كمعيد في البداية،ولازلت مستمرا إلى يومنا هذا ، المواهب موجودة فى اى بلد. ولكن اذا لم تجد الرعاية سينتهي أمرها، لذلك مهمتنا کاساتذة وفنايين فى كليات الفنون مساندة هؤلاء ، خصوصا وأن كلية الفنون الآن لها بصمتها الخاصة، وتخصص الرسم والتصوير به اساتدة يساهمون في. الرقي بمستوى الفن، وهذا له ظلاله القوية على سنوات التدريس للطلبة والكلية تخرج اجيالاً مختلفة منهم من واصل ومنهم من توقف ، ومنهم من يزال يكافح في غياب تام لدور المؤسسة الثقافية في ليبيا.
في غياب واضح لتشجيع الآداب والفنون، هل تؤمن بأن الفن في ليبيا له جدوى؟
- الفن له جدوى عندما يكون واثقا له جمهور ومهتمون. فاذا لم تتوفر جميع الادوات سيكون ضعيفاً بلا جدوى،ولهذا أحيي كل فنانين ليبيا الذين كانوا عصاميين وقاموا بعمل معارضهم بمجهودات شخصية ولا زالوا مستمرين حتى معرصي الأخير بغرناطة كان مجهودات شخصية، الدولة لازالت ضعيفة في دعم الفن واستيعابه كمكون حضاري لابد منه في كل بلاد.
أخذ موضوع الهجرة عبر البحر حيزا مهما من تجربتك
فهل ساهم الفن في علاجها والحد منها
- موضوع الهجرة تابعته جيدا اشتغلت عليه من 2003 خلال وجودی بأسبانيا، وكان الاعلام يتابع هذه المرحلة الحزينة او الدراماتيكية للموتى والغرقى للأفارقة القادمين عن طريق البحر ، فكرة قوارب الموت خطرت لى ، باسبانيا، فبدات اشتغل على هذا الموضوع وكان لى الحظ في الانتقال على طول خط السواحل الاسبانية من جزر الكنارى حتى مالقا وسالورينيا
وكان الافارقة يأتون أحياء و امواتا ، وكان الامر مؤسفا ومؤثرا فهولاء الأفارقة أخوة لنا ، فلذلك قمت بمعرض في 2012 وصدر لى كتاب فني حوى كل لوحات هذه المرحلة وكان له صدى فى الاعلام الاسباني وهي فترة أعتز بها كثيرا في تاريخ حياتي .
هل تتابع الفنانين الجدد؟ ومن استرعى انتباهك منهم وتظن أن له مستقبلا فنيا مميزا؟
- نعم اتابع الفنانين الجدد، باعتبارى استاذا بالجامعة بكليةالفنون في طرابلس ، و باعتباري استاداً شرفياً. في الجامعات الاسبانية التي ألقى بها محاضرات للطلبة باللغة الاسبانية ، أما الفنانين الجدد كبيراً من ليبيا فقد تخرج على يدي عددا كبيرا منهم، واشتهروا كأسماء معروفة في عالم الفن التشكيلى، ولقد تابعتم المعرض السنوى الذى اقمته العام الماضي والذي حوى الكثير من اللوحات الفنية المميزة لهم .
حدثنا عن معرضك الأخير في غرناطة وصداه بين المهتمين والمتابعين؟
- معرضي الأخير والذي جاء تحت عنوان “سرد ” سردت فيه قصة حياتى فى اسبانيا بجميع مراحلها من وصولي اليها فى 2002 حتى 2025، واللوحات هي سيرة أعمال تعبر عن مراحل تطورى واستيعابي للفن التشكيلي في ليبيا ومقارنته باسبانيا، ثم حكم مراحل الدراسة الی تخرجى من جامعة غرناطة كأستاذ، واهم المحطات التي شهدتها من بداية وجودي باسبانيا من اللوحات الأولى حتى الأخيرة عبر ثمان مراحل ففكرنا أن يكون هذا الزمن هو خلاصة المعرض.
طبعاً أنا كاستاذ فى الجامعات الاسبانية وعضو فى لجنة الأبحاث وهى التي اقترحت اقامة المعرض التشكيلي وتم تكريمى من جانب اقليم ومقاطعة الاندلس، فتم افتتاح العام الثقافى بلوحاتى و معرضي وهذا فخر لكل فنان مغترب ، وتم نشر جميع الملصقات الدعائية في الشوارع، واقيم المعرض فى اهم دور العرض التشكيلية .
المعرض مهم جداً فى تاريخى لأنه يقفل مرحله مهمة جداً في حياتي الفنية ، اصدرت اكثر من ثماني كتب بصرية، وهي موجودة بالمكتبات الاسبانية. المهتمون بالنقد والثقافة التشكيلة ، كتبوا عن المعرض باستفاضة ، وتم نقل المعرض عن طريق الإذاعة الاسبانية وبعض الصحف المحلية
هل من مشروع جديد قريبا؟
- أما عن المشاريع الجديدة لدى دائما افكار جديدة، خصوصا بعد التجرية فى فنزويلا والارجنين والنمسا وبلجيكا وفي ليبيا والمكسيك وإسبانيا. لهذا على الفنان أن لا ينتظر دعم المؤسسات فالفن التشكيلي هو موضوع الفنان شخصياً وليس موضوع الدولة، فالفنان التشكيلي الليبي هو الذى يعتني بموهبته وفنه ومحاولة إيصالها الى كل مكان في العالم.