رأي

عندما .. في المتاهة .!!

معمر الزايدي

الانتماء‭ ‬ضرورة‭ ‬وجودية‮ ‬‭ ‬نفسية،‭ ‬وفكرية‭ ‬نحتاجها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توطين‭ ‬الشعور‭ ‬بالاستقرار‭ ‬وبالتالي‭ ‬خلق‭ ‬المجال‭ ‬المناسب‭ ‬لحياة‭ ‬نسعى‭ ‬لأجل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بالمستوى‭ ‬المرجو‭ ‬للحلم‭ ‬والتطلع‭.‬

والانتماء‭ ‬يستدعي‭ ‬شعورًا‭ ‬ماسًا‭ ‬بأهميته‭ ‬لحاجتنا‭ ‬إلى‭ ‬معرفة‭ ‬أننا‭ ‬ذوو‭ ‬جدوى‭ ‬في‭ ‬وجودنا‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬تتأسس‭ ‬منظومة‭ ‬متكاملة‭ ‬من‭ ‬الفعالية‭ ‬والحركة‭ ‬فكريًا‭ ‬وعمليًا‭ ‬نحو‭ ‬تكريس‭ ‬الحياة‭ ‬التي‭ ‬نطمح‭ ‬لتوفيرها‭ ‬كل‭ ‬حسب‭ ‬المحيط‭ ‬الذي‭ ‬يحتويه‭ ‬وهو‭ ‬بالتالي‭ ‬ينتج‭ ‬عديد‭ ‬المشاعر‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬الولاء‭ ‬للبقعة‭ ‬الترابية‭ ‬التي‭ ‬نقف‭ ‬عليها‭ ‬وإكسابها‭ ‬معنى‭ ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬يتصل‭ ‬بحتمية‭ ‬الوطن‭ ‬وقيمة‭ ‬المعنى‭ ‬وهي‭ ‬وطن‭ ‬نسكن‭ ‬إليه‭ ‬ونرتاح‭ ‬في‭ ‬أحضانه‭ ‬ونتجدّد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ازدهاره‭ ‬وزخمه‭ ‬الذي‭ ‬نصنع‭ ‬وفعالياته‭ ‬التي‭ ‬نحب‭ .. ‬والانتماء‭ ‬برأيي‭ ‬أساس‭ ‬كل‭ ‬تكوين‭ ‬يشتمل‭ ‬على‭ ‬عاطفة‭ ‬الحب‭ ‬كونه‭ ‬يصل‭ ‬في‭ ‬مشاعرنا‭ ‬لمستوى‭ ‬الروح‭ ‬حين‭ ‬تتغلغل‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬ولهذا‭ ‬صار‭ ‬الانتماء‭ ‬وطنًا‭ ‬معنويًا‭ ‬يطمح‭ ‬لولاء‭ ‬مادي‭ ‬حتى‭ ‬يتشكل‭ ‬الجسد‭ ‬الضروري‭ ‬للحياة‭ ‬حسًا،‭ ‬ومعنى‭ .. ‬وحيث‭ ‬إن‭ ‬الحياة‭ ‬بلا‭ ‬انتماء‭ ‬متفق‭ ‬على‭ ‬صعلكتها‭ ‬وعدميتها‭ ‬كونها‭ ‬مسكونة‭ ‬بالعبث‭ ‬وخاوية‭ ‬على‭ ‬عروشها‭ ‬لا‭ ‬نبض‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬هدف‭ ‬صار‭ ‬لزامًا‭ ‬علينا‭ ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬توازن‭ ‬نفسي‭ ‬وروحي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لنا‭ ‬انتماء،‭ ‬وأن‭ ‬نعزّزه‭ ‬بكل‭ ‬الضرورات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تجعله‭ ‬الرقم‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬الوجود‭ ‬ذا‭ ‬القيمة‭ ‬المستحقة‭ .‬

فكرست‭ ‬الجهود‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والدينية‭ ‬والسياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬والمعرفية‭ ‬لتكريس‭ ‬أهمية‭ ‬الإنتماء‭ ‬لوطن‭ ‬نشكل‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬هوية‭ ‬تحدد‭ ‬كينونتنا‭ ‬وسط‭ ‬المجتمعات‭ ‬والمخلوقات‭ ‬المختلفة‭ ‬وحرصاً‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬القيمة‭ ‬كان‭ ‬الولاء‭ ‬السور‭ ‬الدفاعي‭ ‬الأول‭ ‬والأهم‭ ‬للقيمة‭ ‬المعنوية‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭.‬

ولقد‭ ‬دأبت‭ ‬الثقافات‭ ‬المختلفة‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬الولاء‭ ‬الأقدس‭ ‬نحو‭ ‬الوطن‭ ‬بإعتباره‭ ‬الحاضن‭ ‬الأم‭ ‬لكل‭ ‬المنتمين‭ ‬له؛‭ ‬فتشكلت‭ ‬آليات‭ ‬تنمية‭ ‬الولاء‭ ‬عبر‭ ‬منظومات‭ ‬أخلاقية‭ ‬متفق‭ ‬عليها،‭ ‬وتعاليم‭ ‬دينية‭ ‬مقدسة‭ ‬وقيم‭ ‬معرفية‭ ‬محترمة‭ ‬تقود‭ ‬بمجملها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الولاء‭ ‬الأقدس‭ ‬هو‭ ‬للوطن‭ ‬سيد‭ ‬الجميع‭ ‬وهوية‭ ‬الجميع‭ ‬وبيت‭ ‬الجميع‭ .‬

إلى‭ ‬هنا‭ ‬السير‭ ‬طبيعي‭ ‬ومثالي‭ .. ‬إلا‭ ‬أننا‭ ‬أثناء‭ ‬السير‭ ‬التاريخي‭ ‬كشعب‭ ‬نتعرض‭ ‬أحياناً‭ ‬للمشاغبات‭ ‬التي‭ ‬تجنح‭ ‬نحو‭ ‬تفسير‭ ‬الولاء‭ ‬إلى‭ ‬قيم‭ ‬مختلفة‭ ‬محدودة‭ ‬الفائدة‭ ‬وخاصة‭ ‬جداً‭ ‬لاتفيد‭ ‬مجتمعاً‭ ‬بأسره‭ ‬بل‭ ‬تعود‭ ‬بالفائدة‭ ‬على‭ ‬أفراد‭ ‬من‭ ‬المحتمع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تضر‭ ‬بالمسيرة‭ ‬الطبيعية‭ ‬للبلد‭ .. ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬طبيعي‭ ‬كوننا‭ ‬كبشر‭ ‬تستحوذ‭ ‬علينا‭ ‬أفكارٌ‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬مثالية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬نفعية‭ ‬وانتهازية‭ ‬وهي‭ ‬غير‭ ‬ذات‭ ‬شأن‭ ‬ولا‭ ‬تكاد‭ ‬تبين‭ ‬لمحدوديتها‭ ‬وقلة‭ ‬متداوليها‭ ..‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يشذ‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬القاعدة‭ ‬الرئيسة‭ ‬ويبعدها‭ ‬عن‭ ‬القياس‭ ‬لشذوذها‭  ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الخطر‭ ‬يتبدى‭ ‬واضحاً‭ ‬حتى‭ ‬لكأنه‭ ‬الجرس‭ ‬الذي‭ ‬يأذن‭ ‬بنهاية‭ ‬المثل‭ ‬وإنهيار‭ ‬المنظومة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬وبالتالي‭ ‬إنهيار‭ ‬المجتمع‭ ‬والقيم‭ ‬النبيلة‭ ‬عندما‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الانتماء‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬للوطن‭ ‬بعد‭ ‬الآن‭ ‬بل‭ ‬للجماعة،‭ ‬أو‭ ‬التنظيم،‭ ‬أو‭ ‬الحزب،‭ ‬أو‭ ‬الجهة،‭ ‬والولاء‭ ‬لمن‭ ‬يدفع‭ ‬أكثر‭ ‬دونما‭ ‬حسبان‭ ‬لمستقبل‭ ‬يتلاشى‭ ‬وأجيال‭ ‬ستنمو‭ ‬في‭ ‬اللاأخلاق،‭ ‬واللاقيمة‭ ‬واللامعنى‭ . .‬فهل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الميراث‭ ‬الذي‭ ‬سنمنحه‭ ‬لأبنائنا‭ ‬؟‭ ‬أم‭ ‬هل‭ ‬تغيرت‭ ‬القيم‭ ‬والمباديء‭ ‬والأسس‭ ‬العامة‭ ‬للإنسانية؟‭ .. ‬وهل‭ ‬للدولة‭ ‬بمختلف‭ ‬أذرعها‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬تكريس‭ ‬القيم‭ ‬الحضارية‭ ‬والأخلاقية؟‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬دورها‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬توطين‭ ‬التفاهة‭ ‬ومسك‭ ‬عصا‭ ‬الجزرة‭ ‬قدام‭ ‬المواطن‭ ‬كي‭ ‬يستمر‭ ‬في‭ ‬لهاثه‭ ‬المجنون‭ ‬نحو‭ ‬توفير‭ ‬ما‭ ‬يحتاجه‭ ‬دونما‭ ‬إعتبار‭ ‬لكيفية‭ ‬توفير‭ ‬احتياجاته‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الكريم‭ .. ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬نضيع‭ .. ‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬البوصلة‭ ‬محطمة‭ .. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬المفاهيم‭ ‬تغيرت‭ ..‬كما‭ ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬نعيش‭ ‬الكابوس‭ ‬بمعناه‭ ‬الحقيقي‭ .‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى