من أبرز الآثار والنتائج السلبية بل وأهمها على الطلاق للتفكك الاسري هي قطع صلة الرحم بين الأبناء وأبويهم، وأقاربهم، وما يترتب على ذلك من نتائج مدمرة للأبناء في المقام الأول ثم والديهم ثانيًا؛ وحتى نبسط الأمر على القارئ الكريم نستعرض بداية في هذا المقال بعض الحالات الواقعية، وما آلت إليه الأمور من نتائج مؤسفة.
في الحالة الأولى و منذ ما يزيد عن سبع سنوات قام )ع.أ.ع( بايقاع الطلاق على زوجته الذي انجب منها ابنته الوحيدة التي لم يزد عمرها عن 9 أشهر نتيجة لخلافات عائلية شائكة استحالت معها استمرار العلاقة الزوجية بينهما ومن بين ما قضتْ به المحكمة في حكم اثبات الطلاق احقية الوالد رؤية ابنته مدة ساعتين كل يوم خميس من كل أسبوع، وتكون الزيارة في مقر الشؤون الاجتماعية بالمنطقة حسب اتفاقهما في هذا الشأن.
التزم الطرفان بداية بالأمر، ولكن بعد عدة أشهر امتنعتْ الحاضنة «زوجته السابقة» عن تنفيذ الحكم الأمر الذي جعل طليقها – والد الطفلة-في حيرة من أمره بين طلب إلزامها بتنفيد الأمر فيكون مقر التنفيذ بطبيعة الحال هو مقر الشرطة القضائية الأمر الذي لا يقبله حسب قوله لأسباب معينة، وبين ترك هذا الامر لعل الله يحدث أمرًا .
النتيجة كانت أنّ والد المحضونة لم يرَ ابنته منذ ما يزيد عن الستة سنوات.
الحالة الثانية للاخت )إ.أ.ع( التي سبق لها أن كانتْ حاضنة لابنها الوحيد وعند بلوغه سن «11» عامًا تزوجتْ، انتقلتْ الحضانة لولي المحضون )زوجها السابق( الذي رفض بتاتًا تمكينها من رؤية ابنها الأمر الذي دعاها لاستصدار أمر قضائي بالزيارة فقام والده بتحريض ابنه على والدته في محاولة منه لعرقلة تنفيذ الأمر القضائي، فكانت النتيجة أنّ الابن رفض الذهاب مع والدته ودخوله في حالة من الصراخ، والبكاء الهستيري عند رؤيته لها بمقر الشرطة القضائية مما اضطرها في النهاية لترك تنفيذ الأمر .
أما الحالة الثالثة فتقدم الزوج
)م.أ.ع( بطلب استصدار أمرٍ بالزيارة لبناته وابنه بعد أن تركتْ زوجته بيت الزوجية إثر خلافات بينهما ودخولهما في مرحلة التقاضي، وقد صدر الأمر بتمكينه من زيارتهم، واصطحاب الابنة الكبرى للمبيت معه لمدة يومين من كل أسبوع .. كما أن الابن ألمتْ به وعكة صحية إثر تعرضه للبرد الشديد عند ذهابه لرؤية والده بمقر الشرطة القضائية في أحد الأيام شديدة البرودة والممطرة.
من خلال ما قمنا بعرضه يتضح لكَ عزيزي القارئ بعض المآسي التي يعانيها الأبناء، وذووهم الناتج عن التفرق المادي )دون الطلاق، أو بالطلاق الفعلي(، وإن الأبناء في كثيرٍ من الأحيان يتم استغلالهم للأسف الشديد كوسيلة للانتقام من قبل والديهم، وفي أحيانًا اخرى كوسيلة للضغط للوصول لأهداف بعيدة كل البعد عن مصلحة الأبناء.
هذا يقودنا حتمًا لبيان الرأي القانوني في هدا الجانب .
«الرأي القانوني» في مسألة حق زيارة الأبناء والآثار المترتبة عليه..
لقد نظم المشرع الليبي، وبشكل مقتضب هذه المسألة، وترك جلها لتقدير المحكمة، ولسلطتها التقديرية تقضي فيها بما تراه مناسبًا وملائمًا في كل حالة على حدة آخدةً بعين الاعتبار قاعدة )أن مصلحة المحضون أولى بالرعاية من مصلحة الخاضنين( فقد نصتْ المادة )68( من القانون رقم «10» لسنة 1984 بشأن أحكام الزواج والطلاق وآاثارهما على )إذا تنازع الحاضن وولي المحضون في زيارة الطفل تعين على القاضي المختص أن يصدر أمرًا بتحديد موعد الزيارة، وزمانها ومكانها، ويكون الأمر مشمولاً بالنفاد المعجل وبقوة القانون(.
إذا ومن خلال النص السالف الذكر فإن المشرع ترك مسألة تعين الزمان والمكان لسلطة المحكمة تقدرها وفقًا لعمر الطفل، ووضعه الصحي مثلاً، وحسب مكان اقامة حاضنه، وغيرها من الأمور؛ ففي الغالب لا تكون الزيارة للرضيع إلا برؤيته ساعة أو ساعتين دون اصطحابه .. كما أن صدور أمر الزيارة لا يعني بالضرورة تنفيذه على الفور بل أجاز القانون لذوي الشأن التظلم منه، والاعتراض عليه، وطلب وقف تنفيذه مؤقتًا عبر «الاستشكال في التنفيذ» .. كما إن لطالب الزيارة أن يطلب تعديلَ مكان، وزمان الزيارة لتغير الظروف، أو لتقدم سن الأبناء.
ولأهمية الأمر فإن المشرع أحاط هذا الحق ببعض التشريعات الجنائية لضمان حسن تنفيذه فقد رتب عقوبات جنائية على مَنْ يرفض تنفيذ أمر زيارة المحضونين، ومنها ما نصت عليها المادة )398/ ب( من قانون العقوبات، بل إن حق الحضانة في حد ذاته قد يسقط على الحاضن إذا تم ادانته إد أن المحكمة العليا رأتْ أن ذلك يؤثر على شرط أمانة الحاضن الذي يجب أن تتوفر فيه لأن من مصلحة المحضون المؤكدة هي في رؤية والدته، أو والده.
وعليه فان امتناع الحاضن عن تنفيذ حكم الزيارة، وقطع صلة رحمه يعد اضرارًا به دون شك، الأمر الذي يجعل من الحاضن غير أمينٍ عليه فيسقط عنه حق الحضانة..
وتجدر الاشارة أن ما يزيد الطين بلة في هذا الأمر أنه وعمليًا فإن مكان الزيارة يكون بمقر الشرطة القضائية كما جرتْ العادة باعتبارها الجهة المنوط بها تنفيذ الأحكام القضائية إلا أنه وفي الغالب لا يتوفر في هذه المقرات أي مقومات تصلح لأن تكون مكانًا لزيارة الأطفال خاصة إنّ كان الطفل رضيعًا فالبعض لا يتوفر فيه حتى غطاء للأرضية، وتنعدم فيها وسائل التدفئة شتاءً، والتبريد صيفًا، مما يجعل الطفل عرضة للاصابة بالأمراض ونزلات البرد، والتقاط العدوة، والاجهاد نتيجة مكوثه لساعات قد تكون طويلة في هذه الاماكن .. كما أن بعض الاطفال قد يصابون بالخوف، والرهبة الشديدة نتيجة رؤيتهم أفراد الشرطة والأسلحة وقد يسمعون ما يدور في هذه المقرات من شجار، ومشكلات بحكم طبيعة عمل هذه الجهة الأمر الذي يفاقم الاثار السلبية على وضعهم النفسي .. لذلك كلنا أمل أن يتم تخصيص جهة معينة تكون مهمتها الاشراف على تنفيذ أوامر وأحكام زيارة الأطفال، وأن تتوفر فيها كل الاشتراطات الصحية وتشمل كادر من الاختصاصيين النفسيين بالاضافة الي الشرطة القضائية ..