للمرة الثالثة شهدت طرابلس، ما أطلق عليه بعض من بيدهم القرار الإعلامي، أو الثقافي الإعلامي وربما التقني المتعلق بها، )أيام طرابلس( حيث دُعيَ إلى البلاد عددٌ غير قليل من الأسماء المعروفة بالمؤسسات الضالعة في تسييرها، فعرضت بعض الشاشات ما تسنى لها أن تعرض، وخصّت بالضرورة ما راق لها أن تخصَّ، وما ذلك إلا لأن الإعلام دوماً أداة من أدوات السلطة يحرص بشتى الوسائل على تطويعها ويحاول المتضلعون فيها أن تصيرَ لما يروقهم من المردود المعنوي، أو المادي، أو كليهما، ومع أن العهود كثيرًا ما تضيق ذرعًا أو تعدم اطمئنانا لمن سبق له أن ارتبط بالماضي وسعى إلى حسن أداء ما كان به يأمر وإليه يرغب، إلا أن العودة إلى ذوي الماضي كثيرا ما تكون في مقدمة ما يسعى إليه من يناط به القرار الرسمي، ومع أنه كثيرا ما يبرر مسعاه هذا بالحرص على التنزه عن الإقصاء وإفساح المجال للجميع، إلا أن الحقيقة مفادها ما عجز هذا الذي جاءت به المحاصصة أو شراكة المصلحة أو مكافأة خدمة من الخدمات التي كثيرا ما لا تكون مشرفة ويمررها مقترفها تحت غطاء التعاون ونقيصة التنازلات وذلك لأن استشعار الأهلية إحساس لا يكابده الكل، وإنما هو عادة نتاج التكوين الجبهوي الذي لا يكتسبه سوى من أمضى وتنامى في التكوين المنهجي الذي لا يفرق بين شرط استقامة الفكرة والأداة، لا فرق أن يتعلق الأمر بوطننا ليبيا، بنغازي أو طرابلس، أو تونس والرباط وبينهما الجزائر أو شرقًا من مصر وبغداد وفلسطين الشتات، ممن طالما غصّت بهم ملتقياتنا ولم تشغلهم الاهتمامات الرسمية، فلم يترددوا في السؤال بل واستشعار المسؤولية بأهمية الغائبين أو المغيبين، الأمر الذي ما لبث أن دفع العهد إلى تدارك ذلك النقص ووسعت الدائرة أمام كل من أحسن استثمارها في رفع السقف وتجويد الأداء، فكان ما كان من الكتابات التي أعطت حجة للعهد وليس عليه كما كنا نقول ونسمع، ونرفض اليوم مجانية الشيطنة ونترفع عن كل ما يوسع شقة الخلاف ولا يخشى عار الملق ونقيصة احتراف المدح، فمن يقض الوقت الكافي وهو يبدي الرأي الدال على اكتساب الكافي من الخبرة في جميع الشؤون يخجل أن يجلس بين صفوف المحترفين، أجل فمن يحقق من الحضور ما يدخله قامة الأعلام ليترك ما استطاع الإعلام لغيره ممن لا يكبرون أبدا، أما الذين يقولون بأن أعداد الإعلاميين عندنا تصل إلى الآلاف عددًا، فرغم أن أسلم رد قول محمد حسن «صحيح صحيح» إلا أننا لن نلومهم والميزانيات العامة تحضر وملاحظات ديوان المحاسبة عليها لا تهم أحدًا، فإن العدد يمكن أن يتضاعف ما دام كل متحدث يلقي بما يطيب له دون أن يطلب إليه تقديم الدليل.