ثقافة

عن الموت والرواية

ماريو بارا غاس

شكري‭ ‬الميدي

مات‭ ‬‮«‬يوسا‮»‬،‭ ‬ولم‭ ‬يكتبْ‭ ‬روايةً‭ ‬عظيمةً‭ ‬مثل‭:‬

‭)‬مئة‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬العزلة‭( .. )‬يوسا‭( ‬هو‭ ‬الكاتبُ‭ ‬الأكثر‭ ‬أهميةً‭ ‬لفهم‭ ‬أساليب‭ ‬الكتابة‭ ‬الروائية،‭ ‬لكنه‭ ‬أقل‭ ‬فهماً‭ ‬لكتَّاب‭ ‬يعتبرهم‭ ‬هو‭ ‬عظماء،‭ ‬فهمه‭ ‬لـ‭)‬فوكنر‭(‬؛‭ ‬مثلاً‭ ‬لا‭ ‬يقترب‭ ‬أبداً‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬‮«‬ماركيز‮»‬،‭ ‬ربما‭ ‬هو‭ ‬أمرٌ‭ ‬متعلق‭ ‬بنشأته،‭ ‬وخياراته‭ ‬السياسية،‭ ‬هناك‭ ‬ضعفٌ‭ ‬مزعجٌ‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬كتابته‭ ‬للروايات،‭ ‬والقصص،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬معرفة‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬حيوية‭ ‬مفرطة،‭ ‬أم‭ ‬جمود‭ ‬في‭ ‬حيويته؟‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬الوضع،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬له‭ ‬بانتاج‭ ‬عمل‭ ‬ضخم‭ ‬مثل‭ )‬خريف‭ ‬البطريرك‭(‬،‭ ‬أو‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬مثل‭ ‬قصة‭ )‬موتٌ‭ ‬معلنٌ‭(‬،‭ ‬مقالاته‭ ‬عن‭ ‬الأدب‭ ‬تظهر‭ ‬هذا‭ ‬الضعف‭ ‬المراوغ،‭ ‬هو‭ ‬كاتبٌ‭ ‬عظيم‭ ‬لم‭ ‬يفهم‭ ‬كتبًا‭ ‬كبيرة‭ ‬مثل‭: ‬روايات‭ )‬همنغواي‭(‬،‭ ‬واعتبرها‭ ‬فقط‭ ‬أسلوباً‭ ‬جديداً‭ ‬لكاتب‭ ‬بوهيمي،‭ ‬بالنسبة‭ ‬لكاتب‭ ‬مثل‭ ‬التركي‭ ‬‮«‬أورهان‭ ‬باموق‮»‬،‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬يوسا‮»‬‭ ‬طريق‭ ‬مهم‭ ‬لفهم‭ ‬كيفية‭ ‬كتابة‭ ‬رواية‭ ‬عالمية،‭ ‬من‭ ‬كاتب‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬عالم‭ ‬ثالثي،‭ ‬قنطرة‭ ‬يمر‭ ‬عليها‭ ‬الكاتب‭ ‬الشاب‭ ‬بحشد‭ ‬من‭ ‬الأدباء‭ ‬من‭ ‬‮«‬دوستويفسكي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تولستوي‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬سارتر‭ ‬وكامو‮»‬،‭ ‬و«فلوبير‮»‬‭ ‬ليصل‭ ‬أخيراً‭ ‬إلى‭ ‬شكل‭ ‬مشابه‭ ‬لِمَ‭ ‬أصبح‭ ‬عليه‭ ‬بـ«اموق‮»‬‭: ‬كاتب‭ ‬عظيم‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬رواية‭ ‬واحدة‭ ‬عظيمة،‭ ‬بل‭ ‬حشد‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬نصوص‭ ‬سهلة‭ ‬النسيان،‭ ‬‮«‬يوسا‮»‬‭ ‬يقدم‭ ‬هذا‭ ‬المزيج‭ ‬السحري،‭ ‬الذي‭ ‬يجعلكَ‭ ‬تحسَ‭ ‬أن‭ ‬كتابة‭ ‬عمل‭ ‬كلاسيكي‭ ‬أمر‭ ‬ممكن،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬المتعة‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬رواياته‭ ‬فإنها‭ ‬تظل‭ ‬أكثر‭ ‬تواضعًا‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬العظيمة‭ ‬كتب‭ ‬مثل‭: ‬‮«‬حفلة‭ ‬التيس‮»‬،‭ ‬‮«‬شيطانات‭ ‬الطفلة‭ ‬الخبيثة‮»‬،‭ ‬‮«‬مديح‭ ‬الخالة‮»‬،‭ ‬‮«‬حلم‭ ‬السلتي‮»‬،‭ ‬وقصة‭ ‬‮«‬الجراء‮»‬،‭ ‬كلها‭ ‬تبدو‭ ‬كأنها‭ ‬سيناريوهات‭ ‬لمسلسلات‭ ‬رخصية‭ ‬تم‭ ‬إعادة‭ ‬كتابتها‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬روايات،‭ ‬أنت‭ ‬تسير‭ ‬معها‭ ‬ببساطة‭ ‬إلى‭ ‬نهايتها‭ ‬المعدة‭ ‬مسبقاً،‭ ‬في‭ ‬مكتبتي‭ ‬عددٌ‭ ‬كبيرٌ‭ ‬من‭ ‬كتبه،‭ ‬أعتقد‭ ‬أحياناً‭ ‬إنني‭ ‬تأخرتُ‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬قرأته،‭ ‬‮«‬يوسا‮»‬‭ ‬كاتب‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تقرأه،‭ ‬وأنت‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬حتى‭ ‬تستفيد‭ ‬منه‭ ‬كثيراً،‭ ‬رواية،‭ ‬أو‭ ‬ثلاث‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬كتبه‭ ‬لا‭ ‬تمنحك‭ ‬أي‭ ‬فرص‭ ‬لفهمه‭ ‬كاملاً‭ ‬أو‭ ‬جزئياً،‭ ‬هو‭ ‬كاتب‭ ‬متجدَّد،‭ ‬ينتقل‭ ‬عبر‭ ‬مواضيع‭ ‬كثيرة‭ ‬وقارات‭ ‬مختلفة،‭ ‬لكنه‭ ‬يكتب‭ ‬بالطريقة‭ ‬نفسها،‭ ‬وغالباً‭ ‬يصل‭ ‬للنتائج‭ ‬نفسها،‭ ‬لم‭ ‬تترجم‭ ‬سيرته‭ ‬الذاتية‭ ‬بعد‭ ‬للعربية،‭ ‬مشكلاته‭ ‬العائلية‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬مناقشتها‭ ‬ابداً،‭ ‬تأثيرها‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬أدبه،‭ ‬خياراته‭ ‬السياسية‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬فشلت‭ ‬بشكل‭ ‬مضحك‭ ‬وتعاليقه‭ ‬على‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭ ‬الأخيرة‭ ‬تظهر‭ ‬نفس‭ ‬مشكلات‭ ‬رواياته،‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬إن‭ ‬كانتْ‭ ‬حيوية‭ ‬مفرطة‭ ‬أم‭ ‬حيوية‭ ‬تعاني‭ ‬الجمود‭! ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أنه‭ ‬صدم‭ ‬كثيرًا‭ ‬لتبدل‭ ‬موقف‭ ‬أمريكا‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬‮«‬الروسية‭-‬الأوكرانية‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬دعته‭ ‬لإعادة‭ ‬قراءة‭ ‬روايات‭ ‬‮«‬تولستوي‭ ‬وغروسمان‮»‬،‭ ‬وكتب‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬ممتعة،‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تعلمنا‭ ‬أهمية‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬الكلاسيكيات‭ ‬لفهم‭ ‬الأحداث‭ ‬السياسية‭…‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى